“مساواة”: التعليمات المعدلة لقانون الإجراءات الجزائية والصادرة عن مجلس القضاء الأعلى غير قانونية وتمثل تدخلاً سافر في عمل القضاة

بالعربي: أكد المركز الفلسطيني لاستقلال المحاماة والقضاء ” مساواة ” أن التعليمات المعدلة لقوانين مكملة للدستور وطالت قانون الإجراءات الجزائية تمثل تدخلاً سافراً في عمل القضاة وتقييده وهي خطوة غير قانونية وغير دستورية .

وقال مركز مساواة في بيانٍ له :

“مرة أخرى يُصدر مجلس القضاء الأعلى المعين تعليمات معدلة لقوانين مكملة للدستور تطال قانون الاجراءات الجزائية هذه المرة وبغير اختصاص قانوني أو شرعية دستورية، وبادعاء واهن: “حسن إدارة الدعوى الجزائية وتسريعاً واقتصاداً لإجراءات المحاكمة” على حد تعبير مُصدرها، ما يمثل  تدخل سافر في عمل السادة القضاة، وتقييده، وتوجيهه على نحو يحولهم إلى منفذين مسلوبي التفكير، ويمس بضمانات المحاكمة العادلة، ويلغي مضمون ومغزى العدالة الجنائية، ويحوّل القضاء إلى أداة قمع ومُصادرة للحقوق❗️”

“إن الخطورة في مثل هذا النهج غير القانوني وغير الدستوري أنه جاء في أعقاب إلغاء قرارات بقانون جاءت لغرض تمرير ما تضمنته التعليمات، واضطرت السلطة التنفيذية لإلغائها تفادياً للنتائج الوخيمة التي تلحقها بالسلطة التنفيذية ذاتها من قبل المجتمع الدولي والمجتمع المحلي على حد سواء.”

“مساواة” تطالب بإلغاء هذه التعليمات إلغاءً فوري وتركها جانباً وعدم الالتفات إليها.

ولبيان المخاطر التي تنطوي عليها ننشر ورقة الموقف هذه:

أهمية إلغاء تعليمات مجلس القضاء الأعلى المُعيّن صوناً للحقوق ولأسس دولة القانون

مرة أخرى يُصدر مجلس القضاء الأعلى المُعيّن تعليمات معدلة لقوانين مكملة للدستور -هذه المرة طالت قانون الاجراءات الجزائية- بغير اختصاص قانوني أو شرعية دستورية، وبادعاء واهن: “حسن إدارة الدعوى الجزائية وتسريعاً واقتصاداً لإجراءات المحاكمة” على حد تعبير مُصدرها، ومع تأكيدنا على عدم شرعية ودستورية هكذا تعليمات، ومطالبتنا الواضحة بإلغائها الفوري وتركها جانباً وعدم الالتفات إليها، ولغايات بيان المخاطر التي تنطوي عليها للمواطنين/ات؛ وما تمثله من تدخل سافر في عمل السادة القضاة، وتقييده، وتوجيهه على نحو يحولهم إلى منفذين مسلوبي التفكير، ويمس بضمانات المحاكمة العادلة، ويلغي مضمون ومغزى العدالة الجنائية، ويحوّل القضاء إلى أداة قمع ومُصادرة للحقوق.

وعلى سبيل المثال لا الحصر، فقد تضمنت هذه التعليمات ما ينتقص من ضمانات تمتع المتهم بإجراءات محاكمة عادلة، حيث اعتبر البند الخامس منها المحاضر التي ينظمها مأموري الضبط القضائي حجة دون الحاجة إلى دعوة منظمها لمناقشته، ما يُهدر مبدأ المواجهة وحق الدفاع، ويقيّد حق المتهم بإثبات عكسها من خلال حرمانه من مناقشة مُعديها، ما يمثل خروجاً سافراً عن حق الخصوم في المواجهة وعن أصل البراءة وعن الحق في المحاكمة العادلة، كما تضمنت التعليمات اعتماد محاضر مأموري الضبط القضائي ومن ضمنها إفادات المقبوض عليهم (صيغت مبادئ العدالة الجنائية الدولية لمواجهة صياغة تلك المحاضر وأخذ تلك الافادات تحت الضغط والإكراه والتعذيب)؛ كبينة دون دعوة منظميها لمناقشتهم ومواجهتهم، متجاوزة الحجية النسبية لتلك المحاضر، ومحولة إياها إلى دليل كامل الحجية، وفي هذا نسف لضمانات حق الدفاع وضمانات المحاكمة العادلة، وبخاصة للموقوفين أو المتهمين الذين أجازت التعليمات محاكمتهم دون حضور محامٍ.

ومنح البند السادس من التعليمات سلطة أخرى لمأموري الضبط القضائي على حساب حقوق المتهمين الأصيلة، بنصه على اعتماد إفادة المتهم أمام مأموري الضبط القضائي كسند رسمي لا يتم دعوة منظمه للشهادة، ولا يُمكّن المتهم من تقديم أي بينة في مواجهته، إلا في حالة واحدة ويتيمة وهي حالة تضمن الإفادة اعترافاً منه، كما توسعت التعليمات في تعداد أعذار عدم حضور الشهود، واعتبرتها ملزمة ولا حاجة لمناقشتهم في أقوالهم، ويُكتفى بتلاوة شهادتهم أمام مرحلة التحقيق واعتبار تلك التلاوة دليلاً في المحاكمة على خلاف ما استقر عليه الفقه والقضاء، حيث اعتبرت إقامة الشاهد في غزة والقدس والخط الأخضر وداخل سجون الاحتلال وخارج البلاد عذراً يمنعه من الحضور للإدلاء بشهادته، ويلحقه تباعاً تلاوة شهادته علانية دون حضوره، وعلاوة على المساس الواضح والصارخ بحق المتهم في مواجهة الشهود، نرى بذلك تصريح لعجز السلطات عن مد ولايتها على كافة الأراضي واستسلامها للأمر الواقع ورضوخها على حساب حقوق المتهمين والمتقاضين دون أن تكلف نفسها عناء البحث عن أي حلول عادلة، متجاوزة ما تضمنه قانون الإجراءات الجزائية من ضمانات ومعايير ناظمة لشهادة الشهود وقوتها في الإثبات.

واعتبرت التعليمات حضور المحامي في الجنح أمراً غير واجب، وعليه لا يجوز تأجيل السير في الدعوى لعدم حضوره، ونرى بأن القانون نص على جواز السير في الدعاوى الجنحوية؛ بمثابة الحضوري عند تغيب المحامي عن الحضور، وليس كما جاءت التعليمات بالاستبعاد المطلق لحضور المحامي، والذي يستتبع تهديد حقوق المتهمين والدفاع عنها.

ونصت التعليمات على إسقاط الدعاوى الجزائية الموقوف تحريكها ابتداءً على شكوى إذا لم يحضر المجني عليه أو المدعي بالحق المدني جلستين متتاليتين، ولو كان هناك عذر مشروع لهما، وبهذا مساس بالحق في جبر الضرر الناشئ عن المساس بحقوق المواطنين/ات، فضلاً على أنه استدلال بغير محل، فالمادة الخامسة من القانون تنص على مدة تقادم الحق بتقديم الشكوى، بحيث لا تقبل الشكوى بعد مرور 3 أشهر من تاريخ العلم.

نرى في سياسة تعديل التشريعات التي طالت القوانين المكملة للدستور كحال هذه التعليمات، من قبل جهة غير مختصة ومغتصبة لصلاحيات سلطة التشريع نهجاً خطيراً يؤدي إلى الالتفات عن نصوص تشريعية أصيلة وفق مقدمتها القانون الأساسي، لغايات تحقيق مصلحة للإدارة المتنفذة في السلطة القضائية والمُعينة من قبل السلطة التنفيذية ولمصلحتها.

إن الخطورة في مثل هذا النهج غير القانوني وغير الدستوري أنه جاء في أعقاب إلغاء قرارات بقانون جاءت لغرض تمرير ما تضمنته التعليمات، واضطرت السلطة التنفيذية لإلغائها تفادياً للنتائج الوخيمة التي تلحقها بالسلطة التنفيذية ذاتها من قبل المجتمع الدولي والمجتمع المحلي على حد سواء.

إنها ببساطة تعليمات تستهدف تكريس سياسة الهيمنة والسيطرة وبسط النفوذ والتفرّد والضرب بعرض الحائط بعقدنا الاجتماعي وحقوق مواطنينا، وتنسف مبادئ دولة القانون، وفي مقدمتها مبدأ فصل السلطات وسيادة القانون واستقلال القضاء وحياده.

إننا نتطلع لالتزام السادة القضاة بالقسم القانوني الذي أدوه عند توليهم وظائفهم القضائية، وبحقوقهم وسلطاتهم الدستورية والتي تقضي بأن قضائهم مستقلاً لا يخضع إلا إلى القانون والضمير، وعلى المحامين/ات الذين بدورهم أدوا القسم القانوني للدفاع عن حقوق المواطنين/ات وحرياتهم الدستورية ومبادئ دولة القانون والحكم الرشيد، أن يتمسكوا برسالة نقابتهم وحقوق موكليهم وكرامتهم المهنية، وندعو سائر مؤسسات المجتمع المدني والفعاليات الاجتماعية وعموم المواطنين/ات لإعلاء صوتهم صوناً لحقوقهم في الوصول إلى العدالة والتمتع بضمانات المحاكمة العادلة، في ظل قضاء نزيه مستقل محايد قويّ.

فلتلغى هذه التعليمات ومثيلاتها فوراً ودون إبطاء، كونها تعبث بالقانون الأساسي وتطيح باستقلال القضاة وتلغي ضمانات المحاكمة العدلة وتنسف مبادئ العدالة الجنائية.