المؤتمر الشعبي الفلسطيني القادم يجسد وحدة الأرض والشعب والقضية

كتب: كامل اسحق الحواش

مساوئ جائحة كورونا التي مرّ العالم بها كثيرة، ولكن إن كان لها مخرج إيجابي فأجده في أنها مكنتنا خلال جلوسنا في بيوتنا من تنظيم ومتابعة العديد من الندوات عبر الزوم أو غيره من البرامج المماثلة. وأقصد هنا أن اللقاءات الافتراضية أعطت فرصة للفلسطينيين في كل أماكن تواجدهم للمشاركة في هذا النشاط الافتراضي، إما كمتحدثين أو متابعين بمداخلاتهم ليناقشوا ازمة الحركة الوطنية الفلسطينية الطاحنة، وضرورة التفكير بسؤال المليون جنيه فلسطيني، ما العمل؟

ومع أن بعض المبادرات والمؤسسات وضعت هذا السؤال في عناوين ندواتها أو مؤتمراتها الا أنها اقتصرت على التحليل والقليل من الفعل، ولم تجب على هذا السؤال المفصلي، ما العمل؟ وبعد متابعة العشرات من هذه اللقاءات وجدتُ، ككثير من الناشطين من أبناء شعبنا، أن أغلب، إن لم يكن جميع اللقاءات اتفقت على أن هناك ضرورة لإعادة الاعتبار لمنظمة التحرير الفلسطينية، الجسم الجامع ل ١٤ مليون فلسطيني، وذلك من خلال إعادة بنائها أو إصلاحها. وتحدث البعض عن أن المدخل لذلك هو انتخاب البرلمان الفلسطيني، أي المجلس الوطني الفلسطيني، ليمثل الكل الفلسطيني. والتركيز هنا على كلمة "انتخاب" المجلس.

كجزء من "ملتقى فلسطين" المكون من مجموعة من الأكاديميين والكتاب والصحفيين، والذي ينشط منذ حوالي أربع سنوات، ايدت ووقعت على بيان أطلقه الملتقى في وقتٍ سابق، يدعو لما ذكر أعلاه، ولكن لم أقتنع بأن ذلك كان كافيا. فالبيانات كثيرة التي يوقع عليها عشرات أو مئات أو آلاف، ولكن صداها يكون توعويا وليس تعبويا. وهذا الكلام بالطبع ليس تقليلا من أهمية وجود هذا الملتقى، وعديد المبادرات.

ناقشت، أنا وأصدقاء، الموضوع مع زملاء من الملتقى وخارجه في محاولة الإجابة على سؤال ما العمل، وتم تكوين مجموعة صغيرة توافقت على َضرورة العودة للأساس، والتركيز على موضوع واحد وهو إعادة بناء م. ت. ف بدءً بانتخابات المجلس الوطني. وهكذا وُلدت "الحملة الوطنية لإعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية" في صيف عام ٢٠٢٠.

تواصلنا مع العديد من الأفراد والمبادرات لضمهم لنا أو لننضم لهم إن كانوا متقدمين عن الحملة ويشاركوننا نفس الأهداف، ولكن واجهنا ما تواجهه العديد من المبادرات الفلسطينية، وهو غياب أو ضعف التنسيق، أي صعوبة العمل مع بعضنا. ذلك أنه ليس سهلاً، في ظل التشتت والانقسامات، لأي مجموعة قبول التخلي عن استقلاليتها. وكان ضرورياً أن نتحرك جميعا بتنسيق جماعي لنستطيع أن نكون قوة ضاغطة لتحقيق الهدف المشترك.

في بداية عام ٢٠٢١، أطلق الرئيس محمود عباس مرسوم الانتخابات، بدءً بالتشريعية ثم الرئاسية وبعدها "استكمال" المجلس الوطني، أي بدون انتخابات. رفضت الحملة المرسوم، لأنه كان بمثابة تكريس لمسار اوسلو، الاتفاق الذي أوصل القضية الفلسطينية الى الوضع الكارثي، وهو المسار الذي يلزم السلطة الوطنية الفلسطينية بالتنسيق الأمني، مع نظام الابرتهايد الاستعماري، بما فيه المساعدة باعتقال أو تصفية مقاومين فلسطينيين واقتحام المدن الفلسطينية بلا مواجهة. وتم حصر حق الترشح والتصويت بمن يسكن الأراضي الفلسطينية المحتلة عام ١٩٦٧. أي أن القضية الفلسطينية انحصرت في أراضي ١٩٦٧. انا، مثلاً، كفلسطينيّ لم يولد في فلسطين التاريخية، لا يُسمح لي بالترشح أو التصويت في انتخابات الرئاسة. أي أن الدولة ورئيسها لا يمثلونني ولا يمثلون اللاجئين ولا فلسطينيي ١٩٤٨ ولا البقية في الشتات.

وما كان لافتاً للنظر بالنسبة لانتخابات المجلس التشريعي والرئاسة، هو أن نسبة من سجل من فلسطينيي مناطق ١٩٦٧ للمشاركة في التصويت، تجاوزت ٩٠٪. أي أن هؤلاء الفلسطينيين متعطشون لانتخاب ممثليهم على أمل جلب تغيير جذري يبدأ بتصحيح المسار المدمر التي انتهجته القيادة الحالية. لكن حتى هذه الرغبة الشعبية في المشاركة في العملية السياسية، على محدوديتها، تم قمعها.

لقد راقبنا الغاء الرئيس للانتخابات بحجة عدم إمكانية إقامتها بالقدس بدل تحدّي المحتل، وتابعنا مقتل المرحوم نزار بنات وما تبعه من غضب وإحباط. استمرينا بالعمل لتسنح لنا الفرصة لإطلاق حملتنا والعمل لتكوين قوة ضاغطة.

تغير الوضع في بداية العام الحالي عندما بدأنا بلقاءات مع "التحالف الشعبي للتغيير" الذي اطلقه عدد كبير من  الشخصيات الوطنية المعروفة، والنشطاء، من داخل الصفة الغربية، والذي كتب عنه الأستاذ عوض عبد الفتاح، الناشط في المبادرة، في مقاله " عن مبادرة التغيير الجديدة في فلسطين" والذي نشره موقعكم المحترم. وبعد عدة لقاءات صريحة بقيت هناك فجوة بين الحملة والتحالف تمثلت بما وصف بالخصوصيات التي يواجهونها، كونهم يناضلون للتغيير على الأرض مما يدفعهم للمطالبة بانتخابات للمجلس التشريعي والرئاسة بينما نصر نحن في الحملة على ان الأساس هو انتخابات مجلس وطني. ولكننا الآن متفقون على تبني انتخابات للمجلس الوطني في فلسطين والشتات كطريق لإعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية، كمنظمة وطنية جامعة للكل الفلسطيني، وكأداة للنضال والتحرير. وتعود الأهمية الخاصة لهذا التحالف كونه انطلق من داخل فلسطين، ومن مدينة رام الله، التي تتخذ منها السلطة الفلسطينية، وأجهزتها الامنية مقرا لها.

ما ساهم في إغلاق هذه الفجوة، هو النتائج السلبية التي تمخض عنه عقد اجتماع المجلس المركزي في ٧ فبراير، من قبل الرئيس الفلسطيني محمود عباس، والذي تمت فيه تعيينات للمجلس الوطني واللجنة التنفيذية والمجلس المركزي بدون العودة للشعب. إن تركيز الصلاحيات بيد الرئيس ومجموعة صغيرة حوله، والضرب بعرض الحائط بالأسس الديمقراطية، كل ذلك اقنع الجميع أن الخاسر بالنهاية هو الشعب الفلسطيني في كل أماكن تواجده. ومن هنا نكون قد بدأنا بالإجابة عن سؤال المليون جنيه فلسطيني، ما العمل؟ أي التوافق على التمثيل للكل الفلسطيني من خلال انتخابات للمجلس الوطني في كل أماكن تواجد الفلسطينيين، والعمل على تذليل المصاعب في مناطق تستعمل دائما كذريعة لعدم إمكانية اجراء انتخابات للفلسطينيين فيها مثل الداخل الفلسطيني والأردن. ويمكن أن يشكل هذا التعاون المتقدم، نموذجا في العمل المشترك والتشبيك، واستعادة ثقة الناس بالعمل من أجل التغيير الداخلي، وبالنضال ضد المستعمر.

بناء على إيماننا بوحدة الأرض والشعب والقضية، من الضروري أن نعمل سويا في كل مكان لتكوين قوة شعبية ضاغطة للتغيير بصورة جماعية، وبروح من المسئولية التاريخية.

و ستكون الخطوة الكبيرة الأولى تنظيم "الحملة الوطنية لإعادة بناء م ت ف" و" التحالف الشعبي للتغيير"؛ "المؤتمر الشعبي الفلسطيني: نحو استعادة الحقوق الوطنية وإعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية" ، الذي سينعقد على الأرض في رام الله و في غزة تزامناً مع مشاركة من فلسطينيي اللجوء والشتات عن طريق الزوم. وسيكون تاريخه في شهر أكتوبر. يأتي بمخرجات تشكل لجنة لمتابعتها بعد المؤتمر حتى تحقيق تلك المخرجات. وسيتم الإعلان عن التاريخ قريبا. ما نطالب به هو التغيير الشرعي والديمقراطي والسلمي عن طريق انتخابات للمجلس الوطني الفلسطيني ليمثل ١٤ مليون فلسطيني.

___________________

*البروفيسور كامل الحواش: اكاديمي فلسطيني في بريطانيا ومنسق الحملة الوطنية لإعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية واللجنة التحضيرية العامة للمؤتمر الشعبي الفلسطيني.