تحقيق استقصائي.. "التحويلات الطبية.. غيابُ المعايير يُهدر المال العام"

بالعربي: في آذار/ مارس 2019م أعلن الرئيس محمود عباس عن قرار وصفه الكثيرون بالقرار الاستراتيجي والهام وهو قرار توطين الخدمة الطبية ، وعلى الفور أصدرت الحكومة ممثلة بوزارة الصحة قرارًا بوقف التحويلات الطبية الفلسطينية من الضفة الغربية وقطاع غزة إلى مشافي الاحتلال التي كانت تكلف خزينة الدولة وفقا للارقام والإحصائيات نحو نصف مليار شيقل سنويا.

وعلى الرغم من رؤية رئيس الحكومة محمد اشتية، والتي أيضا تتكامل مع رؤية الرئيس بتوطين الخدمة الطبية إلى جانب البحث عن بدائل عربية، إلا أن أرقام مديونية المشافي الأهلية والخاصة للحكومة، تشير إلى عدم قدرة الصحة على تطبيق هذا المبدأ؛ لعدم صدور سياسيات توضح الرؤية المستقبلية أو آلية العمل للوصول إلى هذا الهدف، كما يؤكد ديوان الرقابة المالية والإدارية.

وفي سبتمبر/ أيلول 2019 دعا الرئيس محمود عباس الأطباء من فلسطينيي الأراضي المحتلة عام 48 العاملين في المشافي الاحتلال  إلى العمل في المستشفيات الفلسطينية (الحكومية والأهلية والخاصة)، دعمًا لقرار توطين الخدمة الطبية، وردًا على محاولات الاحتلال للضغط على الحكومة الفلسطينية لإعادة التحويلات لمستشفياتها التي خسرت الملايين جراء هذه السياسة، مؤكدا انه خلال  خلال سنة "يجب أن لا يكون هناك اي مريض فلسطيني يعالج خارج الوطن".

وفي المقابل كشف رئيس اتحاد المستشفيات والمراكز الطبية الأهلية والخاصة د. نظام نجيب لـوطن، عن ديون المشافي الخاصة والأهلية على الحكومة، التي تخطت حاجز (800) مليون شيقل مع نهاية شهر أغسطس/ آب العام الجاري 2020م، "وهذا رقم كبير يصطدم بحلم تحقيق توطين الخدمة الطبية".

وأوضح أن الاتفاق مع وزارة المالية ينص عل توريد (31) مليون شيقل شهريا للمستشفيات الخاصة والأهلية، "لكن الحكومة لم تلتزم بذلك وقلصت الدفعات بشكل لا يغطي التكلفة التشغيلية لهذه المستشفيات"، مشيرًا إلى أن الاتحاد لم يتلقَّ ردًا على طلبه منذ عدة أشهر الاجتماع بوزير المالية.

ويقول: "كذلك تواصلنا مع دائرة شراء الخدمة بوزارة الصحة من أجل إعادة النظر بالأسعار المعتمدة لعلاج المرضى، ولوجود "تمايز" في الاتفاقيات الموقعة مع المشافي الأهلية والخاصة".

وأفاد نجيب بأن هناك اتفاقيات بخصومات وأسعار مجحفة تعقد مع كل مستشفى على حدة، وفي حال لم يوافق المستشفى، توقف عنه التحويلات الطبية وتحول إلى أخرى.

ولتصويب نظام التحويلات الطبية يرى رئيس اتحاد المستشفيات الأهلية والخاصة بوجوب أن يكون طلب شراء الخدمة مركزيًا وموحدًا لجميع المشافي، وبالإجراءات الطبية التي تقدمها، وبأسعار مدروسة وليست تقديرية، حتى لا يتراجع الاستثمار الطبي بما يؤثر على جلب الطواقم الطبية.

وإذ يؤكد نجيب "وجود تمايز" بعمليات شراء الخدمة الطبية من المشافي المحلية في الماضي، فإنه يشك في وجود ذلك حاليًا، "ففي السابق كان هناك محاباة لبعض المستشفيات، ومنها مشفى في شمال الضفة كان يحصل على حصة الأسد من التحويلات الطبية، ويتمتع باتفاقية تفضيلية مع وزارة الصحة، لكن الآن جميع المشافي في دائرة الخطر وتعاني من ضائقة مالية".

وذكر أن بعض المستشفيات كانت قادرة على زيادة عدد أسرّة العناية المكثفة، واستيراد أجهزة التنفس الاصطناعي، "ولكنه استثمار مكلف ولا جدوى منه في ظل عدم تسديد وزارة الصحة للديون المتراكمة عليها"، مؤكدًا أهمية تشجيع المستثمرين على بناء المستشفيات، وجلب خدمات طبية نوعية ترتقي للمستوى المطلوب وتخدم هدف توطين الخدمة العلاجية فلسطينيًا.

ووفقا للأرقام والإحصائيات الصادرة عن وزارة الصحة لعام 2019م، يوجد في الأراضي الفلسطينية، (82) مستشفى، من ضمنها (27) حكومية (14) منها في محافظات الضفة الغربية المحتلة بما فيها القدس.

ويبلغ إجمالي عدد أسرّة المستشفيات (6440) سريرًا، بمعدل سرير واحد لكل (754) مواطن، في حين بلغت موازنة الوزارة للعام 2018، نحو (1.3) مليار شيكل، شكلت الرواتب (48%) منها، فيما يستنزف بند شراء الخدمة (التحويلات الطبية) النصيب الأكبر من موازنة وزارة الصحة .

كما بلغ عدد المرضى الذكور المحولين للعلاج خارج مرافق وزارة الصحة 29.543 ذكراً، بنسبة قدرها 54.2%، وبلغ عدد المرضى الإناث المحولات للعلاج خارج مرافق وزارة الصحة 24.965 أنثى، ونسبتهن 45.8% من عدد المرضى المحولين في العام 2019.

وخلال العام 2019 بلغ متوسط عدد التحويلات إلى خارج مرافق الصحة، للمريض الواحد قرابة التحويلتين.

شراء الخدمة تحت المجهر

دائرة شراء الخدمة في وزارة الصحة هي المسؤولة عن تحويل المرضى للعلاج في المشافي الأهلية أو الخاصة الفلسطينية أو للعلاج في الخارج، أو حتى إلى مشافي الاحتلال ، تعويضًا عن النقص الموجود لدى المؤسسات الصحية الحكومية، سواء كان هذا النقص في التخصصات والخبرات الطبية والأجهزة والمعدات، أو المرافق الطبية وقدرتها على استيعاب أعداد المرضى، حيث يعوض هذا النقص بشراء الخدمات الطبية، وفقًا لما هو منشور على الموقع الإلكتروني للوزارة..

ويناط بدائرة شراء الخدمة الصحية العديد من المهام، وفقاً لمدير عام "دائرة شراء الخدمة" في وزارة الصحة د. هيثم الهدري، على رأسها: مراجعة قرارات التحويلات الطبية ومدى مطابقتها للأنظمة واللوائح ذات العلاقة، والمتابعة مع الجهات الطبية المعتمدة لتزويد الخدمات الطبية، وعقد الاتفاقيات والتواصل مع مزودي الخدمات المحليين والخارج في دول أخرى، لتوفير الخدمات الطبية غير المتوفرة وطنيًّا، وتقييم أداء مزودي الخدمة دوريًا، بما يتناسب مع العقود المبرمة، وإصدار التقارير "لرفع أدائهم واتخاذ الإجراءات اللازمة لذلك"، وإنشاء وتحديث قاعدة بيانات كاملة عن جميع المرضى المُحوّلين، وتوفير جميع الوثائق الداعمة لعملية التحاسب المالي بين وزارة الصحة ومزودي الخدمات الصحية.

والحديث عن إعطاء مشفى نسبة أعلى من التحويلات الطبية، على حساب أخرى، أكده مدير مستشفى خاص في رام الله، رفض الكشف عن اسمه كي لا يُحرم مشفاه من حصته في التحويلات الطبية.

وقال لـوطن: "منذ أن افتتحنا المشفى واجهنا صعوبات كبيرة في قبول وزارة الصحة تحويل المرضى إلينا، وكنا نفاجأ بأن بعض المشافي البعيدة في نابلس أو القدس تأخذ تحويلات طبية لمرضى من سكان رام الله، والأجدر والأسهل تحوليهم لمشفانا، أي في نفس مكان إقامة المرضى".

وأشار مدير المشفى إلى أنهم بذلوا جهودًا كبيرةً كي تقبل وزارة الصحة، وبعد تدخلات واتصالات كثيرة من أطراف مختلفة، بتحويل المرضى إليهم، "فالمشفى ملتزم بكافة الشروط الصحية ولديه الإمكانيات لاستقبال المرضى وعلاجهم"، مؤكدًا أنه لا معايير واضحة في توزيع حصص "التحويلات الطبية" على المشافي الخاصة.

سياسات غير واضحة وخروقات

ويؤكد ديوان الرقابة المالية والإدارية، حق المواطن بتلقي العلاج والأدوية الأساسية، طالما يمتلك تأمينا صحيًا، مبينًا أن فكرة التحويلات الطبية ناشئة عن حق المُؤَمّن بتلقي العلاج، واستنادًا إلى القرار بقانون رقم (113) لسنة 2004م بشأن نظام التأمين الصحي.

وأوضح أن المستشفيات الحكومية تقدم العلاج للمراجعين بما يتوافق مع قدراتها وإمكانياتها، فبعض الأمراض ليس بمقدور جهاز الصحة الحكومي متابعتها، إضافة إلى وجود اكتظاظ وزيادة بأعداد المراجعين في بعض الأوقات ما يستدعي ضرورة التحويل لمستشفيات أخرى.

وفيما يخص مبدأ توطين الخدمة الطبية قال الديوان لـوطن: إن "وزارة الصحة غير قادرة حتى اليوم على تطبيق هذا المبدأ بسبب عدم صدور سياسيات توضح الرؤية المستقبلية أو توافر الامكانيات، أو آلية العمل للوصول إلى هذا الهدف".

وبشأن تدقيق الديوان على التحويلات الطبية فقد أكد ديوان الرقابة المالية والادارية عدم وجود تنظيم للملفات بطريقة واضحة تثبت بأن هذه التحويلة قانونية وسليمة الإجراءات، وتوضح أسباب التحويل في المرفقات".

كما أكد الديوان وجود ضعف في إجراءات الضبط الداخلي في متابعة الاجراءات التي تسبق اصدار التحويلات الطبية، وذلك من حيث نقص بعض المعززات اللازمة في ملف التحويلات (عدم وجود المصادقات اللازمة للأطباء على طلب التحويل ، أو عدم توفر طلب التحويل نفسه في الملف ، ويتم طلب التحويلات من قبل اقسام في المستشفيات لعدد من المرضى بتاريخ يسبق تاريخ دخولهم للمستشفى الحكومي) مما لا يدعم تأكيد سلامة الاجراءات المتعلقة بالتحقق من اكتمال معززات التحويل قبل طلبها.

ونبّه إلى عدم وجود دائرة لمتابعة مرضى التحويلات، للتحقق من مدى كفاية ومناسبة إجراءات تلقي المريض للخدمة الطبية وبالجودة المطلوبة، خاصة في مستشفيات الأراضي المحتلة عام 48، وفي المستشفيات الخاصة، مردفًا: "وزارة الصحة تصدر تحويلات لمستشفيات غير سارية الترخيص لديها".

وأفاد الديوان بأن عدد التحويلات الصادرة من دائرة شراء الخدمة مباشرة في العام 2018م بلغ (35) ألف تحويلة من إجمالي التحويلات الطبية البالغ عددها (109) ألف تحويلة، وفي العام 2019 بلغ العدد الكلي لتحويلات شراء الخدمة من خارج مرافق وزارة الصحة (104.881) تحويلة ، وفي العام 2019 بلغت التكلفة الإجمالية التقديرية لجميع التحويلات (924.084.880) شيقلاً ، بانخفاض مقداره 4.5% عن عام 2018 ، مستبعدًا أن يكون هناك أشخاص متنفذون داخل نظام التحويلات الطبية يتحكمون في توزيع التحويلات وتفاصيلها، "فلا يوجد منافع للمستشفيات الخاصة في عملية التحويل الداخلي".

وفي المقابل، أكد الديوان عدم وجود سياسة واضحة لدى دائرة شراء الخدمة في وزارة الصحة يتم الاستناد عليها في تحديد أسعار الخدمات الطبية التي يقدمها مزودو الخدمة، "حيث تبين وجود تباين في أسعار الخدمات الطبية التي يقدمها مزودو نفس الخدمة الطبية" ومغالاة بعض المستشفيات في الأسعار المقدمة من قبلها.

كما تحدث ديوان الرقابة الإدارية والمالية عن تجاوز خطير يتمثل بعدم التزام الأطباء بقرار مجلس الوزراء بمنع العمل خارج نطاق الوظيفة.

وهنا تُطرح علامة استفهامٍ تتمثل بنشوء حالة تضارب في المصالح، تشكل محل "شك مهني معقول" لدى مدقق التحويلات ، حيث لا يصرح الأطباء بعملهم خارج نطاق الوظيفة الحكومية، خاصة "إذا كان هؤلاء الأطباء أنفسهم، هم أصحاب الولاية القانونية على نظام التحويلات".

كما يسعى الديوان حديثا لمراجعة عيّنة من قوانين المستشفيات الخاصة بالتعاون مع المجلس الطبي الفلسطيني من خلال لجنة مشكّلة بين الطرفين.

علة التكلفة

وحول التكلفة المالية للتحويلات الطبية، أكد الديوان أن الملف يشوبه بعض الغموض، إذ ثمة مشاكل في احتساب التكلفة لوجود تفاوت في الأرقام الصادرة عن الإدارة العامة لشراء الخدمة، والإدارة العامة للشؤون المالية في وزارة الصحة.

ويعزو الديوان السبب في ذلك إلى النظام المالي المعمول به في وزارة الصحة "والذي هو بحاجة إلى إعادة النظر فيه وتطويره".

وتظهر بعض الأرقام التي جاءت في التقرير الصحي السنوي لقيمة التحويلات، أنها بلغت في العام 2016م حوالي (566) مليون شيقل، وبلغت في العام الذي يليه (431) مليون شيقل، وفي العام 2018م بلغت قيمتها (724) مليون شيقل.

في حين تشير البيانات إلى ارتفاع تكلفة فاتورة العلاج في المشافي "الإسرائيلية" ، حيث بلغت قيمة اقتطاع الأموال الفعلية من المقاصة لمصلحة هذه الفاتورة حوالي (817) مليون شيقل للعام 2016م ، ووصلت في العام الذي يليه إلى (849) مليون شيقل، فيما وصلت لمليار شيقل في العام 2018 ، وفي العام 2019 وحتى حزيران العام 2020 وصلت الى نحو ( 648 )مليون شيقل.

وكشف الديوان أن فاتورة العلاج في مشافي الاحتلال عالية التكاليف "ومشافي الاحتلال تستفيد من هذه التحويلات عبر الاقتطاع المباشر من أموال المقاصة ، وفي تدقيق الديوان للحساب الختامي يسجل بشكل دوري تحفظات على اقتطاعات تحويلات مشافي الاحتلال بسبب عدم تطابق الأرقام مع أرقام وزارة الصحة لإدراج اقتطاعات دون اساس من قبل مشافي الاحتلال ومنها حوادث السير واصابات العمل".

وفي موضوع العلاقة المالية مع سلطات الاحتلال الإسرائيلي ، أوضح الديوان أن "مخاطر التدقيق دائمًا مرتفعة في القطاعات كافة ، ومن ضمنها قطاع التحويلات الطبية ، بسب عدم وجود سلطة فرض وقوانين واضحة بخصوص الحقوق والالتزامات".

هيئة مكافحة الفساد لـوطن: المطلوب بناء قاعدة معلومات محوسبة وواضحة لمعايير شراء الخدمات الطبية.

نفذت حديثاً هيئة مكافحة الفساد بالتعاون مع وزارة الصحة والبرنامج الإنمائي للأمم المتحدة دراسة تشخيصية لأهم مخاطر الفساد التي قد تتعرض لها دائرة شراء الخدمة في وزارة الصحة، وذلك لتعزيز العدل والمساواة بين المواطنين في الحصول هذه الخدمة، وللحد من إهدار المال العام بسبب إجراء تحويلات غير مستحقة أو عدم تتبع فاتورة العلاج في المستشفيات الخارجية في داخل فلسطين او خارجها.

وبينت الدراسة أهم مخاطر الفساد التي قد تحصل في دائرة شراء الخدمة، بدءا بتقييم الطبيب المختص في المشافي الحكومية للحالة المرضية في المراحل الأولى ، مرورا باعتماد رئيس القسم الطبي في المشفى الحكومي ، وانتهاء بتصديق مدير المستشفى ، ثم توصية اللجنة الطبية الفرعية المعينة للنظر بالحالات غير الطارئة ، أما الحالات الطارئة فإن دائرة شراء الخدمة تتخذ القرارات السريعة بشأنها.

وأوضحت الدراسة الخطورة في المراحل المختلفة لاتخاذ القرارات بشأن التحويلات الطبية الى المستشفيات الخارجية، سواء الى مشافي في داخل فلسطين او خارجها.

وطالبت الهيئة من خلال الدراسة التي أعدتها بالمزيد من سياسة الإفصاح عن البيانات الخاصة بشراء الخدمة دون المساس بالبيانات الشخصية للمرضى والمراجعين ، وبناء قاعدة معلومات محوسبة وواضحة بخصوص معايير شراء الخدمات الطبية، سواء بمعيّرة المستشفيات التي تتعامل معها الوزارة أو بالمزيد من التحديد للحالات التي يتم تحويلها إلى مستشفيات خارجية ، كاستخدام نظام التصنيف الخماسي للحالات المرضية والطارئة بدل الثلاثي المستخدم حاليا ، علما بأن ذلك يحد من الانفرادية باتخاذ القرارات في المراحل الأولى من التوصية بتحويل المريض من قبل الطبيب المختص ، إضافة الى أهمية التدوير الوظيفي في هذا القطاع وتعزيز دائرة الرقابة الداخلية ونشر تقاريرها ، خصوصا الرقابة على اكتمال ملف شراء الخدمة ، مع أهمية الحد من فرص الاستثناءات التي تمنح لبعض المرضى. لمزيدٍ من التفاصيل حول دراسة هيئة مكافحة الفساد.

تنظيم التدقيق ومعيار التحويل

المعلومات السابقة طُرحناها على مدير عام دائرة شراء الخدمة في وزارة الصحة د. هيثم الهدري ، الذي يرى أن "التدقيق على عملية شراء خدمة التحويلات الطبية تحسنت منذ أن استلم مهام منصبه منتصف عام 2019 وذلك مقارنة بالسنوات الماضية".

وعزا د. الهدري هذا التحسن، إلى تشكيل عدة لجان مسؤولة عن التحويلات الطبية، حيث يتم التدقيق في كل تحويلة ؛ أولًا من قبل لجان المتابعة على المريض في المشافي ، ومن ثم تدقق الفاتورة ماليًا وطبيًا في داخل الدائرة، "وهذا يعني إذا كان لدينا نحو (109) ألف تحويلة في عام 2018م، فتم تدقيقها كاملة ، كذلك تم تدقيق ملف التحويلات الطبية لعام 2019" ، وفق قوله.

وكشف عن فوارق كبيرة جدًا بين الرقم الذي يبعث من المشافي ، والأرقام التي خلصت لها لجان التدقيق المحلية ، سواء كانت الطبية أو المالية ، لافتاً إلى أن المشافي الأهلية والخاصة، لم تعهد مثل هذه الخصومات سابقاً "لأنه وببساطة، لم تكن ملفات التحويلات تخضع للتدقيق كما هو معمول به حالياً".

وأكد الهدري أن دائرة شراء الخدمة لم تلاحظ منذ مطلع العام الجاري ، وحتى الآن، تدني الفوارق ما بين الرقم الذي تخلُص له لجان المتابعة والتدقيق في دائرة شراء الخدمة ، وما بين الرقم المرسل من المشافي الخاصة والأهلية.

وفي سؤاله حول المعايير المتبعة لتحويل المرضى إلى مستشفيات بعينها، أوضح د. الهدري أن ما يحدد عدد التحويلات لمشافي بعينها "هو إيجاد شيء مميز، أو جهاز متطور في مشفى معين، دون غيره".

وأضاف: "طلبنا من جميع المشافي ومن أجل توطين الخدمة، إبلاغنا بأي خدمة نوعية تتوفر لديهم من أجل توجيه الحالات المرضية إليها"، منوهًا إلى أن مشافي القدس لها أولوية تحويل المرضى والنقود، ومن ثم المشافي الوطنية الأخرى، "وإلى اللحظة لم نتسلّم أي كتاب عن خدمات نوعية في أي مستشفى، والخدمة المقدمة هي التي تحكم معيار التحويلات".

وفي ردّه على استمرارهم بالتحويل لمشافي الاحتلال، قال د. الهدري: "قرار الرئيس ببناء منظومة صحية فلسطينية، ووقف التحويلات لإسرائيل واضح، ولكنه يأخذ بعين الاعتبار الحفاظ على حياة المرضى. وعندما اتُخذ القرار كان هناك مرضى يتلقون العلاج في مشافي الاحتلال، فلا نستطيع وقف الدخول لمشافي الاحتلال بشكل قطعي".

غياب الآليات وتضارب مصالح

ووفقًا لدراسة صدرت عن الائتلاف من أجل النزاهة والمساءلة (أمان) تحت عنوان "النزاهة والشفافية في التحويلات الطبية خارج مؤسسات وزارة الصحة" ، فإن وزارة الصحة شكلت ثلاثة مراكز جديدة للتحويلات الطبية في كل من نابلس والخليل ورام الله، لتقرير مكان العلاج المناسب لتلقي الخدمة ، كما ألغت ما كان يعرف بالمندوبين التابعين للوزارات والأجهزة الأمنية المختلفة (الوسطاء) ، الذين كان لهم بحسب التقرير السنوي السادس الصادر عن الائتلاف عام 2013م، دور كبير في تجاوز الإجراءات، وتحويل حالات لا تستحق الخدمة، مع توافر عدة مؤشرات، بأن البعض منهم قد استخدم ذلك للحصول على عمولات، الأمر الذي أدى في النهاية لتحويل الملف بأكمله لهيئة مكافحة الفساد.

الدراسة التي جاءت بعنوان: "بيئة النزاهة في التحويلات للعلاج خارج إطار مؤسسات وزارة الصحة"، أكدت أن الإجراءات التي نفذتها وزارة الصحة للحد من ظاهرة الواسطة والمحسوبية وترشيد الإنفاق ووقف هدر المال العام "شابها العديد من أوجه النقص".

وقالت أيضًا: إن تلك الإجراءات لا تحل المشكلة، بل تُفاقمها وتثير التساؤل حول جدوى طريقة تقديم الخدمة، نتيجة الضغوط التي قد يتعرض لها الأطباء في تلك المراكز، من قبل متنفذين أو مسؤولين للحصول على تحويلات ، وهذه الطريقة لا تزال قاصرة وتثير الشكوك حول مدى العدالة والإنصاف بين المواطنين  في الاستفادة من خدمة العلاج خارج المؤسسات الطبية الحكومية ، خاصةً وأن بعض الحالات المرضية يمكن تطبيبها في المؤسسات الحكومية".

كما نبهت الدراسة إلى تضارب المصالح بين الأطباء ، كأحد العوامل المؤثرة في اتخاذ قرار التحويل ، الذي قد يظهر أيضًا لدى اللجان أو المراكز الطبية المحلية، "بالتالي فكلما توجهت للمحلية كلما زادت الواسطة ، وكلما كان الطبيب غير متفرغ للعمل في المستشفيات الحكومية كلما كان تضارب المصالح أكبر".

لكن المشكلة لا تقتصر على التكلفة أو الإجراءات المتبعة وصولًا إلى التحويل ، بل تمتد إلى الإحراجات والتدخلات من قبل متنفذين ، من أجل إما أن يتم التحويل لدول أو مشافٍ معينة ، أو للحصول على تحويلات قد لا تكون مبررة.

الدراسة تلفت النظر أيضاً إلى التدخلات من قبل بعض كبار المسؤولين في السلطة ، ممن يستخدمون نفوذهم عبر الضغط على دائرة شراء الخدمة ، أو عن طريق الاتصال بالوزير ، بهدف الحصول على تحويلة لـ"إسرائيل"، أو للخارج ، أو لمشفى خاص معين ، على حساب أناس آخرين يستحقون التحويل ، الأمر الذي يؤدي للفساد ، لأن فيه تدخلًا واستخدامًا للنفوذ من أجل الحصول على خدمات أفضل لأشخاص بعينهم".

وتضيف الدراسة: "وهذا فيه هدر للمال العام، لأن تكلفة العلاج في (إسرائيل) أعلى بكثير من تكلفة العلاج في الضفة، ومن هنا تُبرِز الدراسة مشكلة عدم وجود أسس واضحة ومكتوبة، تحكم آلية تحديد مكان العلاج، حيث من الممكن تحويل مريض للعلاج في مستشفى محلي، بينما يحول آخر لنفس المرض لمشفى اسرائيلي! الأمر الذي يعني أن أحدًا ما تدخل لجهة ما، من أجل طرف ما، وهو ما يدعو للتساؤل حول شكل الرقابة المالية على التحويلات" ، للمزيد من التفاصيل حول دراسة أمان ، إضغط هنا

وأمام المعطيات السابقة والإحصائيات وأرقام الأموال الكبيرة التي تنفقها الحكومة على ملف "شراء الخدمة الصحية" ، فإن الاستمرار بالعمل وفقًا للآلية المتبعة ، وفي غياب معايير وأنظمة واضحة تحكم العلاقة بين الدائرة والمشافي الأهلية والخاصة ، يعني برأي المتابعين والمختصين مزيداً من هدر المال العام ، وفي المقابل حرمان الدولة من أموال بالإمكان توظيفها في تطوير المنظومة الصحية ، وتوفير المعدات والمؤهلات اللازمة لسد الحاجات الطبية ، والاستثمار بالمجال الصحي بدلاً من شراء الخدمات من الخارج.

المصدر: وكالة وطن للأنباء