بعد حصرها بالمناسبات الوطنية… نقاش حول مستقبل مسيرات العودة وجدواها

بالعربي:  بعد عامين تقريباً على انطلاقتها، أعلنت "الهيئة العليا لمسيرات العودة وفك الحصار" برنامجها للعام الجديد، ومن أبرز ما جاء فيه حصر المسيرات بالمناسبات الوطنية، فبدل أن تُقام كل يوم جمعة كالمعتاد تتوقف حتى نهاية آذار/ مارس المقبل.

هذا الإعلان جاء في الوقت الذي تراجع فيه زخم هذه المسيرات لأسباب أمنية مرتبطة بالعدوان الإسرائيلي الأخير على غزة في تشرين الثاني/ نوفمبر من العام الماضي، لكنه خلّف انقساماً في وجهات النظر.

في مقابل من يدعو إلى الإبقاء عليها - لا سيما بعد الإعلان عن صفقة القرن نهاية الشهر الماضي، ثمة من ينادي بتوقيفها مؤقتاً قبل عودتها بحلة جديدة ومن ينادي بتوقيفها نهائياً.

حصيلة مسيرات العودة
تركزت فعاليات مسيرات العودة وفك الحصار في خمس مناطق تماس مع الاحتلال الإسرائيلي، شرقي قطاع غزة.
وبحسب تقرير نشره "المركز الفلسطيني لحقوق الانسان" نهاية العام الماضي، فإن قوات الاحتلال تعمدت استهداف المدنيين الفلسطينيين مستخدمة القوة المفرطة في وجه سلمية المسيرات.

ويوثّق المركز في تقريره ارتفاع حصيلة الضحايا في المسيرة منذ انطلاقتها في 30 آذار/ مارس عام 2018 إلى 216 شهيداً منهم 48 طفلاً، وامرأتان، وتسعة من ذوي الإعاقة، وأربعة مسعفين، وصحفيان، أما الإصابات فارتفعت إلى أكثر من 14 ألف إصابة.

دعوة للمراجعة

يرى عضو الهيئة العليا لمسيرات العودة طلال أبو ظريفة أن هذه المسيرات - منذ انطلاقتها - جاءت كأداة نضالية لكسر الحصار عن غزة والضغط على الاحتلال والأطراف الدولية لتحقيق حياة أفضل لسكان القطاع.

وللمسيرة أهداف تتمثل بمجابهة المخاطر التي تسوّقها الإدارة الأمريكية عبر قرارات ترامب التي تلغي الحقوق الفلسطينية وتعمل على تصفية قضيته، حسب أبو ظريفة الذي يرى أن "الجماهير التي شاركت في المسيرات أكدت على حق العودة باعتباره خطاً أحمراً لا يمكن تجاوزه، كما لا يمكن فصل غزة عن الوطن مع تكريس وحدة شعبنا في رفض الصفقة الأمريكية".

وحول البرنامج الجديد لمسيرات العودة، يقول أبو ظريفة: "مسيرات العودة تخضع لعمليات تقييم مستمرة وعلى أبواب هذا العام يتم تقييمها بطرق جدية"، لافتاً إلى "وجود إجماع على مستوى فصائل غزة والتفاف حول هذا الخيار، لكن الفصائل تختلف على التوظيف السياسي للمسيرات وكيفية توجيه هذا الفعل لتحقيق المصلحة الفلسطينية العليا".

من جهته، يشير المحافظ في ديوان الرئاسة الفلسطينية مأمون سويدان إلى أن "حركة فتح شاركت بإطلاق مسيرات العودة وكانت تتوسم فيها الفعل الثوري الذي يحشد الجماهير للالتفاف حول القضايا العادلة للشعب الفلسطيني، لكن ما حصل هو رفع شعارات كبيرة ليس لا علاقة لها بالواقع أمام عنجهية الاحتلال وتغوّله".

هذا الواقع يستدعي، وفق أبو سويدان، المراجعة، فـ"في الآونة الأخيرة شهدنا حالة من الضبابية الكبيرة في قراءة مشهد المسيرات حيث تم تأجيلها وإخضاعها لمعايير غير مفهومة، وعليه ندعو للتقييم الجدي لهذه المسيرات مع المحافظة على استمرارها بعيداً عن الاستثمار الضيق".

ويدعو سويدان الفصائل الفلسطينية في غزة إلى "تعزيز جهودها مع الرئاسة الفلسطينية والدفاع عن الحقوق الفلسطينية بصوت واحد تحت مظلة الممثل الرسمي لشعبنا وهي منظمة التحرير الفلسطينية".

ما حققته المسيرات لقطاع غزة
في ضوء ما استجد بعد الإعلان الأمريكي لصفقة القرن، يرى سويدان أن "ثمة ضرورة ملحة لدراسة تجربة المسيرات في العامين السابقين والعمل على استمرارها بنَفَس جديد يجمع الكل الفلسطيني، ويحافظ على دماء الشباب الثائر من خلال إبعادهم عن أي خطر".

من جهة ثانية، ينظر منظمو المسيرات إلى الأخيرة كخيار ذهبت له غزة بعد تفاقم أوضاعها المأساوية، رغم إفراط الاحتلال وإمعانه في ايقاع القتلى والجرحى كل يوم جمعة، وهو اليوم المحدد للمسيرات أسبوعياً.

ويقول أبو ظريفة: "هذه المسيرات جاءت في توقيت حساس تمر به القضية الفلسطينية، عنوانه التصفية من خلال أدوات إقليمية ودولية تسعى إلى إنهاء الصراع العربي الإسرائيلي بطريقة تستثني الحقوق الفلسطينية، وهذه المسيرات تمثل إرادة الجمهور الفلسطيني من خلال رفض كل المشاريع على شاكلة صفقة القرن".

وحول ما حققته المسيرات سابقاً، يقول أبو ظريفة إن "أي فعل نضالي جماهيري يراكم إنجازات حقيقية على الأرض، وما حققته مسيرات العودة في العامين السابقين هو تخفيف الحصار على غزة من خلال إخضاع الاحتلال"، مستدركاً بالقول: "المسيرات لم تحقق كل أهدافها لذلك يجري العمل على استمرارها بأساليب جديدة".

آراء متناقضة
يمثل الإعلان الأمريكي عن صفقة القرن، بشكله ومضمونه، أكبر خطر وجودي على الفلسطينيين، وقد جاء وسط حالة الانقسام المستمرة منذ أكثر من 13 عاماً.

وفي العام 2018، اختارت الفصائل الفلسطينية في غزة تبني خيار مسيرات العودة كأداة مقاومة سلمية على غرار ما تبنته القيادة الفلسطينية في الضفة الغربية، إلا أن هذه المسيرات لم تحظ بقبول وإجماع فلسطينيين، واختلف عليها الفرقاء السياسيون.

توقفت المسيرات بعدما رأى منظموها وجوب توقيفها مع الإبقاء عليها كخيار مستقبلي يجري تطوير آلياته من جديد، فهل تعود المسيرات في الشهر القادم لتستمر بأساليب أقوى من قبل؟

يتردد هذا السؤال في الشارع الغزي الذي لم تظهر علامات الغضب عليه كما كان متوقعاً إزاء إعلان خطير كصفقة القرن.

ويرى عماد خيري (24 عاماً) أن ردود الفعل المتزامنة مع الإعلان الأمريكي في مدينة غزة توصف بـ"الباهتة" و"العادية"، فهي "لا ترقى لمستوى الحدث"، مشدداً على وجوب تنظيم فعاليات أقوى من دون انتظار الموعد المقترح لمسيرات العودة في آخر شهر آذار/ مارس المقبل.

بدوره، يقول علاء الوادية (35 عاماً) الذي أصيب في المسيرات وقت اشتدادها في أيار/ مايو عام 2018 وبُترت قدمه اليمنى، إن مشاركته في المسيرات جاءت لإعلاء الصوت والمطالبة بحق العودة مع رفع الحصار عن غزة.

ويضيف: "الإصابة أقعدتني عن العمل بعد فقداني لقدمي اليمنى وما أعيشه الآن هو أصعب من حالي قبل المشاركة في مسيرات العودة حيث لا أستطيع توفير قوت يوم أطفالي وزوجتي، إذ لا يغطي ما أحصل عليه كراتب مصاب من حكومة غزة كلفة العلاج لحالتي" .

في المقابل، ترى هبة سليمان (22 عاماً)، وهي إحدى المشاركات الدائمات في المسيرات، ضرورة في استمرارها كونها "المنبر الوحيد للشباب الفلسطيني للتعبير عن غضبه".

وتبرر موقفها ذاك بالقول: "أنا مع إبعاد الشباب عن دائرة الخطر لكن يجب تفعيل هذه المسيرات بصورة أسبوعية لإعطاء الزخم للتفاعل مع قضايانا الوطنية، فمسيرات العودة أحيت كل المفاهيم الوطنية، واليوم يجب توظيف غضبنا في هذه المسيرات لضمان عدم تمرير صفقة القرن الأمريكية".

أما باسل أحمد (29 عاماً)، فيرى أن من الصواب إيقاف هذه المسيرات بعد "ما خلّفته من إصابات بتر في صفوف الشباب المشارك دون تحقيق أي إنجاز حقيقي"، مبرراً موقفه بالقول: "شاهدت الكثير من حالات البتر لأطراف شباب في بداية حياتهم، وإن كان لا بد من استمرار هذه المسيرات فيجب إبعادها عن المناطق الحدودية على الأقل، ولا يجب اقتصار ردنا على صفقة القرن بهذه المسيرات فهناك الكثير من الوسائل الأخرى المتاحة".

حتى نهاية آذار/ مارس المقبل، وهو التاريخ الفعلي لعودة مسيرات العودة وفك الحصار وفق قرار الهيئة العليا لمسيرات العودة، ينتظر الفلسطينيون خيار قيادتهم في مواجهة صفقة القرن الأمريكية، وسط استمرار في الانقسام السياسي، والتباين حتى في وسائل مقاومة الاحتلال والمؤامرات التي تهدد وجود الفلسطينيين من الأساس.

تم إنجاز هذه المادة في إطار برنامج التدريب الذي ينظمه مكتب العلاقات الخارجية في "الجامعة الأمريكية في بيروت" بالتعاون مع "مؤسسة دعم الإعلام الدولي.

المصدر: وطن للأنباء