"إسرائيل" والأنفاق.. وتغيير تفويض اليونيفيل

بالعربي: يوم أمس، أطلق نتنياهو، وعددٌ من وزرائه، تهديدات ضد لبنان، في تباين واضح مع مواقف متكررة صدرت عن رئيس الوزراء الصهيوني في اليومين السابقين شدد فيها على «الضغط السياسي» على حزب الله، جراء «خرق أنفاقه للحدود».

تباين أدى إلى تكهنات متطرفة لدى البعض، ومن بينهم جهات لبنانية تنتظر (وتتمنى) الحرب "الإسرائيلية" على لبنان، التي للمفارقة تجهد "إسرائيل" في الامتناع عن مسبباتها والوقوع في أفعال مبنية على تقديرات خاطئة مسبِّبة لها. اللافت أمس ورود معطيات أظهرت الصلة بين إرادة تفعيل الضغط السياسي والتهديدات، مع بدء «مشاورات دولية» في مجلس الأمن، قيل إنها أولية في الغرف المغلقة، تبحث في ترتيبات ما بعد الكشف عن الأنفاق في مواجهة حزب الله، مقابل تحذيرات ديبلوماسية من إمكان تغيير تفويض قوة اليونيفيل، كنتيجة ممكنة لهذه المشاورات.

تهديدات نتنياهو كما وزرائه، جاءت مشروطة بأن يقدم حزب الله على استهداف القوة العسكرية "الإسرائيلية" العاملة التي تبحث عن الأنفاق على الحدود. تهديدات مشروطة تؤكد التوجه للاستخدام السياسي لمسألة الأنفاق في المحافل الدولية، والضغط باتجاه تفعيل مسار مواجهة غير مباشرة عبر طرف ثالث، يبدو أن القوة الدولية، اليونيفيل، هي في مقدمة الخيارات المتاحة نظرياً.

مع ذلك، نبرة التهديد المتطرفة جداً كما بدت أمس على لسان نتنياهو، تؤكد الخشية من أن تواجه "إسرائيل" عملاً ما انطلاقاً من لبنان، من شأنه التسبب بتغيير المشهد على الحدود، ويقلص من إمكانات التوظيف "الإسرائيلية" كما يخطط له في تل أبيب. خشية وردت أيضاً على لسان رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية تامير هايمن أمس، خلال تحذيره أمام لجنة الخارجية والأمن في الكنيست، من أن «قابلية انفجار الوضع على الحدود الشمالية باتت عالية»، ولفت إلى أن هذا الانفجار قد يأتي نتيجة «تدهور ما، يتسبب بحرب».

ويتضح من المساعي "الإسرائيلية"، السياسية والعسكرية، أن إطلاق التهديدات يهدف إلى منع إمكانات تلقي ضربة ما. فهذه الضربة باتت ممكنة من ناحية نظرية، بل وأيضاً عملية لانكشاف قوات الاحتلال على الجانب اللبناني من الحدود خلال عمليات البحث عن الأنفاق، المقدر أن تستمر طويلاً. ما سبق يفسّر نبرة نتنياهو وقوله: «إذا ارتكب حزب الله خطأ وقرر المس بنا، فسيتلقى ضربة لا يمكنه أن يتخيلها».

في المعطيات الواردة من تل أبيب، برزت إشارات دالة على مداولات بدأت في الأيام القليلة الماضية في مجلس الأمن، وإن في الغرف المغلقة، لدراسة السبل الكفيلة بالتعامل مع مسألة الأنفاق. وهو حراك أولي مدفوع "إسرائيلياً"، ولا يبعد أن يكون بمعية الولايات المتحدة، التي سعت في الماضي إلى تغيير تفويض اليونيفيل، من دون نجاح.

في الإشارات الدالة على هذا التحرك وتشعب الاتصالات حوله، حذر مصدر ديبلوماسي رفيع المستوى في حديث لصحيفة جيروزاليم بوست، من أن العمل على تغيير تفويض القوة الدولية في الجنوب اللبناني، من شأنه أن يؤدي إلى إنهاء وجود القوة من الأساس. الصحيفة التي أكدت أن الديبلوماسي ينتمي إلى واحدة من الدول الـ42 التي تشارك قواتها في اليونيفيل، أشارت إلى تحذير المصدر من الوقوع في خطأ التقديرات وتغيير تفويض القوة من قوة مراقبة إلى قوة مواجهة أنشطة حزب الله في لبنان، و«إذا وسع (مجلس الأمن) التفويض فقلة من البلدان سترسل جنودها إلى لبنان». وأضاف أن «مسؤولين أمنيين "إسرائيليين" أعربوا عن اعتقادهم أن تغيير تفويض القوة الدولية أمر غير واقعي».

مصدر سياسي "إسرائيلي" أشار إلى أن التوجه في الأيام المقبلة، يرتبط في السعي لانعقاد مجلس الأمن وإصدار قرار يدين حزب الله على خلفية خرق القرار 1701، بعد «ثبوت» حفر الأنفاق إلى «الأراضي الإسرائيلية». وأشار المصدر أيضاً، إلى أن هذا المسعى يحقق جزءاً من «الضغط السياسي» المطلوب على حزب الله، وقد يسهل مهمة "إسرائيل" لدى الاتحاد الأوروبي، في استصدار قرار بوقف التمييز بين الجناح العسكري للحزب وجناحه السياسي، وإدراجه بشكل كامل في لائحة الإرهاب الأوروبية.

إذا كانت "إسرائيل" فعلاً تعمل على تمرير قرار جديد في مجلس الأمن ينص على تغيير تفويض القوة الدولية و«ودفعها» للمواجهة في الساحة اللبنانية بالوكالة عنها، فهذا يعني تكراراً لتجربة سابقة عمدت إليها تل أبيب وفشلت بمعية الأميركيين. قد يكون الرهان على الأنفاق جرعة تمنٍّ زائدة دفعت بحكومة نتنياهو إلى الرهان على نتائج يستعصي تحقيقها فعلياً. لكن ما بين النتيجة المؤملة (قرار يصدر عن مجلس الأمن) ومقدّماتها، ثمة حراك "إسرائيلي" ناشط لدى المنظمة الدولية، على رغم إمكاناته الفعلية المقلصة، وعلى رغم المجازفة الكبيرة فيه، وفي أكثر من اتجاه.

المصدر: الاخبار