أردوغان .. تسخين الملف السوري مقابل تبريد قضية الخاشقجي؟

بالعربي: مُفاجَآت الرئيس التركيّ رجب طيّب أردوغان لا تتوقَّف، فبَعد أن جَعَلَ من جريمَة اغتيال الصِّحافي السعوديّ جمال خاشقجي في قُنصليّة بلاده في اسطنبول مِحوَرَ اهتمامِ العالم بأسْرِه طِوال الأسابيع الأربعةِ الماضِية، وما زالَت، ها هُوَ يعود إلى المِلَف السوريّ، والشَّق الكُرديّ مِنه تَحديدًا، ومِنطَقة شَرق الفُرات الخاضِغة لقُوّات سورية الديمقراطيّة المَدعومةِ أمريكيًّا.

الرئيس أردوغان أكَّد الجمعة، وأثناء اجتماع عَقَده مع قادَة أفرُع حِزب العدالة والتنمية الحاكِم، “أنّ أنقرة مُصَمِّمةٌ على تَكريسِ اهتمامِها على مِنطَقة شَرق الفُرات، وإذا استمرَّ الأمريكيّون في المُماطَلة، فإنّنا سنتحرَّك في منبج.. إنّ هَذهِ المِنطَقة، أي شَرق الفُرات، سيَتِم تَطهيرها بالكامِل وهذا إنذارٌ أخيرٌ”.

اللافت أنّ هذا الإنذار ليسَ مُوَجَّهًا لقُوّات الشَّعب الكُرديّة التي تُشَكِّل العَمود الفِقَريّ لجيش سورية الدِّيمقراطيّة المُتَّهمةِ مِن قِبَل أنقرة بأنّها الوَجه الآخَر لحِزب العُمّال الكردستاني، وإنّما إلى الوِلايات المتحدة أيضًا التي تَمْلُك قواعِد وقُوّات في مِنطَقة شَرق الفُرات.. فهَل جَدَّ جَديدٌ في هَذهِ المَسألة أفسَدَ ما طَرَأ على تَحَسُّنٍ في العَلاقات الأمريكيّة التركيّة بعد الإفراج عَن القِس الأمريكيّ برونسون؟

أكثَر ما يُقلِق تركيا، والرئيس أردوغان تَحديدًا هو الدَّعم الأمريكيّ، بالمال والسِّلاح، للقُوّات الكُرديّة في الأراضي السوريّة التي يَعتَبِرها إرهابيّةً وتُهَدِّد حُدود تركيا وأمنها واستقرارها، فهَل عادَت الوِلايات المتحدة لتَفعيل هَذهِ الورَقة ضِد تركيا مُجَدَّدًا، ولأيِّ هَدف؟ أم يُريد أردوغان فَتح هذا المِلَف لمُمارَسةِ ضُغوطٍ على الرئيس دونالد ترامب لتَقديم “تنازلاتٍ ما” في مِلَف اغتيال خاشقجي لا نَعرِف مضمونها؟

الرئيس أردوغان لا يقول الكلام على عَواهِنه، وعِندَما يُهَدِّد بأنّه إذا استمرّ الأمريكيّون في المُماطَلة (في التَّجاوب مَع مطالبه) فإنّه سيتَحرَّك في مدينة منبج المُجاوِرة لعِفرين حيث تُوجَد قُوّات أمريكيّة.

الأوضاع في شَرقِ الفُرات مُعقَّدةٌ، وعلى دَرَجةٍ كَبيرةٍ مِن الحَساسية بالنِّسبةِ للمُربَّع التركيّ السوريّ العِراقيّ الإيرانيّ، فجَميع هَذهِ الدول تتَّفِق على أمرٍ واحِدٍ وهو عَدم قِيامِ كَيانٍ كُرديٍّ سُوريٍّ في شَمالها، وعَربيٍّ سُنِّيٍّ قبائِليٍّ (عشائر شمر) في جَنوبِها، حيثُ احتياطات النِّفط والغاز السوريّة الضَّخمة (شَرق مدينة دير الزور).

الرئيس أردوغان لا يَستَطيع التَّحرُّك في هَذهِ المِنطَقة وَحده، ودُونَ التَّنسيق مع الدُّوَل الثَّلاث الأُخرَى، إلى جانِب روسيا، فهل هذا يَعنِي أنّه سيَنخرِط في عمليّة تَنسيقٍ مُباشِرٍ معها في حالِ قرَّر تحريك قُوّاته على هَذهِ الجَبهة؟ وهل سيَصطَدِم بالقُوّات الأمريكيّة فيها؟

لا نَملُك إجاباتً واضِحةً في هذا المِضمار في الوقت الرَّاهِن، فتهديدات الرئيس أردوغان فاجَأتنا ورُبّما الكَثيرين مِثلَنا، خاصَّةً في وَقتٍ تتوجَّه فيه الأنظار إلى مِنطَقة إدلب التي يُوشِك اتِّفاق وَقفِ القِتال وإقامَة مِنطَقة عازِلة بعُمُق 20 كيلومِترًا فيها على الانهيار بعد الاشتباكات الدمويّة بين “هيئة تحرير الشام” (النُّصرة) وقُوّات الجيش العربي السوري، وقَصفِ الأُولى لمَناطِق خاضِعَة للسُّلطة السوريّة في حَلب.

لا نُبالِغ إذا قُلنا أنّ عودَة الرئيس أردوغان للتَّصعيد في المِلَف السوري رُبّما جاءَت لتَسخينِه، كمُقَدِّمة لتَبريد مِلَف جريمة اغتيال خاشقجي في إطارِ “صَفْقَةٍ ما” سَنَعلم تفاصيلها لاحِقًا إذا صحَّت هَذهِ النَّظريّة.. واللهُ أعْلَم.

المصدر: راي اليوم/ عبد الباري عطوان