السرّ وراء تهديد ترامب المُتكرّر عن رفع الحماية عن العرش السعودي

بالعربي: تصريحات عدائية من الرئيس الأميركي دونالد ترامب ضدّ النظام السعودي، وكأن السعودية ليست حليفة لأميركا،  وكأن ترامب لم يحصل على 460 مليار دولار من السعودية في قمّة الرياض عام 2017، والمؤكّد أن العلاقات الأميركية السعودية تُوصف بأنها علاقات تاريخية قوية، حقّقت من خلالها أميركا على مدى عشرات السنين، ولا تزال، الكثير من المكاسب السياسية والاقتصادية الإستراتيجية، وأخذت السعودية الثمن في استقرار النظام، وعدم سقوطه رغم العواصف السياسية التي مرت بها السعودية منذ تأسيسها قبل 88 عاماً وحتى اليوم.

ولذلك جاءت تصريحات الرئيس الأميركي صادِمة للفكر العربي والإسلامي والسعودي على المستوى الشعبي أيضاً، ورغم كل ذلك، فقد مرّت هذه التصريحات بسلام في الداخل السعودي، فلم يصدر بيان رسمي رافضاً لتصريحات ترامب حول حماية العرش السعودي، ولا وسائل الإعلام السعودية تنبّهت للأمر، ومعظم وسائل الإعلام العربية، لم تناقش الأمر لا تلميحاً ولا تصريحاً، لأن المال السعودي اشترى أغلب وسائل الإعلام العربي، تماماً مثلما لم تكتب أو تنشر وسائل الإعلام عمّا حدث لجمال خاشقجي الصحافي والكاتب السعودي الذي اختفي في تركيا ولم يظهر حتى كتابة هذا المقال، ولو حدث وظهر أو لم يظهر، ستحاول المملكة ووليّ العهد محمّد بن سلمان الاستفادة من الظهور أو عدمه، ذلك استطراد لابدّ منه لتظهر أن النظام السعودي إذا كان يخاف من مقال لكاتب صحافي سعودي ينتقد السياسة السعودية، فمن الطبيعي أن يخشى النظام البطش الأميركي.

نعود لتصريحات ترامب، فقد قال في مناسبات مختلفة كلاماً يشبه العار، قال مثلاً : "أميركا هي الضامن لاستمرار الحُكم السعودي وأنه لولا الحماية الأميركية للحُكم في السعودية لما استمر أكثر من أسبوعين فقط" ، واستطرد أنه قال للملك السعودي سلمان بن عبد العزيز نفسه هذا التهديد الصريح... وقال أيضاً "ولماذا ننفق عليهم إذا كانت لديهم كل هذه الأموال؟!".. "لماذا ننفق على حمايتهم إذا كانوا أثرياء؟" .. "لدينا أشخاص دعموا السعودية.. أنا لا أمانع بذلك ولكننا تكبّدنا الكثير من المصاريف من دون أن نحصل على شيء بالمقابل.. عليهم أن يدفعوا لنا"، وغيرها مما قاله، وهي تهديدات وتصريحات غير لائقة على المستوى السياسي، ولكنها لهجة تاجر يريد أن يأخذ من الحلفاء حتى يفقرهم، قبل أن يحصل من الأعداء أو المنافسين.

الرئيس الأميركي قال في العلَن ما قاله كل الرؤساء الأميركيين في السرّ وفي الغرف المغلقة، فالحماية الأميركية للعرش السعودي مستمرة بعد أن ورثت أميركا ميراث الدولة الاستعمارية البريطانية، فقد عقد الملك السعودي عبد العزيز آل سعود اتفاقية دارين عام 1915 مع بريطانيا العظمى، التي تحمي العرش السعودي، مقابل أن يتّبع السعوديون السياسة البريطانية ضد الدولة العثمانية أو أشراف الحجاز، أو عدم التصدّي لدولة الاحتلال التي كانت تحت التأسيس بعد وعد بلفور عام 1917، وظلّ البريطانيون يحمون السعوديين حتى حدث اتفاق في منطقة "البحيرات المرة" في "قناة السويس" في مصر يوم 14 شباط |فبراير 1945 على بارجة حربية بين الملك عبد العزيز آل سعود والرئيس الأميركي فرانكلين روزفلت، الذي كان عائداً من مؤتمر "يالطا" السوفياتية السابقة، بعد أن قرّر الرؤساء الثلاثة تشرشل وستالين وروزفلت مصير العالم بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، وهرع الملك عبد العزيز إليه في مصر لعقد اتفاقية الحماية، وبموجب الاتفاق، تكون السياسة السعودية مطابقة ومتماهية مع السياسة الأميركية، مقابل حماية الأسرة السعودية الحاكِمة، كما كانت الحال مع بريطانيا، واستفادت الدولتان بالفعل، من التحالف الاستراتيجي الدائم خلال عقود، قامت أميركا بحماية العرش السعودي من أول الملك عبد العزيز وحتى الآن، وفي المقابل، فقد حقّقت السعودية لأميركا الكثير، حاربت الشيوعية خلال الحرب الباردة ووقفت ضدّ النظم العربية التقدمية، ومن خلالها تحالفت مع رضا بهلوي الشاه الإيراني المخلوع ومع الإمبراطور الأثيوبي هيلاسيلاسي، وحاربت الفكر القومي الناصري، وساهمت بالمال في هدم الوحدة بين مصر وسوريا عام 1961، وساهمت في إسقاط الاتحاد السوفياتي بالمال والمجاهدين المخدوعين بالفكر الوهّابي المتحالف مع المخابرات المركزية الأميركية في أفغانستان، وساعدت صدّام حسين في حربه ضد إيران الثورية لمدة ثماني سنوات، ثم ساعدت أميركا في احتلال العراق عام 2003، كما كانت الودائع السعودية الخليجية في الغرب الأوروبي الأميركي 1200 مليار دولار السبب الأول الذي منع من انهيار النظام الرأسمالي برمّته، خلال  الأزمة الاقتصادية العالمية بين عامي 2007 – 2008، ودفعت السعودية تكاليف الغارات الأميركية على سوريا، كما دعمت تنظيم "داعش" الإرهابي في سوريا والعراق، وتخوض منذ أكثر من ثلاث سنوات الحرب ضد اليمن، بكل تكاليفها الباهظة للخزانة السعودية، وكله تنفيذاً لسياسة الدولة الأميركية ومعها الدولة الصهيونية بطبيعة الحال، ورغم كل ذلك يريد الرئيس ترامب من السعودية المزيد من المال النقدي بالأمر المباشر، وهدّد برفع الحماية عن العرش السعودي إذا قامت برفع أسعار النفط، أو لم تقم بتعويض نقص النفط الإيراني، والمفترض أنه سينقص بعد فرض عقوبات أميركية ظالمة على الجمهورية الإسلامية الإيرانية في تشرين الثاني |نوفمبر 2018، كما يروّج النظام السعودي لصفقة القرن التي أعلنها ترامب وتمسّك بها بنيامين نتينياهو الصهيوني، أي أن السعودية قامت بكل شيء لترضي أميركا، فماذا تفعل أكثر من هذا، وما هو السرّ وراء استنزاف المال السعودي والخليجي كله، والتهديد العلَني بإسقاط الأنظمة خلال أسابيع قليلة، من دون أي خجل سياسي أو التزام خُلقي.

نرى أن الأميركيين لا ينسون ما حدث لهم من هجمات يوم 11 أيلول/سبتمبر من العام 2011، ويريدون الثأر لضحاياهم، كما ثأروا لضحايا هجمات اليابان في "بيرول هاربور"، بالهجوم الذري على مدينتي "هيروشيما وناكازاكى"، أثناء الحرب العالمية الثانية، ويتكرّر الانتقام الأميركي اليوم، ومن ثم، فقد أقرّ الكونغرس الأميركي في تشرين أول |أكتوبر عام 2015، وضدّ رغبة الرئيس الأسبق "باراك أوباما" قانون "جاستا" أو "العدالة ضد رعاة الإرهاب"، الذي يعطي الحق لذوي الضحايا الأميركيين في مُقاضاة الدولة السعودية على المستويين الفكري والسياسي، لأن فكرها الوهّابي هو منبع الإرهاب، كما أن أكثر منفّذي الهجمات كانوا من السعوديين، ويرى سياسيون أميركيون أن أمراء سعوديين كانوا على صلة بمنفّذي الهجمات، وهنا نجد الرئيس الأميركي ترامب يأخذ التعويضات بصورة غير مباشرة وبأكثر جداً مما لو حكم به القضاء الأميركي، وهو يهدّد السعودية بالقانون كما يهدّدها برفع الحماية، ويُعتبر في كلتا الحالين رابحاً، يأخذ المال السعودي، بالتهديد لآخر نقطة، وفي نفس الوقت تظلّ السعودية تحت طائلة القانون، أي أنه يثأر لمن يعتبرهم ضحايا نيويورك وواشنطون، ولا ننسى أن استنزاف النفط العربي في النهاية يخدم المشروع الصهيوني الاستعماري العالمي، للقضاء نهائياً على القضية الفلسطينية، والقضايا الإسلامية بصورة شاملة، ويبقى الأمل في الشعوب الرافضة للخنوع واستنزاف الثروات النفطية والثقافية، والأمل في الروح المقاوِمة على الدوام، ويبقى ذلك الأمل باقياً لا تخبو جذوته.

المصدر: الميادين