هل دخلت "اسرائيل" مرحلة الارتباك الاستراتيجي؟

بالعربي: لا شكّ بأن فشل الخطط الاستراتيجية لا تقتصر نتائجه على عدم تحقيق الأهداف المرسومة فحسب، بل يؤدّي هذا الفشل إلى رسمِ واقعٍ جديدٍ يحمل أبعاداً سياسية وميدانية مختلفة كليّاً عما تم التخطيط له، فضلاً عن استحالة العودة إلى النقطة الأولى التي انطلقت منها هذه الخطط، لنكون أمام فشل استراتيجي لا يمكن إحصاء نتائجه وتداعياته.

وهذا حقيقة ما وصلت إليه "إسرائيل" في سوريا، خاصة بعد تساقط أوراق العدوان وفشل طموحات القوى الاقليمية والدولية التي أرادت إخراج سوريا من دائرة التأثير الاقليمي، وإبعادها عن محورها المُقاوِم. ففي بداية الحرب على سوريا سعت تل أبيب إلى إضعاف الدولة السورية بكل الطُرق المُتاحة، ومن بينها محاولة إشعال حربٍ أهلية من خلال دعم الجماعات الإرهابية. الأمر الذي ثبت فشله بفضل صمود الشعب السوري وقيادته وقواه الوطنية، ودعم الدول الحليفة لهم وفي مقدّمهم إيران وروسيا وقوى المقاومة وفي طليعتها حزب الله.

من هنا تخشى "إسرائيل" تعاظم قوّة محور المقاومة بعد فشل ما تم التخطيط له في أروقة الاستخبارات الاقليمية والدولية لتكون "إسرائيل" اليوم أمام معادلة استراتيجية جديدة تبدأ من التموضع الاقليمي الجديد الذي فرضه حلفاء سوريا، مروراً بتعاظُم قوّة حزب الله وتراكُم الخبرات القتالية التي ستكون حاضرة وبقوّة في أية مواجهة مقبلة مع دولة الكيان. وانتهاء باصطفاف موسكو إلى جانب الدولة السورية سياسياً وعسكرياً. الأمر الذي سيُخرِج تل أبيب من دائرة التأثير في المنظومة التي أنتجتها الدولة السورية والتي ستشكّل واقعاً اقليمياً ودولياً جديداً في مواجهة الغطرسة "الإسرائيلية" والأميركية في المنطقة.

 

المأزق الاستراتيجي "لإسرائيل" في سوريا.. البحث عن حلول:

إن الواقع الاقليمي الجديد الذي تم فرضه بناء على صمود الدولة السورية وجيشها أدخل "إسرائيل" في دوّامة البحث عن مخارج وحلول لاحتواء مفاعيل الانتصار السوري ونتائجه المستقبلية. فباتت تل أبيب أما خيارين:

الأول ابتلاع الهزيمة والانكسار في سوريا.
والثاني شنّ حرب على سوريا ومحورها المقاوِم.
فكلا الخيارين يحملان نتائج كارثية على دولة الكيان، حيث أن البيئة الاقليمية الجديدة التي فرضها صمود الدولة السورية ومعادلات الردع التي حقّقها الجيش السوري، إضافة إلى تشكيل منظومة المقاومة "دمشق طهران بغداد حزب الله"، هي مُعطيات لا يمكن أن يُبدّدها أيّ خيار يُدرَس في "إسرائيل".

واستناداً إلى نتائج الانتصار السوري وتداعياته، تحاول "إسرائيل" إخراج إيران وحزب الله من سوريا كخيارٍ استراتيجي بديل. لذلك تخوض "إسرائيل" حرباً دبلوماسية وسياسية هدفها الضغط على عواصم القرار الدولي لتفعيل الخيار "الإسرائيلي" الجديد. فالذي يؤرِق دولة الكيان أنه بدلاً من إسقاط البُعد الاقليمي المؤثّر للدولة السورية باتت اليوم سوريا وجيشها ومنظومة المقاومة أكثر قوّة وخبرة قتالية، ما يؤدّي إلى تشكيل رادعٍ لأيّ دور وظيفي "لإسرائيل" وتقييده في المستقبل.

وفي البُعد الاستراتيجي الآخر الذي يؤرِق "إسرائيل" هو أن روسيا وانطلاقاً من نتائج وتداعيات الانتصار السوري، باتت طرفاً أساسياً في المعادلات الاقليمية الجديدة وبات من المفروض على "إسرائيل" التعامُل مع هذا الواقع السياسي العسكري الجديد. صحيح أن هناك علاقات بين تل أبيب وموسكو، لكن الأخيرة ترفض المساس بسوريا قيادة وجيشاً وشعباً، لأن القيادة الروسية تُدرِك تماماً أن إضعاف الحليف الاستراتيجي سيكون في مصلحة المشروع الأميركي في المنطقة، وعليه لا يمكن مساومة الروسي على أية ورقة من شأنها تحجيم ما تم تحقيقه في سوريا.

إذاً لا حلول ناجِعة في يد تل أبيب، فالمصالح الاستراتيجية التي تجمع سوريا وروسيا وإيران وحزب الله كفيلة بتبديد أيّ رهان "إسرائيلي" من شأنه الحد من نتائج الانتصار السوري، وقد يذهب البعض إلى فرضيّة إخراج إيران وحزب الله من سوريا كمطلب "إسرائيلي".

هذا الأمر حدّده الرئيس الأسد في إحدى مقابلاته حيث قال "أما بالنسبة لموضوع إيران تحديداً، لأكون واضحاً العلاقة السورية الإيرانية هي علاقة استراتيجية، ولا تخضع للتسوية في الجنوب ولا في الشمال، وهذه العلاقة بمضمونها ونتائجها على الأرض مُرتبطة بحاضر المنطقة ومستقبلها، وبالتالي هي ليست خاضعة لأسعار البازار الدولي، ولا سوريا ولا إيران لن تطرح هذه العلاقة في البازار السياسي الدولي لكي تكون مكاناً للمساومة، فكل ما طُرِح هو طرحٌ "إسرائيلي"، الهدف منه استفزاز إيران وإحراجها، وبنفس هذا الوقت يتوافق مع البروباغاندا الدولية الآن ضد إيران". وأضاف الأسد " أما بالنسبة لنا في سوريا، فالقرار بالنسبة لأراضينا هو قرار سوري حصراً، ونحن نخوض معركة واحدة، وعندما يكون لدينا قرار بالنسبة لإيران سوف نتحدّث به مع الإيرانيين ولن نتحدّث به مع أيّ طرف آخر"، وعليه فأيّ طرح "إسرائيلي" سيكون بلا جدوى.

المصدر: الميادين