مهمة "إسرائيل" الاستراتيجية: ميلاد بوتين... والهجمات

بالعربي: يصعب تصور المواجهة الروسية "الإسرائيلية"، وإن كانا استراتيجياً على جانبي المتراس في سوريا وخارجها. لا يعود ذلك إلى «الصداقة» التي تتمسك بها "إسرائيل" مهما تطور الموقف الروسي تجاهها، بل لأنها بادرت إلى التسليم بكل ما يتعلق بالمصالح الروسية في سوريا، ورضيت قسراً بما يرضونه لها. في أسباب ذلك حديث طويل، وإن كان بالإمكان الإشارة إلى عاملين اثنين: إدراك "إسرائيل" تواضع قدرتها الكلية على الوقوف في وجه روسيا، مع تقديرها المتلازم أن الولايات المتحدة، رغم وجودها في سوريا، غير معنية بالمواجهة بالأصالة عن نفسها، و/أو دفاعاً عن مصالح "إسرائيل".

على هذه الخلفية، حملت تل أبيب تسليمها إلى موسكو وعرضته «سماحاً» منها ولا اعتراض على مصلحة روسيا في منع إسقاط النظام السوري. طلبت عوضاً «مبادلة تغاضٍ» عن شنّ هجمات ضد قدرات حزب الله وإيران، بما لا يؤثر سلباً في الحرب السورية. موسكو، من البداية، وقفت على الحياد. لم تجد مصلحة و/أو ضرورة في اتخاذ موقف ندي لمنع الهجمات. لكن حيادها مكّن "إسرائيل" وأغراها، وهو ما يعدّ محل مجادلة في أسبابه روسيّاً. التقدير المتداول في تل أبيب أن روسيا معنية بتظهير تمايزها عن حلفائها وتأكيده، بما يخدم الحل النهائي لسوريا حيث تقدير جوهر الاختلاف. لكن ما عاب المعادلة هشاشتها، وذلك على خلفيتين: أنها جاءت على هامش المصلحة الروسية وضمن فائض ميزانها، فيما المعادلة نفسها مهددة بالانكسار إن اقترفت "إسرائيل" خطأ خلال استخدامها، وهو ما أوقعت نفسها فيه جراء التسبّب في إسقاط «ايل ٢٠» ومقتل من كان على متنها، عن عمد أو غيره، أو ما سمّته موسكو «الإهمال الجرمي».

والنتيجة إلى الآن هي كف اليد "الإسرائيلية" عن الساحة السورية بطلب روسي و/أو نتيجة ارتداع "إسرائيل" عمّا من شأنه إظهارها جهة تتحدى إرادة روسيا ومصالحها. فهل تعود الهجمات؟ ما محدداتها وحدودها؟ في ذلك يشار إلى الآتي:

قرار موسكو كف اليد "الإسرائيلية" لم يأتِ نتيجة إسقاط «ايل» وحسب، إذ لم يتساوق الإسقاط مع عداء أو خصومة أو تعارض للمصالح، خاصة مع موجبات تسليمها بالمصالح الروسية. جاء القرار بعد أخذ ورد استغرقا أياماً، قررت موسكو في أعقابها، خلافاً للتقدير الأوّلي، استخدام «المأساة» إلى ما يتجاوز تل أبيب، ومن بينها تزويد سوريا بالمنظومات الدفاعية على اختلافها، لمواجهة دائرة أوسع من التهديدات، وهو ما كانت تستصعب الإقدام عليه لولا الحادثة. بناءً على ذلك، خرج إمكان ترميم العلاقة وتبعات الحادثة عن قدرة المعالجة "الإسرائيلية" الفورية، رغم أن استئناف الهجمات حاجة "إسرائيلية" لا لبس فيها، مرفوعة إلى مرتبة استراتيجية.


في الموازاة، لم يعد بإمكان موسكو المخاطرة بعد «حادثة ايل» بأن تتلقى «إهمالاً جرمياً» جديداً، الأمر الذي يضغط على "إسرائيل" ويجبرها على قبول شروط كانت لتعاند إزاءها، قبل إسقاط الطائرة. في ذلك، واضح أن موسكو معنية بإقرار سلّة إجراءات لمنع إمكان تكرار الأخطاء، حتى الإمكانات النظرية منها. لكن التقدير يكاد يجزم بأن لا شيء روسيّاً يمنع بالمطلق استئناف الهجمات "الإسرائيلية"، وهو التقدير الابتدائي قبل أن تستخدم موسكو الحادثة لتحقيق مصالح أوسع من الدائرة "الإسرائيلية". ضابطة ذلك أن الضربات ستكون على الأرجح مقيّدة بما تخشى تل أبيب أن يضر بفعاليتها، علماً بأنها في الأساس موضع شك.

مع ذلك، لا يبدو أن الوقت والتفاوض غير المعلن كانا كافيين لإيجاد صيغة تسووية، بين مطلب موسكو وشروطها المتشددة، وطلب تل أبيب الامتناع عن تغيير شروط «التغاضي» الروسي عن الهجمات، على خلفية ما تقول إنه لا مسؤولية "إسرائيلية" عن إسقاط الطائرة. وتدور المفاوضات غير المعلنة بين الجانبين حول هذه النقطة. وإشارة التوصل إلى حل هي في هجمة "إسرائيلية" جوية أو غير جوية في سوريا، مع استبعاد إعلان الضوابط ومحدداتها، أو من خلال لقاء سياسي تعمل إسرائيل على بلورته حالياً.

إلى الآن، ترفض موسكو زيارة أي وفد سياسي "إسرائيلي" للبحث والتداول في الحلول الممكنة، مع وضوح كف اليد "الإسرائيلية" عن سوريا منذ أسابيع، وإن كانت التصريحات والأقوال من تل أبيب تشدد على استمرار الهجمات وسياسة فرض «الخطوط الحمر». تريد موسكو أن تكون الزيارة السياسية "الإسرائيلية" خاتمة للتفاوض غير المعلن بعد التوصل إلى تسوية، لا أن تكون (الزيارة) سبباً مبلوراً لهذه التسوية.

قبل يومين، هاتف رئيس حكومة العدو، بنيامين نتنياهو، الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، لمناسبة عيد ميلاده الـ٦٦، من جملة اتصالات تلقّاها بهذه المناسبة. كان واضحاً استخدام نتنياهو الاتصال ليعرب عن رغبة في لقاء بوتين. لكن الأخير قبل اللقاء وجهّل تاريخه. سارع نتنياهو إلى إعلان الإنجاز واللقاء القريب، رغم أنه في النتيجة أكد اللااتفاق حول شروط استئناف الهجمات في خلاف ما أراد التلميح إليه. ألا يتحدد الموعد هذا يعني أن التسوية لم تنجز. أراد نتنياهو طمأنة الجمهور "الإسرائيلي"، في موازاة دفع أعدائه إلى الاعتقاد بأن سياسة الحزم والخيارات العسكرية مقبلة ووشيكة، لكنه أكد نقيض ما أراد.

في المحصلة، لا تعارض بين الجانبين ولا عداء. لكن روسيا تسعى إلى ما وراء «الأزمة» مع "إسرائيل"، وتحديداً إلى الضغط على الولايات المتحدة عبر حليفتها. وفي السياق "الإسرائيلي"، بات أيضاً على روسيا الحذر من إمكان تلقّي خسائر، حتى تلك التي يمكن تصورها نظرياً نتيجة هجمات تل أبيب، الأمر الذي يلزمها فرض ضوابط على هامش الهجمات، وهو ما تعمل "إسرائيل" على تليينه عبر التفاوض غير المعلن. واضح أن الجانبين لم يصلا إلى الآن إلى تسوية تجسر التعارض في المطالب، وإن كان التقدير أن يصلا إليها لاحقاً، تسوية تحقق لروسيا ما تريده، وربما في الدائرة التي تتجاوز "إسرائيل"، فيما "إسرائيل" تحقق حداً أدنى من فعالية هجماتها المستقبلية.

نتنياهو: يمكن التوصل إلى حل مع روسيا

يؤكد تصريح بنيامين نتنياهو، في سياق لقائه أمس نائب رئيس الوزراء الروسي، مكسيم أكيموف، في القدس المحتلة، أن الاتفاق مع الجانب الروسي حول آلية «عدم الاحتكاك» في سوريا، لم ينجز بعد. والواضح أيضاً من التصريح أن الآلية الماضية لم تعد قائمة، وأن «التنسيق» مجمد. ولم تمنع زيارة اكيموف المقررة مسبقاً، وأهدافها شبه المحصورة في الجانب الاقتصادي بين الجانبين، نتنياهو، من استغلال وجوده إلى جانب مسؤول روسي، ليشير إلى أهمية التلاقي ومواصلة الحوار بما يتجاوز التعاون الثنائي الاقتصادي. في ذلك، لفت نتنياهو إلى ضرورة الاتصال الدائم و«البحث في كل ما يتعلق بالتهديدات في المنطقة».

أمس، خلال مراسم تعيين حاكم بنك "إسرائيل" المركزي، أكد رئيس حكومة العدو، وإن بصورة غير مباشرة، الأمل في إمكان استئناف الهجمات في سوريا، وقال: «أعتقد أنه يمكن أن نتوصل إلى حل مع الجانب الروسي يسمح بمواصلة التنسيق بين جيش الاحتلال والروسي، وفي المقابل يحافظ على أمن "إسرائيل».