كيف ومتى سيرد بوتين على إهانة "إسرائيل"؟

بالعربي- كتب- عبد الباري عطوان:

حملّت وزارة الدفاع الروسية، في بيان رسمي، "إسرائيل" المسؤولية الكاملة عن إسقاط إحدى طائراتها الاستطلاعية من طراز "ال 20" فوق الأجواء السورية، وقالت إن أربعاً من طائراتها التي كانت تغير على أهداف عسكرية سورية في منطقة اللاذقية استخدمت هذه الطائرة كدرع جوي في وجه الصواريخ السورية مما أدى الى تفجيرها ومقتل 15 عسكريا كانوا على متنها.

وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو اتصل بوزير الحرب "الإسرائيلي" أفيغدور ليبرمان وحذره رسميا من أن بلاده، أي روسيا، "قد تبحث في تدابير الرد على سقوط الطائرة" دون إعطاء أي تفاصيل.

قبل الخوض في تفاصيل هذا الرد المنتظر، لا بد من التأكيد على أن سكوت روسيا على هذه الغارات "الإسرائيلية" التي بلغت 207 غارة في الأشهر الـ18 الأخيرة، حسب مصادر "إسرائيلية" رسمية، هو الذي أدى الى هذا العمل الاجرامي "الإسرائيلي" المهين للقيادة الروسية، وللرئيس فلاديمير بوتين شخصيا الذي يعتبر بنيامين نتنياهو، رئيس وزراء الاحتلال، "صديقا له"، واستقبله ثلاث مرات منذ بداية هذا العام.

القيادة "الإسرائيلية" تعاملت بإزدراء مع الصديق الروسي، وتعمدت إهانته للأسباب التالية:

ـ أولا: الغارة "الإسرائيلية" الأخيرة استهدفت موقعا عسكريا سوريا في منطقة اللاذقية، ويقع بالقرب من قاعدة حميميم الجوية، وهذا تهديد لروسيا وقاعدتها الأهم في سوريا في عقر دارها، وتعريض استفزازي لأرواح الجنود والطيارين فيها للخطر.

ـ ثانيا: اعترفت القيادة الروسية التي تنخرط في تنسيق عسكري مع نظيرتها "الإسرائيلية" حول العمليات العسكرية في سوريا، أن الأخيرة لم تخطرها بالغارة المذكورة إلا قبل دقيقة واحدة فقط، وهذا يشكل احتقارا كبيرا، واستهدافا مقصودا لهذا الشريك، وغياب عنصر الثقة فيه، فالأمر يحتاج الى ساعات لأخذ الاحتياطات الازمة لتجنب هذه المجزرة لو كانت النوايا "الإسرائيلية" صادقة.

ـ ثالثا: إن هذه الغارة من حيث توقيتها جاءت لإفساد احتفال روسي بالتوصل الى اتفاق استراتيجي مع تركيا لمنع الحل العسكري في مدينة إدلب (او تأجيله)، جرى التوصل إليه بين الرئيسين بوتين ونظيره التركي رجب طيب اردوغان في سوتشي قبل ساعات معدودة.

لا نعرف لماذا لم تتصد الطائرات الروسية في قاعدة حميميم في اللاذقية لهذه الغارة "الإسرائيلية" فور اختراقها للأجواء السورية القريبة منها، ودخولها مناطق "محرمة" بالتالي، ودون أي تنسيق مع القيادة العسكرية الروسية مثلما جرت العادة في كل الغارات السابقة، مثلما تبين لنا، ولغيرنا، من الرد الروسي عليها وما تضمنه من حقائق في هذا الصدد؟

نترك التفاصيل العسكرية للخبراء في هذا المجال، ونجد لزاما علينا طرح سؤال عن طبيعة الرد الروسي الانتقامي المحتمل على هذه الإهانة، وهل سيكون فوريا، أم بعد أيام أو أسابيع أو أشهر؟

من الواضح أن نتنياهو سيستمر في استفزازه للروس في سوريا، وبالوتيرة نفسها، وتوعد في تصريح رسمي أمس بمواصلة الغارات ضد إيران في سوريا، وأنه أبلغ الرئيس بوتين بهذا الإصرار أثناء مكالمته الهاتفية معه التي تناول فيها موضوع إسقاط الطائرة الروسية.

هذا التهديد يعني من وجهة نظرنا أن نتنياهو يتحدى الرئيس بوتين بطريقة تنطوي على الكثير من الغرور والاستهتار والصفاقة، ويتصرف كما لو أنه يتحدث مع رئيس دولة ميكرونيزيا الميكروسكوبية في المحيط الهادي، التي لا يزيد عدد سكانها عن بضعة آلاف، وليس مع رئيس دولة عظمى اسمها روسيا الاتحادية، وتجري مناورات عسكرية هي الأضخم في التاريخ.

الغارات الإسرائيلية على الأهداف العسكرية الإيرانية أو السورية تشكل انتهاكا للقوانين الدولية، ولسيادة دولة عضو في الأمم المتحدة، ولا تتمتع بأي غطاء شرعي، وتصب في خانة البلطجة ومحاولة استغلال ظروف الحرب في الدولة السورية للإقدام عليها، ولهذا لا يجب أن تتعاطى معها روسيا، الدولة العضو في مجلس الأمن الدولي، والحليف الأول لسوريا، بالصمت، أو التنسيق، وإنما بالمواجهة.

لسنا من المقربين من موسكو أو قيادتها العسكرية أو السياسية حتى نعرف طبيعة الرد على هذه الإهانة "الإسرائيلية"، ولكننا نستطيع أن نتكهن بأن هناك احتمالين في هذا المضمار:

ـ الأول: أن يأتي الرد الروسي مباشرا، أي بوقف العربدة الجوبة "الإسرائيلية" في سوريا، والتصدي لأي طائرات "إسرائيلية" مغيرة في الأيام المقبلة، وإسقاطها.

ـ الثاني: تزويد الدفاعات الجوية السورية بصواريخ من طراز "إس 300" و"إس 400" للدفاع عن السيادة السورية، والتصدي لأي غارات مستقبلية، خاصة أن القيادة الروسية قدمت وعوداً في هذا الميدان، ثم تراجعت عنها رضوخاً لضغوط "إسرائيلية" وأميركية.

كيف سيكون الخيار الروسي؟.. هذا أمر لا نعرفه، ولكنه يجب أن يكون رادعا، وواضعا حدا لهذا التحدي "الإسرائيلي" المهين للرئيس بوتين شخصيا، قبل أن يكون للرئيسين السوري والإيراني أيضا، ونترك الأمر لما يمكن أن تكشف عنه الأيام والأسابيع المقبلة، ونأمل أن لا يطول انتظارنا.