رئيس من أصل "سوري" يتحدى نتنياهو ترامب؟.. وهل إيفانكا أغلى من فلسطين؟

بالعربي- كتب- عبد الباري عطوان:

اللَّافِت أنّه في الوَقتِ الذي يتهافَت فيه مَسؤولون عرب في مِنطَقة الخليج العربيّ لكَسبِ وِد بِنيامين نِتنياهو، رئيس وزراء الاحتلال، ويَعتبرونَه سَدًّا حامِيًا لهُم في مُواجهة “الفزّاعة” الإيرانيّة، ويَقومون بخَطواتٍ مُمَنهَجة مُتسارِعة للتَّطبيع مع دولة الاحتلال في السِّر والعَلن (تحت لافِتَة المُسابقات الرياضيّة)، يَختلِف الحال كُلِّيًّا في أمريكا الجنوبيّة، حيثُ يتزايَد الدَّعم للقضيّة الفِلسطينيّة، وتتعاظَم النَّكَسات الدِّبلوماسيّة والسِّياسيّة "لإسرائيل" وبشَكلٍ مُتسارعٍ.

قرار رئيس الباراغواي الجَديد ماريو عبدو بينيتيز، الذي يعود بجُذورِه إلى سورية الكُبرى، إعادة سَفارَة بِلادِه من القدس المحتلة إلى تل أبيب، وإقدام حُكومة كولومبيا في الوَقتِ نفسه على الاعترافِ بالدَّولةِ الفِلسطينيّة، شَكَّلا صَفعَةً قويّةً لنِتنياهو والرئيس الأمريكيّ دونالد ترامب، وما يُسَمَّى بصَفقة القَرن، التي يُريدان فَرضَها على الشَّعبِ الفِلسطينيّ والأُمّة العربيّة لتصفِيَة القضيّة الفِلسطينيّة.

المُواطنون مِن أُصولٍ عربيّةٍ في أمريكا الجنوبيّة باتوا لا يَقِلُّون وطنيّةً وعُروبَةً عن أقرانِهم في الوَطن العربيّ، إن لم يَكُن يفوقوهم فِي كَثيرٍ من الأحيان، فالرئيس ماريو عبدو لم يَرضَخ لكُل الضُّغوط الأمريكيّة، والتَّهديدات بإغلاقِ السِّفارةِ "الإسرائيليّة" في عاصِمَة بِلادِه، ومضى قُدُمًا في إفسادِ الاحتفالات بالاعتراف بالقدس المحتلة عاصِمةً لليَهود، وليس "إسرائيل" فقط، في العالمِ بأسْرِه.

الرئيس ماريو عبدو يُدرِك جيّدًا ما يُمكِن أن يَلحَق ببلادِه َمن عُقوباتٍ أمريكيّةٍ بتَحريضٍ "إسرائيليّ"، ولكنّه انحاز للحَق والعَدالة، ووقف وَقفةً رجوليّةً، لأنّه رئيسٌ مُنتَخبٌ من شَعبِه في انتخاباتٍ حُرَّةٍ نزيهةٍ وشفّافة.

الشُّعوب اللاتينيّة في تشيلي والسِّلفادور وهندوراس والباراغواي وفنزويلا وكولومبيا وبوليفيا وكوبا ونيكاراغوا، تتعاطَف كُلِّيًّا مع العَرب والمُسلمين وقضاياهُم العادِلة، وتنتخِب رؤساء من أُصولٍ عربيّة، ولم يَجِدوا إلا الدَّعم القَليل من الدُّوَل العربيّة الغنيّة، فمِئات المِليارات تذهب إلى الخزينة الأمريكيّة لإنعاشِ الاقتصاد الأمريكيّ وخَلقِ الوظائِف لتَعزيزِ مكانَة الرئيس ترامب، ودَفع الأمريكيين لإعادَة انتخابِه في دَورةٍ رئاسيّةٍ ثانِية، وهو الذي يُعتَبر أكثَر رؤوساء أمريكا عُنصريّةً وعَداءً للمُسلمين، ودَعمًا للاحتلالِ.

كانَ أمْرًا مُخْجِلاً ومُعيبًا في الوَقتِ نَفسِه أن تعود السيدة إيفانكا، ابنة الرئيس ترامب، من زِيارَتها للرِّياض بمَبلغ 100 مليون دولار، دعمًا لمُؤسَّستها الخيريّة، بينما يَبلُغ حجم التَّبرُّع من قِبَل ثلاثِ دُوَلٍ خليجيّةٍ، هي السعوديّة وقَطر والإمارات، لوكالة غوت اللاجئين 50 مليون دولار فقط، أثناء الاجتماع الأخير لوزراء الخارجيّة العرب، حيث جَرى مُناقَشة الحَرب الأمريكيّة لتَصفِية هَذهِ المُنظَّمة الأُمميّة التي تُشَكِّل أحَد الأركان الرئيسيّة لحَق العودة.

ربّما يستطيع اللُّوبي "الإسرائيليّ" أن يُحَقِّق مَكاسِب في أمريكا وفرنسا وبريطانيا ودُوَل الاستعمار القَديم، ويبتز حُكوماتِها وأحزابها تحت عناوين عديدة، أبرَزها اعتبار أي انتقاد لجَرائِم الحَرب "الإسرائيليّة" مُعاداة للساميّة، ولكن هَذهِ المَكاسَب ستَظَل مُؤقَّتةً في ظِل الصَّحوةِ العالميّة التي نَرى إرهاصاتِها في أمريكا الجنوبيّة وبَعضِ الدُّوَل الأُوروبيّة التي ضاقَت ذَرعًا بهذا الابتزاز وأبرَزِها إيرلندا والعَديدِ مِن الدُّوَلِ الاسكندنافيّة.

إذا فازَ فريناندو حداد، مُرشَّح لولا دا سلفا واليسار في الانتخابات الرئاسيّة في البرازيل التي ستَبدأ في شهر تشرين الأوّل (أكتوبر) المُقبِل، فإنّ أكبر دولة في أمريكا الجنوبيّة ستَنضم مُجَدَّدًا إلى الخَندَق المُناصِر للحُقوق العربيّة المَشروعة في فِلسطين المُحتلَّة.

ِرُبّما تبدو الصُّورة قاتِمةً في المَشرقِ العَربيّ بفَضل التَّطبيعِ المُتسارِع، والرِّهان على "إسرائيل" كحَليفٍ، ولكن الصًّورة تَبدو أكثَر إشراقًا في العالم الجَديد، ونَقصِد أمريكا الجنوبيّة، وأيضًا في الباكستان وماليزيا والصين وقريبًا أفغانستان والهِند، ناهِيك عن أندونيسيا وكًل الدُّوَل الإسلاميّة تقريبًا.

تَحدِّي باراغواي ورئيسِها الشُّجاع للغَطرسةِ الأمريكيّة "الإسرائيليّة" المُزدَوجَة هو أوّل الغَيث، وبِدايَة النِّهاية للانحرافِ التَّطبيعيّ العَربيّ وسَنواتِه العِجاف.. والأيّام بَيْنَنَا.