حرب حزب الله و"إسرائيل"..المستبعدة

بالعربي: بعد فشل رهانها على الحرب السورية ومآلاتها، باتت التقديرات "الإسرائيلية" راسخة بأن التهديدات المحيطة بـ”إسرائيل”، خصوصا من حزب لله، غير قابلة للإزالة أو للتقلص، والتسليم بحقيقة تناميها خلال السنوات العشر المقبلة. وهكذا بات اللجوء إلى الخيارات البديلة في مواجهة حزب لله، مطلب "إسرائيلي" أكثر من ضروري، خاصة بعد سقوط رهانها على إمكان خنق حزب لله عبر البوابة السورية.

في الواقع، تراهن” إسرائيل” على تعزيز العوامل الداخلية المتفجرة في لبنان، وتحديدا ضمن البيئة الحاضنة لحزب لله، لعلها تحقق ما عجزت هي عنه.

وفي هذا الإطار، صدر عن معهد بيغن السادات للدراسات الاستراتيجية التابع لجامعة “بار ايلان” دراسة بحثية تعالج إمكانات نجاح الدعوة الأميركية الأخيرة إلى تشكيل “ناتو عربي”. وحثّت الدراسة على ضرورة مواجهة حلفاء إيران في بيئتهم الخاصة، كجزء رئيسي من الشروط الموضوعة لنجاح الحلف، مع التركيز على حزب لله في لبنان واستغلال نقاط ضعف منطقة البقاع، حيث خزانه البشري ومصدر قوته الرئيسي.

أن تحضر مفردة المقارنة بين البقاعي والجنوبي لغرض الفتنة، في مقالة أو دراسة "إسرائيلية" مرموقة، مع الإلحاح على استخدامها باعتبارها أداة مجدية في تحقيق هدف إضعاف حزب لله، هي بالتأكيد ليست أمرا عابرا

وورد في الدراسة وجوب مسارعة التحالف العربي بقيادة السعودية إلى التدخل في الساحة اللبنانية، وتحديدا في البقاع، لمواجهة نفوذ حزب لله والحد منه، عبر إغراق المناطق البقاعية بالمساعدات التنموية والمالية، على أن تكون هذه المساعدات مباشرة من دون وسيط، محددة وموجهة لتحقيق الأهداف.

مصادر لبنانية تقول:” أن تحضر مفردة المقارنة بين البقاعي والجنوبي لغرض الفتنة، في مقالة أو دراسة "إسرائيلية" مرموقة، مع الإلحاح على استخدامها باعتبارها أداة مجدية في تحقيق هدف إضعاف حزب لله، هي بالتأكيد ليست أمرا عابرا، بل تعكس، بغض النظر عن إمكانات تحققها، وجود رهان "إسرائيلي" بشأن قدرتها على مواجهة حزب لله، وصولا إلى إبعاد بيئته عنه”.

في الخط الموازي، عرضت صحيفة “هآرتس” والقناة 11 العبرية، في تقريرين شبه متطابقين، إشارات من جلسة خاصة للمجلس الوزاري المصغر للشؤون الأمنية والسياسية في تل أبيب، عرض خلالها جيش الاحتلال تقديراته للحرب المقبلة في مواجهة حزب لله، ومخاطر الخلل ومكامنه في الجبهة الداخلية "الإسرائيلية". تتضمن التقديرات ثلاثة سيناريوهات في حال نشوب الحرب:

ـ معركة عسكرية قصيرة الأمد لا تتجاوز 10 أيام.
ـ معركة عسكرية قد تصل إلى ثلاثة أسابيع.
ـ ومعركة طويلة الأمد تستمر لأكثر من ثلاثين يوماَ.

السيناريوهات تضمنت تحليلا لعدد الصواريخ التي سيُطلقها حزب لله يومياً، ومعدل اعتراضها المتوقع، إضافة إلى عدد الصواريخ التي ستسقط في المناطق المأهولة مقابل تلك غير المأهولة، والعدد التقديري للإصابات.

ورغم أن التقريرين يعرضان صورة عامة عن خطة إخلاء المستوطنين في الشمال، إلا أن الأهم من كل ذلك، هو التقدير بأن إمكانات نشوب الحرب ما زالت منخفضة ومحدودة، مع التأكيد بالمقابل أن أي حدث صغير، من شأنه أن يؤدي إلى تصعيد كبير خلافاً لإرادة الطرفين. وهذا التقدير لا يقتصر فقط على الساحة اللبنانية، حيث الردع متبادل وإرادة منع أسباب التصعيد موجودة لدى الجانبين، بل أيضاً ينسحب إلى الساحة السورية، حيث إمكان الوقوع في أخطاء عالية أكثر، ما يعني إمكان التدحرج نحو مواجهة واسعة، عالية أيضاً في سياقها، لذا عمل مؤخراً جيش الاحتلال تمرينا عسكريا على مستوى اللواء بمشاركة وحدات من قيادة القوات البرية حاكى مواجهة عسكرية مع حزب لله، وهدف الى تحسين القدرات الهجومية والدفاعية. وأقر رئيس أركان جيش الاحتلال غادي أيزنكوت بقدرات حزب لله القتالية، وقال أثناء تفقده جهوزية الوحدات المشاركة في التدريبات المفاجئة التي حصلت في الجولان، إنه “يجب على الجنود والقيادة العسكرية أن يكونوا قادرين على محاربة العدو على أربع جبهات: على الأرض، تحت الأرض، في الجو، وعبر الإنترنت على طول الجبهة الشمالية”.

هذه المناورات الموسعة التي كان عنوانها مواجهة التهديدات الجديدة القادمة من حزب لله، كانت تحت عيون المقاومة التي تابعت عن كثب التكتيكات التي تم استخدامها من قبل اللواء السابع المدرع ولواء جولاني وفيلق العتاد والتسليح وغيرها من وحدات جيش الاحتلال.

أن تركيز المناورة على دور وسائل الحرب الإلكترونية، والطائرات المسيّرة الصغيرة، والبطاريات المتحركة لمنظومة القبة الحديدية، جاء بعد فشل منظومة “مقلاع داود” في اعتراض صاروخين قبل نحو أسبوعين في الجولان المحتل، وهذا ما تسبب بكارثة على المستوى العسكري نتيجة انكشاف ثغرات كبيرة في تلك المنظومة.

وتلفت الأوساط الى أن” إسرائيل” تدرك جيدا نوع الخبرات التي اكتسبها حزب لله في سوريا، وتدرك أنه يملك أسلحة أكثر تطورا منذ توقف الحرب في عام 2006.

ماذا عن الدور الروسي في عملية التوازن بين حزب الله و”إسرائيل”؟

لم تكن تل أبيب لتتجه إلى موسكو، إلا بعد أن أدركت وقدّرت استمرار التوجه التراجعي للوجود والنفوذ الأميركيين في الساحة السورية، وصعوبة، إن لم يكن انتفاء، الرهان على الحليف الأميركي.

من ناحية روسيا، المعنية بتحقيق مصالحها أولاً، لا تقصر نظرتها وأفعالها واستراتيجياتها على الساحة السورية من دون النظر إلى كل الساحات. على ذلك، بات بالإمكان فهم محاولة التسوية الروسية والدفع نحو “التعايش القسري” إن أمكن بين الجانبين.

في النهاية، إن عرض السيناريوهات المحتملة للمواجهة بين حزب الله و”إسرائيل”، لا يعني أن الحرب باتت وشيكة، بل هو مجرد عرض لفرضيات ما زالت مستبعدة.

في الوقت نفسه حزب لله يراقب عن بعد ولم يدخل في نقاش جدي أو سطحي مع أحد في مآل المرحلة المقبلة، فمعركته في سوريا مستمرة وهو يخوضها بالتوازي مع ثبات موقفه على الساحة الداخلية، وهو أكثر الأطراف معرفة بما يريده لأنه جزء من القوى المقررة في المنطقة.

المصدر: العهد