قواعد اشتباك جديدة و"مفاعيل إسرائيلية"!

بالعربي: نتنياهو يتهرّب من جوهر المشكلة الأساسي وهو الاحتلال والحصار ويعمل على توظيف الحال القائمة لرفع مسؤوليته عن تدهور الأوضاع في غزّة، ومن أجل إنهاء أسر جنوده في غزّة وربط تخفيف الوضع من خلال ما أسماه تسهيلات حياتية لم تُطبّق فهو أغلق معبر كرم أبو سالم وهو خطوة تؤكّد مسؤوليته عن الحصار وسوء الحال الحياتية بغزّة.

التهديد "الإسرائيلي" الأخير باغتيال قادة المقاومة الفلسطينية في غزّة انعكاس طبيعي لأزمة حكومة نتنياهو التي حاولت من خلال جولة التصعيد الأخيرة تغيير قواعد الاشتباك واستباحة غزّة ، وإبقاء الحصار والمبادرة إلى عقوبات متجدّدة اعتقاداً منها أن ما لم تحقّقه في الحروب الثلاث الأخيرة خلال العقد الماضي يمكن أن تنجزه الآن، مُتغاضية عن الحقائق التي تولّدت وفرضت نفسها في سياق المواجهة مع الاحتلال ومُتغافلة أن الاغتيالات سلاح قديم إذا لجأت إليه مُجدّداً فلن تكون نتائجه مختلفة عن السابق ، فهي توهِم نفسها أن هذا السلاح يُرهِب قادة المقاومة ويردعهم ويفرض عليهم التراجع عن التمسّك بنهج المقاومة، والرد على الإرهاب "الإسرائيلي" ووقف مسيرات العودة وحال الاشتباك الشعبي التي في سياقها تُطلَق الطائرات الورقية والبالونات الحارِقة.

ما يتجاهله نتنياهو وقادة أجهزته الأمنية أن الاغتيالات كانت سبباً في انتقال الصراع إلى محطات أكثر اشتعالاً وردوداً واسعة من المقاومة وتجذير نهجها والتفاف الجماهير حولها، فهي أكّدت سابقاً ولاحقاً أن ما ينسحب على كوادر المقاومة وأعضائها واستهدافات المدنيين يجري على القيادات، وبالتالي تسقط الدعاية "الإسرائيلية" التي تحاول دقّ إسفين بين المقاومة وحاضنتها الشعبية، والتجارب القريبة والبعيدة أبانت أن أيّ اغتيال لم يؤدِ إلى وقف مسار المقاومة ومئات الاغتيالات التي تمت في خارج وداخل فلسطين، جعلت المقاومة أكثر تصميماً على التمسّك بمواجهة الاحتلال وخير نموذج لذلك اغتيال مؤسّس حركة الجهاد الإسلامي الدكتور فتحي الشقاقي، فبعد أكثر من 23 عاماً على اغتياله فإن الجهاد الإسلامي بات رقماً صعباً اليوم في معادلة الصراع ، وهو رسم معادلة القصف بالقصف والرد على أي عدوان"إسرائيلي".

بعد 11 عاماً من الحصار والضغط "الإسرائيلي" عبر العقوبات والتوغّلات والاغتيالات والتمني أن تغرق في البحر، لا زالت غزّة تشكّل معضلة استراتيجية للاحتلال فما تسميه الانفصال عام 2005 لم يحل هذه المعضلة والرهان على أن التضييق وسوء الأحوال الحياتية سيدفع الناس إلى الخروج إلى الشارع وانتشار الفوضى كانت نتائجه عكسية، فما حدث أن الناس خرجت إلى الحدود لتشتبك مع الاحتلال وتؤكّد أن مخططات الاحتلال في توجيه الغضب الشعبي في اتجاهٍ آخر سقط، وأن معادلة الصراع الوحيدة هي مع الاحتلال لتبقى غزّة غصّة في حلق الاحتلال ومعادلة المواجهة والردع هي المنطق الوحيد في التعامل معه.

من الواضح أن الاحتلال يحاول التهرّب من الاستحقاقات التي تفرضها غزّة بصمودها ومقاومتها ، والاشتباك الشعبي الذي فرضته مسيرات العودة ونقل الصراع معه إلى مرحلة أخرى، باتت تشكّل إرباكاً وتهديداً لأمن مستوطنيه الذين هرب جزء منهم إلى أماكن أخرى في فلسطين المحتلة ، وأخذوا يعلنون أنهم لا يستطيعون البقاء في مستوطناتهم في ظل أصوات الصواريخ وسقوط الطائرات والبالونات الحارقة، وأمام ذلك بذل الاحتلال جهداً لحرف الاشتباك إلى مواجهةٍ عسكريةٍ من خلال الاستهدافات التي حدثت خلال الأسابيع الماضية لعناصر المقاومة، والتي ردت عليها بمعادلة القصف بالقصف والدم بالدم، ما اضطر الاحتلال إلى وقف اعتداءاته وكلما عاد إليها عادت المقاومة للرد عليها، الأمر الذي أظهر ضعفاً في موقف الحكومة والجيش وظّفته بعض الأحزاب للجدال والاستهلاك المحلي انتهى إلى التسريبات الأخيرة عن العودة إلى سياسة الاغتيالات.

نتنياهو يتهرّب من جوهر المشكلة الأساسي وهو الاحتلال والحصار ويعمل على توظيف الحال القائمة لرفع مسؤوليته عن تدهور الأوضاع في غزّة، ومن أجل إنهاء أسر جنوده في غزّة وربط تخفيف الوضع من خلال ما أسماه تسهيلات حياتية لم تُطبّق فهو أغلق معبر كرم أبو سالم وهو خطوة تؤكّد مسؤوليته عن الحصار وسوء الحال الحياتية بغزّة، فيما أضحى فصل الإنساني عن السياسي مجرّد شعار لا يحمل أي مضمون وجاءت مناورة نتنياهو مع الجهود المصرية والأممية لنصل إلى الوضع الراهن من تصاعد التوتر والمواجهة، وكل التهديدات "الإسرائيلية" سواء بالاغتيالات أو عملية محدودة أو موسّعة وتحفيز الجمهور "الإسرائيلي" ضد غزّة لن تجدي نفعاً، فالاستحقاقات واضحة على نتنياهو وحكومته وتهرّبه من المسؤولية عما آل إليه الوضع في غزّة سيدخله في دوامة ربما تؤدّي إلى سقوطه مع الضغوط الداخلية التي تمارس عليه من أحزاب اليمين واليسار، وانتخابات مبكرة قادمة فنتنياهو يمكن أن يبدأ المعركة بالاغتيالات أو بشيء آخر لكنه لا يتحكّم بنهايتها والقول الفصل للمقاومة والشعب الفلسطيني ومعادلة توازن الردع ، وإبقاء قواعد الاشتباك الحالية ستكون العنوان الحالي في العلاقة مع الاحتلال الآن ومستقبلاً، مع الإشارة إلى أن غزّة هي جبهة صغيرة في الصراع فيما تبقى ساحة الصراع الواسعة في باقي فلسطين المحتلة.