في أقل من أسبوع.. ضربتان مؤلمتان للدروز في سوريا وفلسطين، ماهو الدور "الإسرائيلي" فيهما؟

بالعربي: ضربتان قويتان مؤلمتان للأشقاء الدروز واحدة في السويداء وأخرى في فلسطين المحتلة في اقل من أسبوع.. الأولى مجزرة دموية.. والثانية مجزرة دستورية "إسرائيلية" اسقطت وهم المساواة والشراكة والمواطنة.. لماذا نؤيد المطالبين باستقالة جماعية للنواب العرب في الكنيست ونتوقع انتفاضة شبابية درزية وشيكة؟ ولماذا نترحم بقوة على روح سميح القاسم؟

كتب عبد الباري عطوان : تلقى الأشقاء الدروز على جانبي حدود دولة الاحتلال ضربتين قويتين في اقل من أسبوع، الأولى من عدو تكفيري لا يعترف بإسلامهم ويحلّ سفك دمهم، ونحن نتحدث هنا عن “الدولة الإسلامية” “داعش”، التي ارتكبت مجزرة راح ضحيتها 250 شخصا من أبناء السويداء قبل اسبوع، اما الثانية فكانت اكثر قوة وايلاما، وتمثلت في قانون القومية العنصري الذي جعل من “إسرائيل” الدولة القومية للشعب اليهودي الذي له الحق وحده في تقرير المصير، الامر الذي ازال وهما راسخا في اذهان قطاع من أبناء الطائفة الدرزية في فلسطين المحتلة اعتقدوا بأنهم شركاء متساوون مع اليهود ومتميزون، في علاقة خاصة معهم، عن غيرهم من اشقائهم العرب الآخرين، مسلمين كانوا او مسيحيين، ولهذا انخرطوا في جيش الاحتلال طوال السنوات السبعين الماضية، وقدموا آلاف القتلى لتثبيت امنها واستقرارها.

هذا القانون، الذي تأخر كثير جدا، جاء في تقديرنا “نعمة” للأشقاء الدروز، ليس لأنه ساواهم بأشقائهم العرب في الظلم والاقصاء والتهميش فقط، وانما لأنه فتح عيونهم على انهيار سراب الشراكة واخوة السلاح مع المحتل العنصري الدموي” ايضا.

الضابط الدرزي المتقاعد سامي عوض الذي خدم في جيش الاحتلال أكثر من ثلاثين عاما لخص محنة أبناء هذه الطائفة العربية المسلمة الموحدة بقوله “يصعب علي بعد هذا القانون اقناع الشباب الدروز بالانخراط في الجيش الاحتلال لانهم اصبحوا بمثابة المرتزقة، يقاتلون دفاعا عن دولة لا تعترف بمواطنتهم من منطلقات عنصرية”، وذلك في تصريح لصحيفة “معاريف”، وكان صادقا ومصيبا في كل كلمة قالها.

من اتصلنا بهم من أبناء الطائفة الدرزية في فلسطين المحتلة، ومن خلال قراءتنا لردود فعلهم وكتابهم على هذا القانون العنصري، نلمس وجود حالة من الغضب والإحباط غير مسبوقة، فقد اكد لهم هذا القانون ان اليهودية تتقدم على الديمقراطية، وكل شعارات المساواة الكاذبة المضللة، وهناك من يتوقع “انتفاضة” وشيكة في صفوف الشباب الدرزي، خاصة انه جرى تشكيل غرفة قيادة مشتركة تضم كل أطياف التوجهات السياسية والفكرية الدرزية، للتعاطي مع تطورات ومواقف ما بعد هذا القانون.

النائب العربي في الكنيست زهير بهلول كان الأكثر شجاعة في رأينا، بين اقرانه العرب عندما اعلن في برنامج تلفزيوني عبري وعلى الهواء مباشرة استقالته قائلا “لا يمكن ان اتحمل البقاء في البرلمان الذي اقر هذا القانون الذي يزيل المساواة، ويضفي الشرعية على مداولاته العنصرية.

النائب البهلول ليس عضوا في القائمة العربية الموحدة، وانما في “الاتحاد الصهيوني” المعارض، وتعهد بأنه لن يتراجع مطلقا عن استقالته هذه، وختم مداخلته التلفزيونية بالقول “لا يمكن ان أتصور نفسي جالسا على مقاعد هذا البرلمان العنصري المدمر والمتطرف”.

الشارع العربي في فلسطين المحتلة عام 1948 يبدو منقسما حول مسألة الاستقالة هذه، فهناك غالبية تطالب النواب العرب باستقالة جماعية من الكنيست لان كل اطروحاتهم التي تتحدث عن تمثيل ناخبيهم والمطالبة بحقوقهم تحت قبة الكنيست قد سقطت، وهناك اقلية تطالب بعدم الاستقالة عبر عنها النائب يوسف جبارين، عضو الكنيست والقائمة العربية الموحدة، بقوله ان هذه العضوية تسهل عليهم، أي النواب العرب، خوض الصراع مع "إسرائيل" داخليا، كما انها توفر منبرا لمخاطبة برلمانات العالم بصفتهم ممثلين منتخبين.

في تقديرنا ان بقاء نواب عرب تحت قبة كنيست يلغي “مواطنتهم” ويكرس يهودية الدولة، ويشجع الاستيطان، والمزيد منه، وارتكاب المجازر، خيار غير مقبول، وغير منطقي، علاوة على كونه مهينا، ولذلك نحن نقف في خندق المطالبين بالاستقالة الجماعية لأنها تشكل اقوى أنواع المقاومة، وأكثرها فاعلية وتأثيرا في وجه هذا القانون العنصري والحكومة التي اقرته، وفضح "إسرائيل" ووجهها البشع امام العالم بأسره، ووضع حد لحالة “التكاذب” الديمقراطي "الإسرائيلي" المستمر منذ سبعين عاما، فهذا القانون العنصري يلغي التمثيل العربي في الكنيست دستوريا، ويجعله تجميلا لديمقراطية عنصرية لدولة يهودية صرفة.

الاشقاء الدروز طُعنوا في الظهر بخنجر مسموم بأبشع أنواع سموم العنصرية والتمييز، ونحن لا نتحدث هنا عن أبناء الطائفة الذين انحازوا دائما الى اشقائهم العرب الآخرين، ووقفوا في خندق المقاومة ضد الاحتلال، منذ اليوم الأول، ورفضوا الانخراط في جيش الاحتلال، ونالهم، وابناؤهم، الكثير من الأذى، وعلى رأس هؤلاء الصديق الشاعر الكبير الراحل سميح القاسم وزملائه الكثر الذي لا يتسع المجال لتسميتهم جميعا، ويقتصر حديثنا هنا عن بعض الاشقاء الدروز الذين انخدعوا بالأحاديث والادبيات الصهيونية عن الديمقراطية والمساواة.

هذا القانون جاء أكبر هدية لكل العرب تحت الاحتلال، لأنه فضح الأكاذيب الصهيونية والوجه العنصري لها، واعفاهم من البحث عن اثباتات لوجود هذه العنصرية بمأسستها ودسترتها رسميا، وهيأ أرضية مشتركة للوقوف في خندق واحد لمواجهتها بكل قوة وشراسة.

ختاما نطالب بقيادة عربية موحدة يكون للأشقاء الدروز مكانة بارزة فيها، تتولى النضال في مواجهة هذا النظام الصهيوني العنصري بكل الطرق والوسائل، ويكون اول مطالبها عدم المشاركة في أي انتخابات للكنيست، واستقالة جميع المجندين في جيش الاحتلال، وأصحاب المناصب العليا في الدولة احتجاجا، وعلى رأسها الوزير الدرزي أيوب قرا الذي أصبح قناة التطبيع الرئيسية مع الحكومات العربية.

المصدر: راي اليوم/ عبد الباري عطوان