الإمارات.. إنشقاق يكشف المستور!

بالعربي: يتسائل الكثير عن سبب انشقاق نجل حاكم الفجيرة الشيخ راشد بن حمد الشرقي وهو الشخصية المحبوبة في إمارته وفي بقية الإمارات ويتمتع بقبول قلّ نظيره في المجتمع هناك.

وقد أماط انشقاق الشيخ الإماراتي راشد بن حمد الشرقي، النجل الثاني لحاكم إمارة الفجيرة، والذي وصل إلى العاصمة القطرية الدوحة طالباً اللجوء، اللثام عن أسرار الحكم في الإمارات وهيمنة إمارة أبوظبي على القرار السياسي في البلاد، الأمر الذي أدّى إلى استياء كبير  لدى حكّام الدولة الآخرين.

صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية كانت نشرت، السبت (14 يوليو)، حواراً مع الشيخ راشد سلّط الضوء على خلافات بين الإمارات السبع، متّهماً إمارة أبوظبي بالتفرّد بقرار المشاركة في حرب اليمن، والابتزاز وغسل الأموال.

الشيخ راشد، الذي كان يشغل منصب رئيس هيئة الفجيرة للثقافة والإعلام، قال: "إن حكام أبوظبي لم يتشاوروا مع حكام الإمارات الآخرين قبل إرغام جنودهم على المشاركة في حرب اليمن منذ ثلاث سنوات"، كاشفاً عن تذمّر بقية الإمارات من تصرّفات أبوظبي وسياستها.

وأضاف أن إمارة الفجيرة، إحدى أصغر الإمارات السبع وأقلّها نفوذاً، تحمّلت الوزر الأكبر من عدد القتلى الإماراتيين باليمن، الذين قال إن عددهم الكلّي أعلى ممَّا تعلنه أبوظبي.

وأشارت الصحيفة إلى أن الشيخ راشد الشرقي وصل إلى العاصمة القطرية الدوحة، يوم 16 مايو الماضي، "بشكل غير متوقّع طالباً اللجوء".

ويمكن القول إن حادث الانشقاق هذا هو الأول من نوعه في تاريخ دولة الإمارات العربية المتحدة، التي تأسّست قبل 47 عاماً، حيث لم يحدث من قبل أن أقدم واحد من الأسر المالكة السبع على الانشقاق أو انتقاد الحكام الآخرين في أبوظبي بصورة علنية.

سطوة أبوظبي

تُعتبر أبوظبي، عاصمة دولة الإمارات، أكبر مناطق الدولة من حيث المساحة وعدد السكان، وتعادل مساحتها نحو 87% من إجمالي مساحة الدولة البالغة 67 ألف كم، وتقع في الجزء الجنوبي.

يتمتّع اقتصادها بنموٍّ هائلٍ، ما جعلها أكبر من اقتصادات الإمارات الـ6 الأخرى مجتمعة، كما تمتلك خامس أكبر احتياطي من النفط في العالم، والذي يشكّل نحو 10% من الاحتياطي العالمي.

نقطة قوة أخرى تتميّز بها أبوظبي؛ وتتمثّل في صناديقها الاستثمارية، حيث يُعدّ "صندوق هيئة أبوظبي للاستثمار المباشر" واحداً من أهم الصناديق المالية في العالم.

ويحتلّ الصندوق المراتب الأولى بأصوله التي تتجاوز 628 مليار دولار، متفوّقاً على الصندوق الفرنسي والصندوق الألماني، وهما من أضخم صناديق الاستثمار في الدول الأوروبية.

هذه الميزات جعلت حكام أبوظبي هم المتحكّمين بالقرار السياسي والمتفرّدين بقيادة نظام الحكم، رغم أنه فيدرالي، كما نصّت وثيقة إعلان الاتحاد عام 1971، التي صاغها الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، حاكم الإمارة الغنيّة، على أن يكون الحكم تداولياً بين الإمارات السبع كل 6 سنوات، فضلاً عن أن المجلس الأعلى للاتحاد هو أرفع سلطة دستورية وهيئة تشريعية وتنفيذية، وهو الذي يرسم السياسات العامة ويقرّ التشريعات الاتحادية.

لكن ومع استفادة الإمارات الصغيرة -كالفجيرة وأم القيوين ورأس الخيمة- من مساعدات أبوظبي المالية، تنازلوا عن حقّهم فيما يتعلّق بتداول السلطة، وباتت اليوم محصورة بينها وبين دبي، إذ نجد أن الرئاسة لأبوظبي وتذهب رئاسة الحكومة لدبي.

فإمارة الفجيرة التي انشقّ منها الشيخ راشد الشرقي مساحتها فقط 1,166 كم، كما تفتقر لأي موارد طبيعية كالنفط والغاز، ما جعل أبناءها يتجّهون للانضمام إلى الجيش والشرطة سعياً للحصول على مزايا كبيرة قياساً بقطاعات أخرى.

وخير مثال على نفوذ أبوظبي وسلطتها كان إنقاذ إمارة دبي الفقيرة هي الأخرى بالموارد الطبيعية من أزمة الديون التي عاشتها خلال الأزمة المالية العالمية، في الفترة ما بين 2007 و2010، حيث اشترت وفق تقرير  مؤسّسة "سي.إم.أيه داتافيجن" نُشر في العام 2009، كافة ديون الإمارة البالغة 80 مليار دولار، ما جعلها وفق التقرير تشارك دبي مواردها، والتي كافأتها أيضاً بإطلاق اسم الشيخ خليفة بن زايد، حاكم أبوظبي الحالي، على "برج دبي" الأطول في العالم، كنوعٍ من الوفاء والشكر.

خلاف داخل البيت الواحد

ورغم الصورة المتماسكة التي تحاول أسرة آل نهيان أن تظهر بها كمتوحّدة ومترابطة، تشير تقارير عدة إلى غير ذلك، خاصة مع اختفاء الشيخ خليفة بن زايد وظهور أخيه الأصغر محمد بن زايد في الصورة كحاكم فعلي للبلاد.

تقرير موقع "موند أفريك" الفرنسي ذكر في العام 2015، نقلاً عن مصادر مطّلعة، أن الشيخ خليفة يعاني من متاعب صحية بسبب جلطة دماغية تعرّض لها في العام 2014، بسبب المشاحنات والتوتّر الذي بلغ أشدّه حينها بينه وبين أخويه من الأب؛ وليّ العهد محمد بن زايد، وشقيقه عبد الله بن زايد آل نهيان، وزير الخارجية.

وكشف التقرير في ذلك الحين أن المسألة التي سبّبت الخلاف الشديد بين أبناء زايد المؤسّس ورفعت مستوى التوتّر إلى أقصاه هي الموقف من ثورات الربيع العربي التي بدأت في سنة 2011، حيث اعتبر  خليفة أن وصول الإسلاميين إلى الحكم لا يمثّل أي مشكلة.

لكن أخاه الأصغر  محمد رفض قبول هذا الواقع بشدّة؛ لأنه اعتبر صعود الإسلام السياسي في المنطقة يمثّل تهديداً كبيراً للأنظمة الملكيّة الخليجية، الأمر الذي أدّى لإبعاد خليفة شيئاً فشيئاً بذريعة مشاكله الصحية، وبات محمد هو صاحب السطوة في البلاد.

وواصل محمد بن زايد استحواذه على السلطة من خلال استغلاله لقوة عائلة أمه، الشيخة فاطمة بنت مبارك الكتبي، وما لها من نفوذ على قبائل الإمارة وامتداد عشائري كبير داخل الإمارات، كما يشير التقرير، ما جعل الجميع يقبل بالأمر الواقع.

ومنذ ظهورها قبل 47 عاماً، عُرفت الإمارات بالحياد تجاه قضايا المنطقة، والاكتفاء بالدور الإنساني بعيداً عن المواقف السياسية القوية، وهو الأمر الذي التزمه الشيخ خليفة طوال سنوات حكمه الفعلية، بين 2004 و2014، قبل أن تنقلب الأمور بعد اختفائه تدريجياً.

وباتت الإمارات في ظل شقيقه محمد متورّطة في كل المناطق المضطربة تقريباً بالشرق الأوسط، كاليمن وليبيا والعراق وسوريا، فضلاً عن تدبيرها حصار قطر  الذي هزّ وحدة وأمن الخليج الفارسي، وتأثيرها في القرار السياسي المصري.

وبحسب ما كتب مستخدموا مواقع التواصل الاجتماعي، حول استراتيجية ادارة الامارات فبينما كانت الأولى عربياً في التنمية والاقتصاد والبنية التحتية وذات سمعة طيبة عند الجميع بسبب مساعداتها للأخرين واتباع سياسة السلم و الشراكة مع الجميع، جاء محمد بن زايد وهدم كل ذلك لأطماع شخصية جاءت على حساب الإمارات !

وقال فهد الشهراني في تغريدة ان جوهر الخلاف هو  أحتكار أبوظبي لـ ٩٠ بالمئة من دخل الدولة و تدهور وضع دبي الأقتصادي وهروب المستثمرين وخلاف كبير جدا بين حكام الفجيرة وراس الخيمة مع ابوظبي لأسباب مادية وسيادية وعدم السماح لأبو ظبي بالتحكم بالجيش بشكل كامل ومنفرد.

وقال عبد الله القطري ان خلاف حكام الامارات قد ينتهي بتفكك الإمارات العربية المتحدة او طرد أبوظبي منها وجعل دبي العاصمة او خروج محمد بن زايد من السلطة بطريقة ما !

هروب المستثمرين الأجانب من الإمارات

أقدمت الإمارات على استحداث تسهيلات ومحفّزات غير مسبوقة للمستثمرين الأجانب وعائلاتهم، يبدو أن هدفها الحفاظ على ما تبقى منهم، في ظل تزايد الأعداد المغادرة للوافدين لإماراتي دبي وأبوظبي بشكل خاص، من جرّاء الضرائب والرسوم المتصاعدة التي أخذت السلطات تفرضها عليهم هناك.

من أبرز تلك التسهيلات ما أعلنه حاكم دبي الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، برفع نسبة تملّك الأجانب لشركاتهم من 49 % إلى 100 %، فضلاً عن زيادة مدة تأشيرات الإقامة للمستثمرين من 3 سنوات إلى 10 سنوات، ومثلها للمتخصصين من أطباء ومهندسين، لهم ولأسرهم.

ووفق هذه القرارات: إن الإمارات ستبقى حاضنة للمبدعين ووجهة للمستثمرين، لكن كثيراً من المراقبين يؤكدون أن هذه القرارات الجديدة وغير المسبوقة تأتي بعد أن أصبحت الإمارات، ودبي بشكل خاص، «وجهة طاردة للمبدعين والمستثمرين». لا ثقة ولا أمان بالإضافة إلى ذلك، تبحث الإمارات مراجعة نظام الإقامة لتمديد مهل الإقامة للمكفولين على ذويهم من الأبناء والبنات، بعد الانتهاء من دراستهم الجامعية، لدراسة مستقبل إقامتهم في دولة الإمارات.

وبحسب القرار أن الإمارات تسعى إلى استقطاب مزيد من الاستثمارات الأجنبية المباشرة، بما يساهم في رفع مؤشر الثقة والأمان الاستثماري في الدولة. لكن الثقة والأمان أبعد ما يكون اليوم عن البيئة الاستثمارية وقطاع الملكية الخاصة في دولة الإمارات، فما حدث مع المستثمرين والمواطنين القطريين الذين كانت لديهم استثمارات وأملاك خاصة في الإمارات، يؤكد ذلك بما لا يدع أي مجال للشك.

فعندما تم فرض الحصار الجائر على قطر في الخامس من شهر يونيو 2017، تعرّضت استثمارات وأملاك معظم المواطنين والمستثمرين القطريين في دبي بشكل خاص والإمارات عموماً للتعسف والتجميد؛ حيث فقد المواطنون القطريين القدرة على التصرف بأملاكهم، هكذا فجأة دون مقدمات ودون أي أسباب معلنة. أضرار مباشرة وحتى الآن، لا يستطيع العديد من القطريين التصرف بأملاكهم في الإمارات بعد أن فقدوها بشكل مباشر أو غير مباشر، وهم الذين تملّكوها مقابل ملايين الريالات، والتي ساهموا بها فيما مضى في تعزيز مناخ الاستثمارات في دبي.

ما حدث لاستثمارات القطريين في الإمارات إبّان اندلاع أزمة الحصار، يعني شيئاً واحداً: أن لا ثقة بالاستثمار أو التملّك في الإمارات، وأن من لديه ملكية خاصة أو استثمار في قطاع معين هناك سيبقى رهينة لمزاجات معينة سياسية أو اقتصادية تفرضها ظروف ومعطيات ما.

ويرى مراقبون أن ذلك يُعتبر أسوأ ما يمكن أن يلحق بسمعة مناخ استثماري ما مهما كان قوياً، ومهما كان رصيناً أو رزيناً؛ لذلك بدأ كثير من المستثمرين أو الذين يملكون ملكيات خاصة في الإمارات يعيدون حساباتهم هناك اليوم أكثر من أي وقت مضى، فلسان حالهم يقول: لا نريد أن تتعرّض أملاكنا لما تعرّضت له استثمارات القطريين.

مغادرة المستثمرين وإزاء مغادرة آلاف المستثمرين والمقيمين وعائلاتهم للإمارات، بدأت التدفقات النقدية الخارجية تتضاءل بصورة ملحوظة، كما بدأت أسواق المال في الإمارات تفقد جزءاً كبيراً من السيولة المتداولة لديها؛ ما حدا بالكثير من الشركات المدرجة أسهمها للتداول إلى اتخاذ قرارات سريعة بزيادة نسبة تملّك الأجانب من أجل إنقاذ ما يمكن إنقاذه.

وتعرّضت أسواق المال الإماراتية في الآونة الأخيرة إلى تراجع كبير في استثمارات الأجانب وملكيتهم في الأسهم؛ ما أدى إلى تراجع وزن تلك الأسواق في مؤشرات البورصات العالمية، وأدى بالتالي إلى تباطؤ غير مسبوق في تدفّق رؤوس الأموال والاستثمارات الأجنبية في الأسهم الإماراتية؛ الأمر الذي أثّر سلباً على كفاءتها، وأضعف التداولات.

ويتيح قانون الشركات الجديد الذي أقرته الإمارات وصول الملكية الأجنبية في الشركات المساهمة إلى مستوى 49 %، باستثناء شركات التأمين التي كان ينص القانون سابقاً على ألا تتجاوز الملكية الأجنبية فيها 25 %، لكن مؤخراً تم تعديل نظام الحد الأدنى لرأسمال شركات التأمين المؤسسة بالإمارات لترتفع نسبة تملّك الأجانب في رأسمال شركات التأمين المؤسسة في الدولة إلى 49 % حداً أعلى.