إخضاع عُمان.. ورقة بن سلمان وبن زايد الأخيرة لإعادة الهيبة المفقودة

بالعربي: بينما تظهر السعودية في واجهة أي حدث يخصّ المنطقة الخليجية تقف خلفها الإمارات مؤيدة وداعمة ومحرّضة في بعض الأوقات وفقاً لمتطلبات المرحلة والمصالح المبنية على أساسها.

ومن هنا بدأت تتبلور سياسة البلدين بناءً على رغبة الأولى في السيطرة على شركائها في المنطقة الخليجية وسعي الثانية لتأمين مصالحها والبحث عن دور أكثر تأثيراً في الإقليم مع مراعاة الحفاظ على العلاقة مع السعودية تحسّباً لأي انتكاسة قد تحصل جراء هذه السياسة، وما كانت تخاف منه الإمارات بدأ يحصل بعد الفشل الذي مُنيت به الاثنتان في كل من محاصرة قطر والحرب على اليمن وعزل كل من لا يصطف معهم في هذا المستنقع.

الورقة الأخيرة التي يحاول من خلالها المحمّدان "محمد بن سلمان ومحمد بن زايد"  استخدمها لإعادة الهيبة المفقودة لكليهما تتمثل في إخضاع سلطنة عُمان، وذلك عن طريق ثني عُمان عن مواقفها بـ"الترغيب أو الترهيب"، بحسب ما جاء في نصّ الوثائق المسرّبة من السفارة الإماراتية فيها والممهورة بتوقيع السفير محمد سلطان السويدي، والتي بدأت جريدة "الأخبار" اللبنانية بنشرها تباعاً، وجاء في الوثائق أيضاً أن مسقط تصطفّ عملياً إلى جانب الدوحة في الأزمة المحتدمة بين الأخيرة وبين الرياض وأبو ظبي، وإن كانت تحرص في العلن على البقاء في منطقة الحياد.

وإذا بحثت عن أسباب سلطنة عُمان في اتباع هذه السياسة ستجد أن السلطان قابوس يخشى من غدر السعودية والإمارات به وببلاده تماماً كما فعلتا مع قطر، بحسب ما ذكرت مجلة الإيكونوميست البريطانية في إحدى تقاريرها، وأضافت المجلة البريطانية إن سلطنة عمان تشعر بقلق حقيقي من غدر جيرانها.

خشية عُمان تعود إلى مجموعة من الأسباب أبرزها تدخل الإمارات بشؤون السلطنة واستهدافها في أمنها سواءً بالفعل التجسسي الذي كُشف بعض من فصوله عام 2011، أو بإغلاق الحدود مثلما يحدث اليوم في محافظة المهرة الواقعة أقصى شرق اليمن على الحدود مع محافظة ظفار العمانية فضلاً عن تشويه تاريخ عُمان في منهاجها الدراسي والعمل على استغلال ضعف الإنتاج لديها في هذه المرحلة وابتزازها اقتصادياً على شاكلة الأردن، ناهيك عن التحريض الديبلوماسي الذي شرع فيه بالفعل (كما تفيد به بعض المعلومات) السفير الإماراتي في واشنطن يوسف العتيبة بدعوى دعم عُمان لـ"انصار الله".

أرادت الإمارات أن تُخرج سلطنة عمان عن سياستها المحايدة تجاه ملفات المنطقة وإسقاطها في المستنقع الذي وقعت به، ومع ذلك لم تنجح أبو ظبي حتى اللحظة في تحقيق مرادها، وذلك يعود إلى سياسة السلطنة الحكيمة وربطها علاقات متينة مع دول الجوار ورفضها معاداة إيران وقطر وسوريا واليمن، وساعدتها علاقاتها مع الدول الإفريقية ودول المغرب العربي بمنع الإمارات من إضعافها أو تهديدها بالقوة لذلك تجد الإمارات حتى اللحظة تتبع سياسة الترغيب مع عمان.

وعلى العكس مما كان يتوقع ابن زايد فقد تحسّنت العلاقة مع قطر وأظهرت إحدى الوثائق المسرّبة المُعنونة بـ"توقيع (قطر للبترول) اتفاقية للتنقيب عن النفط قبالة سواحل عمان" (مؤرّخة بـ20 تشرين الثاني/ نوفمبر 2017) يقول فيها السفير محمد سلطان السويدي إن "مسقط تستعجل الاصطفاف مع الدوحة برغم إعلانها الحياد في الأزمة الخليجية"، معتبراً تلك الاتفاقية "دليلاً على ذلك"، ويتحدث السويدي في الوثيقة نفسها عن "مستوى جديد ومتطور من العلاقات بين السلطنة ودولة قطر"، مبيّناً أن خطورة الاتفاقية المذكورة تكمن في أن "السلطنة تبدي تحفظات تجاه عمليات التنقيب النفطي في البحر"، ولذا تُعدّ هذه الصفقة "الانعكاس الأكثر وضوحاً لمدى التقارب العماني - القطري خلال الأشهر القليلة الماضية".

المهرة

لم يتبقَ أمام الإمارات سوى التدخل بشكل مباشر في سلطنة عمان عن طريق حدودها مع اليمن، حيث تعمّدت أبو ظبي تجنيس سكان تلك المحافظة وشراء أكبر قدر مستطاع من الولاءات لتجنيدهم وتحريضهم ضد سلطنة عمان، وهذا ما دفع الأخيرة للرد بالمثل، وبعد عجز الإمارات عن التقدّم في هذا الملف اضطرت لطلب المساعدة من السعودية التي تدخلت هي الأخرى تحت ذريعة "منع التهريب"، وإلى اليوم لا يزال الشد والجذب قائماً بين الرياض التي تحاول إحكام قبضتها على المهرة وبين أذرع النفوذ العمانية التي بدأت السلطنة بمدّها في المحافظة منذ أن انطلقت من هناك الدعوات إلى انفصال ظفار نهاية ستينات القرن الماضي.

هذه الأحداث وغيرها تثبت بالدليل القاطع أن الامارات أصبحت عاجزة عن إحداث أي فرق في معادلة المنطقة وفرض آرائها على الآخرين، وما عجزت عن تحقيقه في قطر واليمن وسوريا لن تستطيع فعله في سلطنة عمان التي يتمتع حاكمها بخبرة سياسية تفوق عمر المحمدين، وبالتالي ستتحوّل عمان إلى عبء على محمد بن زايد ومحمد بن سلمان في مشروعهما الذي لم ولن يجد طريقه للنور طالما أنه يعتمد على التدخل في شؤون الآخرين، والأحرى بهما أن يعودا إلى رشدهما ويبدأا بتحسين العلاقات مع الوسط المحيط لأن المستقبل لا يبشر بالخير لسياستهما.