هل هناك مخاوف من اندلاع حرب "إسرائيلية" إيرانية وشيكة؟

بالعربي: تطوران على درجة كبيرة من الأهمية يمكن رصدها في ظل تصاعد حدة التوتر على الجبهتين السورية والإيرانية، وحدة تبادل التهديدات بين الرئيسين الأميركي دونالد ترامب والإيراني حسن روحاني في الأيام الأخيرة.

ـ التطور الأول: الزيارة المفاجئة والعاجلة التي قام بها (الإثنين) سيرغي لافروف، وزير الخارجية الروسي، والجنرال فاليري جيراسيموف، رئيس هيئة أركان القوات المسلحة الروسية إلى تل أبيب، وعقدها لقاء "مغلق" مع بنيامين نتنياهو، رئيس وزراء الاحتلال، بحضور أبرز قادة المؤسستين العسكرية والأمنية.

ـ التطور الثاني: تهديد الرئيس ترامب لإيران بدفع ثمن باهظ وعقوبات وخيمة لم يعان منها سوى القليل عبر التاريخ، كرد على تهديدات الرئيس حسن روحاني الذي لوح فيها "بأم الحروب" ضد الولايات المتحدة.

من الصعب علينا التكهن بالأسباب التي دفعت لافروف، ورئيس هيئة الأركان الروسي للقيام بهذه الزيارة المفاجئة، ولكننا نجزم بأن أمراً خطيراً قد طرأ في الأيام القليلة الماضية استدعى هذه الزيارة ذات الطابع العسكري السياسي المزدوج.

السؤال الذي يطرح نفسه في هذه العجالة حول ما إذا كانت الرئاسة الروسية قد استشعرت احتمالات نشوب حرب بين "إسرائيل" وإيران على الأرض السورية يمكن أن تتطور إلى حرب إقليمية.

الغارات "الإسرائيلية" الجوية والصاروخية على أهداف داخل سوريا تكاثرت، وكان آخرها قصف صاروخي "إسرائيلي" استهدف مدينة مصياف في محافظة حماة، أسفر عن خسائر مادية فقط، حسب البيان الرسمي السوري، الذي يحدد نوعية المنشأة المستهدفة وما إذا كانت سوريا أو إيرانية.

لا نستبعد أن تكون القيادة الروسية بدأت تشعر بحرج كبير من جراء هذه الاستفزازات "الإسرائيلية"، وأنها بصدد توجيه تحذير غير مسبوق لنتنياهو، أو اتخاذ قرار بتعزيز الدفاعات الجوية السورية بصواريخ "إس 300" مثلاً، وإلا لماذا يتواجد رئيس هيئة أركان القوات المسلحة الروسية في هذه الزيارة التي قال نتنياهو أنها جاءت بطلب من الرئيس الروسي بوتين شخصيا؟.

نتنياهو زار موسكو قبل عشرة أيام فقط (11 تموز)، وعقد اجتماعات مكثفة مع الرئيس بوتين، فما الذي استجد في هذه الأيام العشرة الأخيرة استدعى طيران لافروف والجنرال جيراسموف المفاجئة والعاجلة هذه؟

أما إذا انتقلنا إلى التطور الآخر وهو تهديدات ترامب لإيران ورئيسها روحاني التي وصلت إلى درجة الإيحاء باغتياله، ومسؤولين إيرانيين آخرين، والتسريع بفرض العقوبات الاقتصادية، مثلما جاء على لسان وزير الخارجية مايك بومبيو، فإنها أي التهديدات الأميركية، تعكس قلقاً أميركيا، ورغبةً في التحشيد السياسي والنفسي ضد طهران، وبما يذكرنا بملاسنات مماثلة مع رئيس كوريا الشمالية كيم جونغ أون، التي انتهت بقمة سنغافورة قبل شهر ونصف الشهر تقريباً.

نعترف أن المقارنة بين كوريا الشمالية وإيران ليست في مكانها لسبب بسيط وهو وجود عامل التحريض "الإسرائيلي" ضد الأخيرة، أي ايران، وتصاعده، بعد تواصل انتصارات الجيش العربي السوري، واستعادته لمدينة القنيطرة المحاذية لهضبة الجولان، بعد درعا وجوارها والحدود مع الأردن، ودون التوصل رسميا إلى اتفاق سوري "إسرائيلي" بتجديد تفاهمات الهدنة التي جرى التوصل إليها عام 1974، وابتعاد القوات الإيرانية 80 كيلومتراً عن حدود فلسطين المحتلة.

"إسرائيل" وحلفاؤها السنة العرب لا يريدون صلحاً أميركيا إيرانيا يكرس الوضع الراهن، بما في ذلك الوجود الإيراني في سوريا، وأذرعه ذات القوة الضاربة التي باتت تشكل جيوشاً موازية في لبنان حزب الله، والعراق (الحشد الشعبي وحزب الله العراق)، واليمن (أنصار الله)، ويعتقدون أن الحل يتمثل في ضرب إيران لأنها لن ترفع الراية البيضاء رضوخاً للشروط الأميركية "الإسرائيلية" المذلة، وهو الموقف نفسه الذي طالبت فيه هذه الدول بالتعاطي أميركيا مع الغزو العراقي للكويت.

استمرار الغارات "الإسرائيلية" الجوية والصاروخية على سوريا دون رد من الصعب أن يستمر، وفرض أي حصار اقتصادي على إيران، بما في ذلك منع تصدير نفطها كليا، لا يمكن أن يمر دون رد إيراني أيضاً، لأنه سيكون خطوة رئيسية على طريق تغيير النظام، وجميع الأنظمة التي لم تقاوم هذا الحصار منذ بدايته، سقطت بشكل مهين، ونحن نتحدث هنا عن العراق وليبيا تحديداً.

ما يجعلنا نرجح صلابة الموقف الإيراني، وتفهم القيادة الإيرانية لهذه المخاطر رد السيد محسن رضائي، الأمين العام لمجمع تشخيص مصلحة النظام، على تهديدات ترامب التي قال فيها "احذر أنت أيها المجنون لأنك أنت من لديه أكثر من 50 ألف عسكري في مرمى رصاص إيران".

***

ما يقصده السيد رضائي هو القوات الأميركية في العراق وسوريا وأفغانستان، وفي القواعد العسكرية في الخليج {الفارسي} التي ستكون رهينة صواريخ إيران وحلفائها، بالإضافة إلى "إسرائيل" طبعاً، فترامب رضخ لرئيس كوريا الشمالية والتقاه في سنغافورة خوفاً على 30 ألف جندي أميركي في كوريا الجنوبية، وكذلك على حلفائه في اليابان وكوريا الجنوبية وازدهارهم الاقتصادي.

هذه هي اللغة الوحيدة التي نعتقد أن أميركا ورئيسها المتهور المتغطرس ترامب يفهمها، ويكفي تذكيره بأن حصار خانق استمر عشر سنوات لم يركع أهلنا في قطاع غزة، الذي لا تزيد مساحته 150 ميلا مربعاً، فهل سيرهب حصار مماثل لقارة اسمها إيران.

إذا اندلعت الحرب ستكون "أم الحروب" فعلاً، أو هكذا نتوقع، ولعل هذا أحد أبرز أسباب زيارة لافروف لتل أبيب للعمل على منعها، وتحذير "إسرائيل" من جر المنطقة والعالم فيها.. والله أعلم.

المصدر: رأي اليوم/ عبد الباري عطوان