بين "أم الحروب" و "أم السلام".. أيهما ستختار إيران؟

بالعربي: أيُّهُمَا ستَختار إيران.. “أُم السَّلام” أو “أُم الحُروب”.. ولماذا نُرَجِّح الثَّانِية؟ وهل يُقدِم ترامب على إطلاق المَخزون النِّفطيّ الاحتياطيّ لإيصال الأسعار إلى مُعدَّلات مُدَمِّرة في تِكرار للسِّيناريو العِراقي قَبل غَزو الكُويت؟

كتب عبد الباري عطوان : تَجَدُّد التَّهديدات بإغلاقِ مضيق هرمز على ألسِنَة المَسؤولين الإيرانيين، وآخرهم السيد علي خامنئي المُرشد الأعلى للثَّورة الإيرانيّة يَعكِس قَلقًا مُتصاعِدًا، وليس رَغبةً في الحَرب، ودَعوةً للإدارة الأمريكيّة غير مُباشِرة للجُلوس إلى مائِدة الحِوار بَحثًا عن الحُلول.

صحيح أن السيد خامنئي حَرِص يوم أمس على تأكيد قناعةٍ إيرانيّةٍ مفادها أنّه لا فائِدة تُرجَى من الحِوار مع الولايات المتحدة لأنّها لا تَلتزِم بتنفيذ الاتِّفاقات المُوقَّعة، ولا تَحترِم توقيعها عليها، لكن المَسؤولين الإيرانيين ربّما يَنخرِطون في الحِوار إذا كان خِيارًا مَطروحًا على الطَّاوِلة، ومن مُنطَلق كسب الوقت على الأقَل، وتأجيل الانجِراف إلى أتون الحَرب لأطولِ فَترةٍ مُمكِنة.

السيد حسن روحاني، الرئيس الإيراني المُعتَدِل، صعَّد في الأيّام الأخيرة تَصريحاتِه ذات الطَّابِع التَّحذيريّ للولايات المتحدة من جرّاء أي عُقوبات يُمكِن أن تَفرِضها على بِلاده، وما يُمكِن أن يَترتَّب عليها من تَبِعات، واصِفًا هذه العُقوبات المُحتَملة بأنّها “لَعِب بالنَّار” يُمكِن أن يَحرِق أصابعها، وكان قوله “السَّلام مع إيران سيكون أُم كُل السَّلام، والحَرب معها سيكون أُم كُل الحُروب”.

إيران، وحَسب تقديرات مَسؤول خليجيّ كبير في شُؤونِها، تَحدَّث إلى “رأي اليوم”، أكَّد أنّ تهديدات روحاني هَذهِ هِي رسالة إلى واشنطن، والرئيس الحالي دونالد ترامب، بالتَّعقُّل، وعدم التَّهوُّر، والبَحث عن خِيارات أُخرَى، لأنّ إيران تُدرِك جيّدًا أنّ إغلاق مضيق هرمز الذي يَمُر عبره 18 مِليون برميل يَوميًّا هو “إعلان حرب”، ربّما يُوحِّد أطرافًا دوليّة عديدة ضِدّها، وبِما يَخدِم عُدوانيّة الرئيس الأمريكي، وما زالَ الكَلام هُنا للمَسؤول الخليجيّ نفسه.

المَسؤولون الإيرانيّون يَخشون من إقدام الرئيس ترامب على ثَلاثِ خَطواتٍ يُمكِن أن تُلحِق الضَّرر بِهِم وشَعبِهم:

ـ الأوّل: فَرض حصار اقتصاديّ خانِق على أمَل تأليب الشعب الإيرانيّ ضِد حُكومته، ودَفعِه لدعم، أو عدم مُعارضة أي تَدخُّل أمريكيٍّ لتَغيير النِّظام.

ـ الثانية: تَحريك الأقليّات غير الفارسيّة، وغير الشيعيٍة، على غِرار النَّموذجين السُّوريّ والعِراقيّ.

ـ الثالثة: إطلاق كميّات كبيرة من المَخزون النِّفطيّ الاحتياطيّ ممّا يُؤدِّي إلى تَخفيض الأسعار إلى مُعَدَّلات مُدمِّرة للاقتصادِ الإيرانيّ.

لا نَعتقِد أن الإيرانيين يُمكِن أن يَقبلوا بالشُّروط الأمريكيّة في أيِّ حِوارٍ افتراضيٍّ، لأنّها تَعني استسلامهم الكامِل، والتخلِّي عن طُموحاتِهم النَّوويّة والصَّاروخيّة إلى الأبد، وهذا أمر مُستَبعد لأنّه يُذكِّر بالسِّيناريو العِراقي، وعَواقِبه الوَخيمة، ولكن إذا كانت المُفاوضات التي يُمكِن إطالة مُدّتها مُتاحة، بمُشارَكة الأوروبيين أيضًا فَلِمَ لا.

مُشكَلة الإيرانيين تَنحصِر في تعاملهم مع رئيسين مُتهوّرين كُلٌّ لأسبابِه، الأوّل بنيامين نِتنياهو، الذي يُريد أن يُتوِّج حياته السياسيّة “بنَصرٍ ما” يُجَنِّبه مصير سلفه إيهود أولمرت، الذي انتهى بالسَّجن، والثَّاني ترامب، الذي تتصاعَد ضِدَّه وإدارته الانتقادات الأمريكيّة في أوساط قِطاعٍ عَريضٍ من النُّخبة السياسيّة والشَّعب الأمريكيّ مَعًا، ويَعتَقِد أنّ ضرب إيران يُمكِن أن يُظهِره بالرئيس القَويّ.

إغراق أمريكا أسواق النِّفط العالميّة بكميّاتٍ كبيرةٍ من مَخزونِها النِّفطيّ، وتَحريض بعض حُلفائِها في مِنطَقة الخليج، والكُويت والإمارات على وَجه الخُصوص أدَّيا إلى انخفاض الأسعار إلى أقَل من عَشرة دولارات للبَرميل عامَيّ 1988، و1989، الأمر الذي أدَّى إلى انهيار الاقتصاد العِراقيّ الخَارِج للتَّو من الحَرب، ودَفع الرئيس صدام حسين إلى غزو الكويت صَيف عام 1990.

القِيادة الإيرانيّة قد تُقْدِم على خَوض “أُم الحُروب” مُكرَهةً إذا واجَهت السِّيناريو نفسه، لأنّها قد لا تَنتظِر أن يَتِم نقل المعركة إلى عُمقِها، وتأزيم الجَبهة الداخليّة من خلال “تَثوير” الأقليّات العِرقيّة والطائفيّة بالتَّوازي مع مَنع صادِراتها النِّفطيّة كُلِّيًّا، وربّما هذا ما قَصَده السيّدين خامنئي وروحاني في التَّصريحات الأخيرة.

ربّما لا تَلجأ إيران إلى إغلاق مضيق هرمز في البَداية كرَدٍّ على العُقوبات الأمريكيّة الوَشيكة، وتَكتِفي بإطلاق جُزءٍ كبيرٍ من الألغامِ البَحريّة في مِياه الخليج والبحر الأحمر لزَعزَعة المِلاحة الدوليّة، وإرباك السُّفُن الحَربيّة الأمريكيّة، وناقِلات النِّفط، الأمر الذي يُؤدِّي إلى ارتفاع أسعار النِّفط ورُسوم التأمين، تمامًا على غِرار ما حَدَث في الثَّمانينات في ذَروة الحَرب العِراقيّة الإيرانيّة.

المِنطَقة تتأرجَح حاليًّا بين “أُم الحُروب” و”أُم السَّلام” وفي ظِل وجود قِيادة أمريكيّة مُرتَبِكة ومُتهَوِّرة، تَحوَّلت إلى أداة، أو دُمية في يَد نِتنياهو والصهيونيّة العالميّة، لا نَستبعِد الأُم الأُولى، “أي أُم الحُروب”.

إيران قَويّة، وتزداد قُوّة، وتَملُك قُدرةً مُتميّزةً في قِراءَة التَّطوُّرات وتَقدير المَواقِف ولا نَعتقِد أنّها ستَمُد رَقبتها لحَبل المِشنَقة الأمريكي الإسرائيلي طَوعًا، إيران ستَناور وتُحاوِل كسب الوقت، ولكن إذا وَصَل الأمر إلى قَطع الأعناق النِّفطيّة، وتَجويع الشَّعب الإيرانيّ على أمَل إسقاط النِّظام، فإنّ الرَّد سَيكون مُختَلِفًا.. بَل مُختَلِفًا جِدًّا.. واللهُ أعْلَم.