قطاع غزة بين احتمالين لا وسط بينهما

بالعربي: بات قطاع غزة يتأرجح بين خيارين لا وسط بينهما، إما الانزلاق لحرب رابعة مدمرة، أو الذهاب بعيدًا في إطار خطة أممية لإنقاذ البقعة الأكثر كثافة سكانية في العالم وترزح تحت حصار "إسرائيلي" مطبق منذ 11 عامًا. الوقائع التي تجري على الأرض لا تضع حرية التصرف بيد الغزيين، بقدر ما هي بيد الاحتلال الذي إن أراد شن العدوان لن يمنعه أحد من ذلك، مقابل اليد الأمريكية التي تجنح لتمرير صفقة القرن، مستغلة تهاوي واقع العيش في غزة.

بين الخطة التي طرحها المنسق الخاص للأمم المتحدة لعملية السلام في الشرق الأوسط نيكولاي ملادينوف، وتهديدات رئيس حكومة الاحتلال بمواصلة شن الغارات على الأطفال مطلقي الطائرات الورقية، يقف قطاع غزة على خيط رفيع بين الذهاب للخطة الإنسانية أو التعرض للعدوان.

 

خطة جاهزة للتنفيذ

بعد يوم وليلة من تصعيد الغارات "الإسرائيلية" المكثفة على القطاع ورد المقاومة الفلسطينية بالقذائف، وصل ملادينوف إلى القطاع للقاء المسؤولين في حركة حماس، وخرج بتصريحات بأن القطاع كان على حافة الحرب.

لكن أطرافًا إقليمية نجحت بإبرام تهدئة متخلخلة بين الفصائل بغزة والاحتلال، وعادت الأمور لهدوء نسبي. فيما بعد، تسربت تقارير حول خطة ملادينوف لإنقاذ القطاع والتهيئة لهدوء طويل الأمد.

مصادر فلسطينية كشفت لصحيفة “الحياة اللندنية” بأن جهود منسق الأمم المتحدة الخاص لعملية السلام نيكولاي ملادينوف تلقى دعمًا من أطراف عدة، في مقدمتها الولايات المتحدة و"إسرائيل". وأشارت المصادر إلى أن الولايات المتحدة و"إسرائيل" ومصر والرئيس الفلسطيني محمود عباس يدعمون خطة ملادينوف للتدخل الإنساني في قطاع غزة.

وبينت المصادر أن ملادينوف «طمأن» الرئيس عباس خلال لقائهما قبل أيام، إلى أن خطته للتدخل الإنساني في القطاع «لا علاقة لها بصفقة القرن»، التي يرفضها الأخير بشدة.

وأشارت المصادر إلى أن حركة حماس «لم تتلقَّ رسميًا أي خطة، بل استمعت إلى أفكار فقط»، موضحةً أنها (أي حماس) «قد تقبل الخطة في حال لم تدفع في مقابل تنفيذها أي ثمن سياسي، وفي حال لم تكن لها علاقة بصفقة القرن التي ترفضها بشدة».

وتتزامن هذه التقارير مع جولات حوار يجريها وفد من حركة حماس في مصر، جنبًا إلى جنب مع حوارات مستمرة يجريها ملادينوف، مع كل الأطراف.

تفاصيل الخطة

ونقلت صحيفة الحياة عن المصادر الفلسطينية -التي وصفتها بالموثوقة- قولها إن الخطة التي صاغها منسق الأمم المتحدة الخاص لعملية السلام في الشرق الأوسط نيكولاي ملادينوف لإنقاذ قطاع غزة، أصبحت جاهزة للتنفيذ فورًا، وتركز على 4 قطاعات، وتعمل من أجل منع وقوع حرب.

وبحسب المصادر، فإن الخطة تركز على تحسين الأوضاع في القطاع، والعمل على «إنعاش أربعة قطاعات، هي خلق فرص عمل للحد من البطالة المرتفعة المتفشية في القطاع، والكهرباء، والمياه، والصحة».

وتكشف المصادر أن ملادينوف جمع من أجل تنفيذ الخطة حوالي 650 مليون دولار قد ترتفع إلى حوالي مليار دولار، على أن تكون أولى الخطوات «خلق فرص عمل للمتعطلين من العمل وفق معادلة المال مقابل العمل، بغية ضح عشرات ملايين الدولارات في السوق الغزية، نظرًا لانهيار الاقتصاد المحلي وعدم وجود سيولة مالية، كي تعود عجلة الاقتصاد للدوران».

«تشمل [الخطة] تحسين التيار الكهربائي من خلال تأهيل الشبكة القائمة، وتلك القادمة من "إسرائيل"، والشبكة المصرية لرفع قدرتها على زيادة التيار، وبناء خزان وقود إضافي لمصلحة شركة الكهرباء الوحيدة في القطاع، والاستثمار في الطاقة الشمسية البديلة، إضافة لإعادة تأهيل قطاعَي المياه والصحة وصحة البيئة أيضًا»، قالت المصادر. وتوقعت أن «يتراوح الوقت اللازم لتنفيذ الخطة بين ستة أشهر وسنة كاملة».

“لمنع شبح الحرب في غزة، ومنح الغزيين الأمل”، لخصت المصادر أهداف الخطة.

لماذا احتماليات التدهور أكبر؟

رغم الخطة التي تبدو منسقة، إلا أن احتماليات تدهور الأوضاع في قطاع غزة كبيرة، وفقًا لمراقبين.

يرى المحلل الفلسطيني من غزة طلال عوكل في حديث لوسائل إعلام فلسطينية، أن خطة ملادينوف ما هي إلا جزء من صفقة القرن التي أعدتها إلادارة الأمريكية، وتسعى خلف تطبيقها على أرض الواقع بشتى السبل.

وتشكك الحكومة الفلسطينية باستمرار بنوايا الخطط المعدة للقطاع تحت غطاء إنساني، وتحذر من السعي لفصله تمامًا عن الضفة الغربية، وهو ما تريده إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب كخطوة أولى لإنفاذ صفقتها.

ويقول عوكل إن أطرافًا عربية تدعم الخطة، وإن تجاوزت السلطة الفلسطينية. من بين هذه الأطراف دولة قطر التي يعتقد عوكل أنها ستمضي في تطبيق الخطة، بالتنسيق مع حماس، حتى وإن رفضتها السلطة.

ولعل ما يشير لصعوبة تهيئة الوضع لتطبيق الخطة الإنسانية عوامل عدة:

– المصالحة الفلسطينية بعيدة المنال، وعدم وجود الحكومة الفلسطينية على رأس إدارة غزة، سيضعف احتمالات القبول بالخطة.

– ثمة تصعيد "إسرائيلي" تجاه القطاع في الأيام الأخيرة، تمثّل بمزيد من الخناق على حركة دخول السلع، كذلك تضييق مساحات الصيد لمسافات تقل عن 3 أميال، بعدما كانت تتخطى تسعة أميال. على الرغم من أن وجهات نظر تقول إن هذا الخناق المترافق مع التصعيد العسكري ما هو إلا ضغط على القطاع للقبول بالخطة، إلا أنها قد تقرب الانفجار أكثر مما تدفع إلى الرضوخ.

– دخول الدور القطري بالانفراد مع حماس في مناقشات وضع القطاع، قد يصعب أية جهود لوضع أرضية لتصالح فلسطيني يقوي الموقف تجاه الولايات المتحدة و"إسرائيل".