الحرب السورية تدمر الفن وهل من سبيل لانقاذه؟

بالعربي: الحرب المفروضة على سوريا اتت على كل شيء وكان الفن اهم ضحاياها بشكل عام والدراما التلفزيونية بشكل خاص لانها تعكس صورة الشارع السوري والنافذة الوحيدة للمجتمع ليخرج مافي قلبه للعالم اضافة الى انها نافذة ترفيه للسوريين الذين ارهقتهم الحرب بكل تفاصيلها.

القبعة ترفع للعاملين في مجال الدراما التلفزيونية والفن بالعموم على صمودهم وعملهم طوال سنوات الحرب القاسية، لكن ما قدم خلال هذه الفترة مستواه متدني ودون المطلوب ولا يليق بالذوق العام اساسا. من يتابع تفاصيل الحرب السورية يستنتج ان الدراما سوف تتأثر دون ادنى شك لكن ليس بهذه الطريقة، فالسيناريوهات المطروحة والقصص المبتذلة والتمثيل الهابط والاخراج التعيس، وهو ما يجعل المشاهد في حيرة من امره هل هذا هو فعلا واقعنا؟ هل نحن بهذا الكم الهائل من السوء؟

منذ بداية الالفية الثانية تطورت الدراما السورية بشكل كبير ورهيب، وشاهدنا اعمالا قمة في الروعة سواء من حيث النص والمضمون او من حيث التمثيل او الاخراج، مثل صلاح الدين الايوبي وثلاثية الاندلس والتغريبة الفلسطينية. اما الكوميديا السورية فواصلت تفوقها في جميع النواحي بداية من منتصف القرن الماضي ووصولا الى عام 2011 مع مسلسل "الخربة"، لكن من يتابع الحركة الفنية يرى الهبوط المستمر منذ ذلك الحين وحتى الان، وباتت الدولة التي خرجت اكبر ممثلي الكوميديا في العالم العربي مفتقرة لابسط انواع الضحك في مسلسلاتها حتى بتنا نشاهد مسلسلا يتحدث عن اول سنة زواج بمنتهى التفاهة والسخف بعقل المشاهد.

سوريا فقدت ممثليها من الصف الاول الذين فضلوا العمل في دبي وبيروت ومع شركات اجنبية على العمل في دمشق مع شركات محلية، وهذا حق مشروع ولكن فقدانهم انعكس سلبا على الحركة الدرامية في البلاد، وبعد ان كان مثل الشباب الاعلى وحلم كل فتاة هو شخصا مثل صلاح الدين الايوبي او المعتمد بن عباد او ابو صالح بالتغريبة الفلسطينية، بات حلم الفتيات مهرب اسلحة او شخصا يقوم بتبيض العملة، وبعد ان كانت المسلسلات السورية تناقش قضايا المجتمع المهمة والحساسة من فساد اداري واجتماعي وانساني بتنا نشاهدها الان تناقش القضايا الجنسية وتهتم بها اكثر من الامور الاجتماعية الاكثر اهمية من الخيانة الزوجية. واجتاحت مسلسلات الازمة والتي تصور الحرب السورية الدراما بشكل رهيب وجميعها كانت دون المستوى لانها لم تصورها بالطريقة الصحيحة. وبتنا نشاهد ايضا اعمالا في البيئة الدمشقية لا تساوي ثمن الحبر التي كتبت به. اضافة الى اعمال تتحدث عن مدينة حلب والحرب التي جرت بها كانت كارثية حيث انها لم تخرج عن الصورة النمطية للمواطن الحلبي الا وهي انه تاجر يمتلك المال فقط. اضافة الى الفقر في اللهجة الحلبية التي لم يجدها احد من الممثلين غير عدد قليل منهم لانهم من اصل حلبي.

الضعف في الدراما السورية يعود بطبيعة الحال الى الضعف في المسرح ايضا، حيث ان من يشاهد نجوم الصف الاول في سوريا قبل 8 اعوام يرى ان جميعهم قدموا اعمالا مسرحية مهمة لكن الان لم نشاهد اي عمل قد يرقى لتلك الاعمال في المسرح، وكان هم الطالب في المعهد العالي للفنون المسرحية تقديم اعمال تليق بالخشبة التي يقف عليها، اما الان فهم الطالب هو ان يذهب الى الدراما التلفزيونية لكي ينشهر ليس اكثر. ومن اسباب ضعف الدراما هو شركات الانتاج ومن يملكها من اصحاب افكار "الطبل والزمر" وهو ما جعلها تهبط بشكل كبير. الدراما السورية فقدت موقعها ومركزها امام منافستها المصرية، وهناك سؤال مهم هل يمكن ان تعود لما كانت عليه؟.

قد اكون ظالما او قاسيا في كلامي عن الدراما ولكن ان لم نكن نملك الجرأة لمثل هذه الصراحة لن نعود لننهض بدراما جعلت من سوريا قبلة للفن والفنانين العرب والغربيين.