هكذا أسكت «بن سلمان» المحافظين في السعودية

بالعربي: قالت صحيفة "واشنطن بوست" ان المحافظين في السعودية يعانون من خسارة النفوذ الذي كانوا يتمتعون به في السابق في البلاد.

وبعد أن كانوا قوة نافذة علنية لفترة طويلة، يهمس هؤلاء المحافظون الآن في وسائل التواصل الاجتماعي، مثل تويتر، وفي المساجد وفي التجمعات المجتمعية، ينتقدون على مضض التغييرات الأخيرة التي يعارضونها بشدة، مثل تخفيف الحدود الاجتماعية بين الرجال والنساء بحسب ما جاء في موقع "الخليج الجديد".

وشملت تعهدات ولي العهد السعودي الشاب «محمد بن سلمان»، مهندس حملة التغيير وتحديث البلاد، الحد من نفوذ المحافظين المعروفين باسم السلفيين.

الترغيب والترهيب

ويقول المحللون إن طموح الأمير وضعه في صراع مع شبكة سلفية قوية تشكل أكبر قوة سياسية متماسكة خارج نطاق الأسرة الحاكمة السعودية. وللحفاظ على هدوء موقفه، استخدم «بن سلمان» كلا من الترغيب والترهيب.

وسجن رجال الدين السلفيين المشهورين باستقلالهم. لكنه قرب إليه آخرين، بما في ذلك رجال الدين الذين عارضوا حقوقا أكبر للنساء، وتبنوا وجهات نظر متشددة أخرى.

وقال رجل يبلغ من العمر 50 عاما من العاصمة الرياض، يعتبر نفسه سلفيا: «لا نعرف ما يحدث حقا».

وبعد حديثه مؤخرا عن تجمع سعودي من ذوي التفكير المتشابه في منزل أحد أقاربه، أعرب عن قلقه من أنه هو وزملاؤه من السلفيين قد حكم عليهم بأن يصبحوا محاصرين من مجتمع متساهل، بسبب آرائهم الصارمة، قائلا: «يبدو أننا سنصبح غرباء».

ويتبع السلفيون ممارسات دينية متشددة، ويدعمون فرضا صارما للشريعة الإسلامية. ومن بين هؤلاء المحافظين الذين يركزون على الوعظ، هناك الإسلاميين الذين يدعون إلى الحريات السياسية، والأقلية الصغيرة التي تدعو إلى العنف ضد أولئك الذين يعتبرونهم ملحدين.

ودفعت عملية التوازن التي يخوضها ولي العهد الجدل حول ما إذا كان «بن سلمان» مهتما أكثر بإيجاد دولة متسامحة، أم بتوطيد سلطته من خلال تحييد المنافسين المحتملين.

ويقول مؤيدوه إن ولي العهد أثبت التزامه بتخفيف الأيديولوجية السعودية عن طريق الحد من نفوذ الشرطة الدينية، التي فرضت القوانين الأخلاقية مثل الفصل بين الجنسين، وأحيانا عن طريق ضرب المخالفين بالعصي. كما قام أيضا بإصلاح رابطة العالم الإسلامي، وهي مؤسسة تعمل كمظلة للجمعيات الخيرية السعودية التي تأسست في الستينات من القرن الماضي، واستخدمها السعوديون في نشر أيديولوجيتهم الصارمة حول العالم.

وكتب «سعود السرحان»، الأمين العام لمركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية، في مقالته الأخيرة: «هذه المرة، لا توجد طريقة للعودة إلى الماضي. فهناك رغبة واضحة لكسر كل أنواع الإسلام السياسي، سواء من قبل القادة أو من قبل الجماهير». ويترأس المركز أحد أفراد العائلة المالكة، وهو الأمير «تركي بن ​​فيصل آل سعود».

استهداف المعتدلين

لكن هناك منتقدين يقولون إن هناك دلائل على أن «بن سلمان» يستوعب المتشددين، مشيرين إلى إلقاء القبض مؤخرا على بعض أبرز المدافعات عن حقوق المرأة في السعودية.

وقال «عبدالله العودة»، الذي تم اعتقال والده «سلمان العودة»، وهو رجل دين شعبي ومدافع عن الإصلاحات السياسية، منذ سبتمبر/أيلول: «إنهم يستهدفون المسلمين المعتدلين، ويبقون المتطرفين مقربين منهم».

وأشار «العوضي»، وهو زميل الدراسات العليا في كلية الحقوق بجامعة «ييل»، إلى أن الحكومة السعودية لجأت إلى «العودة» بعد الهجمات الإرهابية في 11 سبتمبر/أيلول 2001، للمساعدة في مكافحة التطرف، أي أنها اختارت رجل دين يتمتع بسمعة مستقلة ليضيف شرعية للمواجهة.

وفي عهد «بن سلمان»، تحاول السلطات السعودية «تحقيق توازن بين الليبراليين والمحافظين، كما فعلت دائما»، بحسب ما يقوله «ستيفان لاكروا»، أستاذ العلوم السياسية في جامعة العلوم في باريس.

ولكن الآن، فإن الأساليب «أكثر وحشية» مما كانت عليه في ظل الحكام السعوديين السابقين، وهذا ما أسماه «توازن الخوف»، على حد قوله.

وقال العديد من السلفيين إنهم يعتقدون أن الاعتقالات، في سبتمبر/أيلول الماضي، كانت تهدف إلى إرسال رسالة مفادها أن تغييرات «بن سلمان» ليست مفتوحة للنقاش أو النقد.

وقال السلفي، البالغ من العمر 50 عاماً في الرياض: «لقد صنعوا منهم عبرة للآخرين. ولهذا لا نتحدث كثيرا».

وتحدث الرجل وعدد من السلفيين الآخرين، الذين تم إجراء مقابلات معهم في هذا التقرير، بشرط عدم الكشف عن هوياتهم، لأنهم خافوا من أن تعتقلهم السلطات أو تنتقم منهم.

رد الفعل على التغيير

وتحدث الرجل في إحدى الأمسيات في منزل أحد أقاربه، في حي سكني بالعاصمة، حيث تجمع نحو 10 من السلفيين، مع تقديم جولات من الشاي والحلويات.

وقال الرجل: «نحن لا نأخذ معتقداتنا من الحكومة»، مشيرا إلى أن تجمعات كهذه، حيث يناقش السلفيون دينهم، هي التي مثلت بؤر الفكر السعودي. وأضاف أن على الدولة التركيز على أشياء أخرى، مثل الاقتصاد.

وأوصى قريبه، وهو محافظ يبلغ من العمر 42 عاما، بأن يقرأ القادة السعوديون التاريخ، «تاريخ البلدان التي سقطت بسبب التخلي عن الدين،. فما يجعلنا أغنياء وأقوياء ليس النفط أو الذهب».

وتختلف تقديرات عدد السلفيين في المملكة بشكل كبير، من 100 ألف إلى مليون أو أكثر. وقال البعض، مثل «علي زيد»، وهو رجل أعمال في الدمام، إنهم لم يشعروا بالانزعاج بشكل خاص من التغييرات، مثل افتتاح دور السينما أو تنظيم الحفلات الموسيقية.

لكن العديد من الآخرين الذين عرفهم كانوا «متدينين للغاية، وليسوا سعداء على الإطلاق»، على حد قوله. وهم يعتقدون أنهم قادرون على مواجهة هذه التغييرات. وفي بعض الأحيان ينجحون، وأحيانا لا.

واشتكى أحد السلفيين، البالغ من العمر 42 عاما، الذي يعمل في مسجد بالمنطقة الشرقية في تغسيل الجثث، من الاحتفالات العامة حيث رأى الرجال والنساء يختلطون، إضافة إلى عدد متزايد من النساء اللواتي لا يغطين شعورهن.

وحاول البعض تبادل شكاواهم مع شخصيات مؤثرة كانت تجلس في مجلس كبار العلماء المسلمين، بما في ذلك الشيخ «سعد ناصر الشثري»، الذي عارض في الماضي الاختلاط بين الجنسين في أول جامعة مختلطة في البلاد.

لكن لم يكن أحد متأكدا من مكانة رجال الدين  هذه الأيام، مع إجراءات «بن سلمان».

وقال «زيد»، وهو يتحدث في مقهى مزدحم في المنطقة الشرقية: «أعتقد أنه لا يوجد سبيل للمحافظين لفعل أي شيء سوى قبول الواقع، فكل يوم هناك تغييرات».

إعادة تأطير التطرف

وفي بعض الأحيان، بدت الحكومة حذرة من مواجهة المحافظين بقوة شديدة. وفي أبريل/نيسان، على سبيل المثال، اعتذر المسؤولون عن لقطات تم بثها في مناسبة لرياضة المصارعة في الرياض، والتي صورت نساء يرتدين ملابس ضيقة. وربما كان اعتقال ما لا يقل عن 17 ناشطا وناشطة في الأسابيع الأخيرة، بما في ذلك المدافعون الرياديون عن حقوق المرأة، استرضاءً لحلفاء ولي العهد المحافظين.

ويلتزم «بن سلمان» برواية جديدة تتجنب الأسئلة الصعبة حول التطور الأصلي للأيديولوجية الدينية الصارمة للمملكة. وبدلا من ذلك، يضع ولي العهد اللوم في مشكلة الفكر المتطرف على القوى الخارجية. وفي حين أن هذا التفسير «غير دقيق تاريخيا إلى حد كبير»، كما قال «لاكروا»، بيد أنه سمح لولي العهد باستقطاب رجال دين في مشروعه لإنشاء مؤسسة سنية أكثر طواعية لقيادة الدولة.

واقترن هذا الجهد بمحاولات التواصل بين الأديان من قبل الزعماء السعوديين في الأشهر القليلة الماضية، مع المسيحيين واليهود.

وقبل بضعة أعوام فقط، في مؤتمر مكافحة الإرهاب الذي استضافته الحكومة السعودية ورابطة العالم الإسلامي، لم يتم بالكاد طرح موضوع «التطرف السني». لكن في مقابلة حديثة، كان رئيس الرابطة «محمد عبد الكريم العيسى» واضحا، قائلا إن مواجهة المتطرفين السنة من تنظيم داعش والقاعدة هي الأولوية.

الخطاب السطحي

وفي قضية «العودة»، يبدو أن السبب الظاهري لاعتقاله هو أنه رفض التغريد دعما للمقاطعة السعودية التي تقودها المملكة ضد قطر المجاورة خلال الخلاف بين البلدين.

لكن السلطات السعودية كانت لديها أسباب أكثر إلحاحا لإبعاد «العودة» عن الأنظار، ألا وهي شعبيته ودوره الرائد في حركة «الصحوة»، التي تدمج الدعوة الدينية بالأنشطة السياسية، وهو نوع من النشاط الذي يجد الحكام السعوديون فيه تهديدا لهم.

وكان «العودة» قد تم اعتقاله بسبب نشاطه السياسي من قبل، لكن منذ إطلاق سراحه عام 1999، كان مفيدا للحكومة السعودية، كناقد للتيارات الأكثر تطرفا.

وقالت «مضاوي الرشيد»، الباحثة السعودية في كلية لندن للاقتصاد، في كتابها عن صراع السياسة في السعودية: «في استعراض إعلامي بعد 11 سبتمبر/أيلول، شجب العودة الجهاديين، وأظهر سوء فهمهم للنصوص الإسلامية حول الجهاد الشرعي».

وأضافت أنه بعد ثورات الربيع العربي التي بدأت أواخر عام 2010، قدم «العودة» دعمه للمظاهرات السلمية، كونها «الطريق الثالث بين الموقفين الدينيين»، بين تطرف المسلحين وخضوع رجال الدين التقليديين.

وقال نجل «العودة» إن اعتقال والده يكذب الحديث الحالي عن الإصلاح في السعودية. وقال إن «الإصلاحات الحقيقية، مثل الإصلاحات السياسية، والانتخابات، وحرية التعبير، وحرية التجمع، تشكل تهديدا حقيقيا للخطاب السطحي الذي تقدمه الدولة».

وأشار إلى عمل والده ومعاصريه، قائلا: «إذا كنت تتحدث عن محاربة التطرف، فإنهم كانوا يقودون حملة ضد التطرف لعقدين من الزمن».