الاجتياح "الإسرائيلي" للبنان.. صمود لبناني ـ سوري في زمن العزلة

بالعربي: في 6 حزيران/ يونيو من العام 1982 انطلقت جحافل الغزو "الإسرائيلي" لاحتلال الجنوب اللبناني للمرة الثانية رسمياً. فالجنوب لم ينفك يتعرض لغزوات وغارات منذ العام 1948. انطلق الاجتياح تحت عملية "سلامة الجليل"، كان يُظن أنه سيكون "نزهة"، وادعى "الإسرائيلي" في بعض الكتابات، أن اجتياح الجنوب لبيروت مر دون حوادث تذكر، وأنه لم يتعرض للمقاومة قبل الوصول إلى بيروت.

غير أن علي بيضون في “كتابه بيروت، ناس ومقاومة” يروي غير ذلك، فيذكر أن قلعة الشقيف ومنذ اليوم الثاني في 7/6/ 1982 شهدت مقاومة ضارية ضد العدو الصهيوني وأن القتال دار وجها لوجه. وأن المقاومة، التي انطلقت في خلدة كان أحد نتائجها قتل جنرال "اسرائيلي"، وحتى أن إيهودا باراك أصيب إصابات حادة أثناء الاجتياح.

يكتب جمال واكيم في كتابه “صراع القوى الكبرى على سوريا” إن "الإسرائيليين" كانوا قلقين من الأوضاع في قطاعي غزة والضفة الغربية المحتلين، ويبدو أنه كانت تلوح في الأفق بوادر اندلاع انتفاضة فلسطينية؛ ولذلك فقد رأى الكيان "الاسرائيلي" أن السبيل الوحيد لتفادي ذلك هو في توجيه ضربة إلى القيادة الفلسطينية في لبنان ومنع استمرار إطلاق القذائف من قبل منظمة التحرير الفلسطينية باتجاه شمال الكيان. وأما الهدف الثاني الذي كشف خلال الاجتياح، فهو دعم حليفه في لبنان بشير الجميل للوصول إلى السلطة حتى يتمكن من توقيع معاهدة سلام مع “تل أبيب” دون انتظار سوريا. وعليه فإن الخطة تقضي بإضعاف سوريا وسحب نفوذها من لبنان وفقدان سيطرتها على منظمة التحرير الفلسطينية.

الهدف الثالث، هو كسب كل الأوراق في رزمة شرق أوسطية واحدة، وهي: وضع حلفاء الكيان في سدة الحكم في لبنان ـ آنذاك ـ واخراج المقاومة الفلسطينية من لبنان إلى الأردن، بحيث تنهار المملكة الأردنية وتقوم الدولة الفلسطينية في شرق الأردن، في حين يستمر كيان العدو بالسيطرة على غربي الأردن، هذا بالإضافة إلى أسباب سياسية داخلية تتعلق بطموح كل من آرييل شارون وتلميذه إيهودا باراك من الوصول لمناصب سياسية.

وكي تتحقق رزمة المكاسب التي ستتأتى من الاجتياح، وهو ما كشفت عنه وسائل الإعلام لاحقاً، ومنها “هآرتس”، من خلال “وثيقة أورانيم” التي رسمت عملية “سلامة الجليل” وأهدافها الموضوعة، بأنه يجب هزيمة الجيش السوري وبسرعة حتى ينهار، وعندئذ يمكن فرض وقف اطلاق الصواريخ على فلسطين، والسيطرة على طريق دمشق ـ بيروت. وسيمكن هذا الإنجاز كيان العدو من: تثبيت الوعي لدى كل الجهات في لبنان بالتفوق "الإسرائيلي" في استخدام القوة على السوريين.

كما رأى الأميركيون أن سوريا باتت من الضعف بحيث أنها ستقبل بالشروط الأميركية، خصوصاً وأنها تعاني عزلة دولية. وحتى أن الإتحاد السوفياتي (يومها) كان قد اتخذ القرار بعدم التدخل في الشرق الأوسط. ورفضت أميركا عرضاً سورياً بالخروج من لبنان مقابل الخروج الكامل "للإسرائيلي" منه. ورفضت سوريا القبول بالتهديد الأميركي بالخروج من لبنان والذي حمله آنذاك فيليب حبيب، المبعوث الأميريكي للشرق الأوسط، بناء على إنذار من الكيان "الاسرائيلي".

وما إن أتى اليوم الثالث حتى بدأ كيان الاحتلال خطته بالهجوم، فوصلت قوات الاحتلال إلى الباروك ـ الرادار السوري في عملية استبسل فيها الطيران السوري مع أنه فقد 10 طائرات ميغ. قدم السوريون في ذلك اليوم عددا كبيرا من الشهداء ودمرت مدفعيتهم، فسحبت سوريا جيشها لحماية طريق دمشق ـ بيروت، وأبقت اللواء 85 يقاتل إلى جانب القوات اللبنانية والفلسطينية المشتركة في بيروت.

سرّع كيان العدو من وتيرة القتال ظنًّا منها، أنه بذلك يمكنها أن تحقق هزيمة سريعة للجيش السوري، وذلك بحسب “وثيقة أورانيم” التي وضعتها حكومة بيغن والتي رسمت خطة وأهداف الحرب على لبنان في العام 1982، والتي وضعت توصيتها بوجوب العمل ضد السوريين بطريقة الحرب الخاطفة، كما حصل في العام 1967. وعليه كان الهدف هو توفير قوة برية "اسرائيلية" كافية لإلحاق الهزيمة بالسوريين خلال 72 ساعة. بحيث يكون الإنجاز الفوري خلال الـ 24 ساعة الأولى بتدمير منظومة صواريخ أرض ـ جو في الجولان بكاملها، والسيطرة على محور دمشق ـ بيروت. وتعتمد الوثيقة في ذلك اعتماداً كلياً على حالة العزل الدولية التي فرضت على سوريا، اذ كان يعتقد "الإسرائيلي" أن النجاح في هزيمة السوريين خلال وقت قصير وبأقل الخسائر سيجعل قضية فلسطين هامشية في أهميتها. لأن إطالة أمد الحرب قد يوقف الجبهة الشرقية المشتعلة بين العراق وإيران، ويؤدي إلى وقف مصر لمعاهدات السلام. وما صرح عنه "الإسرائيلي"، هو توجسه من توجه العراق للقتال إلى جانب سوريا.

غير أنه بعد انتخاب الرئيس الأميريكي رونالد ريغان صعدت إدارته الصراع مع السوفيات وذلك بعد أن استلم الرئيس السوفياتي يوري أندروبوف السلطة. في تلك الفترة كانت قد وقعت سوريا اتفاقية صداقة مع الإتحاد السوفياتي، وقام الإتحاد السوفياتي بإعادة تسليح الجيش السوري. واتخذ أندروبوف القرار بإعادة الوقوف بوجه الولايات المتحدة في الصراع في الشرق الأوسط. وتمكنت المقاومة اللبنانية وجيش التحرير الفلسطيني والقوات السورية الذين قاتلوا جنباً إلى جنب من إطالة أمد الحرب لمدة ستة أشهر. وأدى القتال الباسل في “السلطان يعقوب” إلى هزيمة "الإسرائيليين" وتراجعهم، وبالتالي فقد مقدرتهم على تحقيق الأهداف المرجوة من الاجتياح. اذ لم يستطع "الإسرائيلي" أن يوقع اتفاقية السلام المرجوة مع لبنان، ولم يستطع أن يحقق أهدافه في هزيمة السوريين وإخراجهم من لبنان.

صحيح أن خروج المقاومة الفلسطينية من لبنان أوقف العمليات الفدائية من الأراضي اللبنانية إلا أن احتلال الجنوب، أعاد تشكيل المقاومات الوطنية والإسلامية التي أرهقت "الإسرائيلي" في قتال دام لمدة ثمانية عشر عاماً دفع فيه العدو الصهوني ثمناً باهظاً، وخرج منكسراً من جنوب لبنان.

أهداف الحرب على لبنان عام 1982، في نظرة للواقع الحالي، لا تختلف عن أهداف الحرب على سوريا والتي ابتدأت فعلياً منذ انتصار العام 2000. الهدف من ورائها إخراج سوريا من لبنان وتم ذلك في العام 2005، ومن ثم ضرب المقاومة وإضعافها في لبنان وإقامة نظام يوقع اتفاقية السلام مع كيان الاحتلال بشكل منعزل. اذ إن الهدف الحقيقي وراء كل ما يحدث في المنطقة، ومنها العداء الأميركي ـ الصهيوني لإيران وسوريا والمقاومة في لبنان ومحاولة فرض عزل دولي جديد على المحور المقاوم، هو من أجل إنهاء المقاومة في فلسطين، والقضية الفلسطينية، وإنهاء وسائل دعمها من الخارج والداخل، وهو حلم "اسرائيلي" ـ أميركي لن يتحقق.

المصدر: العهد