"اسرائيل" تروّج الصفقة

بالعربي: رغم كل الضجيج الدولي والاقليمي حول مستجدّات الساحة السوريّة، وتهديد الأميركيين بتدخل عسكري لمنع دمشق من حسم ملف المنطقة الجنوبية لضمّها الى سلطة الدولة، كما حصل في ​ريف دمشق​، لكن الهدف الأميركي الحقيقي هو تنفيذ خطة الرئيس الأميركي ​دونالد ترامب​، بخصوص "​اسرائيل​". يريد ترامب ان يقدّم لتل أبيب ما عجز عن تنفيذه كل الرؤساء الأميركيين السابقين. لا تُخفي الادارة الأميركية سعيها لإبعاد ​إيران​ عن ​سوريا​، لمنع طهران من تهديد تل أبيب. هنا تبدأ المعادلة الترامبية. لكن العمل الجدي يخوضه الأميركيون على الأراضي الفلسطينية، لتحقيق إنقسام أبدي بين ​قطاع غزة​ وبين ​الضفة الغربية​.

المفاوضون الغربيون يلمسون رغبة عند "حماس"، لوقف نار دائم، "من خلال اشارات تطلقها حماس، وتجلّت بتظاهرات العودة خلال الشهرين الأخيرين". هذا ما يركّز عليه الإعلام ال​عبري في معالجته للقضية الفلسطينية، حتى أن صحيفة "معاريف" العبرية ذهبت الى حد الحديث عن سعي قطري للعب دور تنفيذ الصفقة بخصوص المشروع الأميركي: منذ زمن بعيد والقطريون يسعون للتقرّب من "اسرائيل"، على أمل أن يؤدي هذا الى اعادة بناء علاقاتهم مع واشنطن، القاهرة والرياض. ووفرت مظاهرات الاسبوع الماضي لهم الفرصة لاثبات بانهم يعرفون كيف يعملوا ايضا. فقد توسطوا في مفاوضات سريعة في نهايتها طوت حماس دفعة واحدة خيام التظاهرات والغت الذروة التي خططتها ليوم النكبة.

لم يقتصر الأمر على دور قطري، بل وجد "الإسرائيليون" دوراً مصرياً: المصريون، الذين عملوا لفترة طويلة على خلق شرخ بين حماس في غزة وداعش في سيناء، يرون مؤخرا بركة في عملهم. فهذا يسمح لهم للنظر الى حماس في غزة اقل بقليل، واليوم هم ايضا مستعدون للمساهمة في نصيبهم لمساعدة القطاع.

يرتكز "الإسرائيليون" في قراءاتهم على الاتصالات المكثّفة التي دارت في المنطقة، برعاية أميركية، تقوم على اساس صفقة فصل القطاع عن الضفة، لتحقيق المشروع الترامبي. ومن هنا جاء التجاوب في تل أبيب مع دعوات القيادة العسكرية بخطورة أزمة غزه. ففي الاتصالات التي دارت الاسبوع الماضي تراجعت "اسرائيل" عن طلب تجريد القطاع كشرط لكل توافق، وعن مطلب إعادة السيطرة في غزة الى السلطة الفلسطينية. إقتنعت تل أبيب بضرورة الفصل بين غزة والضفة، وعدم وجود مصلحة في تعزيز الربط بينهما. لذلك جاءت المطالب "الاسرائيلية": فرض هدوء مطلق من القطاع –وقف نار الصواريخ من كل المنظمات، وقف حفر الانفاق، اعادة مفعول المجال الامني– المنطقة النظيفة غربي الجدار، وحل مسألة الاسرى والمفقودين في القطاع. بالنسبة الى "اسرائيل"، هذا ليس سلاما، ليس اعترافا وليس تسوية. هذا وقف للنار يخدم الطرفين. ولكن اذا تحقق، سيكون فيه اعتراف "اسرائيلي" بحكم الامر الواقع بالكيان المنفصل الذي نشأ في غزة. تكمن أهميته بالنسبة الى "الاسرائيليين" والأميركيين بتحقيق الفصل بين القطاع والضفة، وحصول التفكك الدائم بينهما.

بالنسبة الى الداعمين لتلك الفكرة، فهم يعتبرون أن "إسرائيل" يجب أن تضمن هدوء الجبهة الجنوبية، مقابل التفرغ لمواجهة ايران على الحدود الشمالية، في سوريا تحديدا. تستفيد تل أبيب الآن من ضغوط أميركية هائلة على الإيرانيين، بعد سحب واشنطن يدها من ​الاتفاق النووي​، والاستعداد الأميركي الدائم للتدخل العسكري، وهو ما نفذته واشنطن بضربات طالت مواقع عسكرية على الاراضي السورية.

أمام تلك الوقائع، تُصبح الأولوية الدولية لحسم أمن المنطقة هي ضمان الآمان الدائم لـ"اسرائيل". لم تعد هناك مشكلة في سوريا بالنسبة الى الغرب، سوى إبعاد إيران عن دمشق، وتحقيق "سلام" فلسطيني-"إسرائيلي"، وفق خطة ترامب، يقوم على اساس: فصل الضفة عن غزه، منع ايران من التواجد على حدود "الاسرائيليين"، خصوصا في الجانب السوري، تجريد المنطقة الجنوبية السورية من السلاح والتواجد العسكري السوري، بإستثتاء الشرطة. كله محور بحث غربي-عربي جدي. فلننتظر الردود عليه: سياسة او مزيدا من الحروب؟.