نزوح "إسرائيل" الجديد.. اليهود يغادرون!

بالعربي: “المزيد من "الإسرائيليين" تخلو عن الحلم "الإسرائيلي"، واتجهوا إلى الولايات المتحدة وأوروبا، وفضلوا البقاء في أماكنهم الجديدة، لأسباب ليس لها علاقة بتهديدات إيران النووية، أو الاحتجاجات الفلسطينية المتزايدة”، هذا ما ذكرته الكاتبة الأمريكية، صاحبة العديد من الجوائز الصحافية، ياردينا شوارتز.

وقد نشرت شوراتز مقالتها في مجلة “نيوزك ويك” الأمريكية، وقالت فيها إن “عدد المهاجرين "الإسرائيليين" إلى الولايات المتحدة تخطى المليون مهاجر، وإذا لم تغير "إسرائيل" مسارها، فمن المؤكد أن المزيد سينضمون إليهم”.

برغم استعدادات "إسرائيل" للاحتفال بـ”عيد ميلادها” السبعين في شهر مايو/أيار، بالتزامن مع افتتاح السفارة الأمريكية في القدس، إلا أن البلاد تصارع أزمة وجودية – أزمة لا تنطوي على أسلحة نووية إيرانية أو احتجاجات فلسطينية. وبسبب ارتفاع تكاليف المعيشة وتدني الأجور، فضلًا عن الاتجاهات السياسية والديمغرافية، يغادر "الإسرائيليون" البلاد بأعداد كبيرة، في محاولة لبناء حياتهم في مكان آخر.

الغالبية من هؤلاء الشباب انتقلوا إلى المدن الأمريكية الكبرى، حيث الغلاء في كل شيء، ومع ذلك، هم يرون أن فرص التقدم فيها أكبر بكثير مما وفرت لهم "إسرائيل".

جميع البيانات المتوفرة تشير إلى استمرارية هذا الاتجاه في صفوف "الإسرائيليين"، فضلًا عن تأكيدات الخبراء والمحللين. ووفقًا لأحدث البيانات الصادرة عن وزارة الأمن الداخلي الأمريكية، فإن أكثر من 87,000 مواطن "إسرائيلي" انتقلوا للعيش بصورة قانونية دائمة في الأراضي الأمريكية خلال الأعوام 2006 – 2016، بعد أن أصبحوا مواطنين أمريكيين. هذا العدد ارتفع بقدر 66,000 مواطن مقارنة بالأعوام 1995 – 2005.

هذه الأرقام تشمل فقط أولئك الذين سلكوا الطرق القانونية في عملية الهجرة، ولا تشمل غيرهم الذين فضلوا اتخاذ طرق هجرة مختلفة. يقول المحللون إن العديد من "الإسرائيليين" يصلون إلى الولايات المتحدة بتأشيرات سياحية، أو تعليمية، أو عمل، ثم يقيمون بشكل دائم في الأراضي الأمريكية، دون أن يجري تسجيلهم كمهاجرين. ووفقًا لإحصائيات "إسرائيلية" رسمية، هاجر مئات الآلاف من المواطنين إلى أوروبا وكندا وأماكن أخرى.

هجرة الأدمغة في البلاد ليست جديدة، فالعديد من العلماء الموهوبين والباحثين "الإسرائيليين" انتقلوا للعيش في الولايات المتحدة، حيث الرواتب أعلى بكثير، والمزيد من فرص العمل في الجامعات الأمريكية المرموقة، وقد أدركت حكومة الاحتلال هذا الأمر لسنوات. ووفقًا لأحد التقارير التي كتبها الاقتصادي "الإسرائيلي" في جامعة تل أبيب، دان بن ديفيد، فإن نسبة هجرة الباحثين "الإسرائيليين" إلى الخارج هي الأعلى في العالم الغربي. لكن في الآونة الأخيرة، اتسعت الهجرة لتشمل الشباب العاديين، الذين يرون أن لا مستقبل لهم في "إسرائيل".

وبالرغم من وجود شركات تكنولوجية في هذا البلد، إلا أن "الإسرائيلي" العادي لديه ارتباط قليل بهذا المجال المزدهر. ووفقًا للبيانات الحكومية، فإن 8% فقط من "الإسرائيليين" يعملون في مجال التكنولوجيا العالية، التي تدفع رواتب تصل قيمتها إلى سبعة أضعاف متوسط الراتب في البلاد.

تعدّ "إسرائيل" واحدة من أعلى معدلات الفقر، وعدم المساواة في مستويات الدخل، على مستوى العالم الغربي. وفي الوقت ذاته، هي واحدة من أعلى تكاليف المعيشة على مستوى العالم. تحتل تل أبيب المرتبة التاسعة على مستوى العالم من ناحية غلاء المعيشة وارتفاع الأسعار، وهي أعلى من نيويورك ولوس آنجلوس، بينما احتلت المرتبة الرابعة والثلاثين قبل خمس سنوات فقط.

الوضع في "إسرائيل" مروع للغاية، وقد وجدت دراسة استقصائية، أجرتها مجلة كالكاليست المالية عام 2013، أن 87% من البالغين -الذين يمتلكون أطفالًا– يعتمدون على آبائهم بشكل رئيس في الحصول على الدعم المالي. وقد انتقلت هذه الضغوط في صيف 2011 إلى الشوارع "الإسرائيلية"، حيث قضى نصف مليون شاب "إسرائيلي" شهورًا في الشوارع احتجاجًا على ارتفاع تكاليف المعيشة، فضلًا عن تدهور الأنظمة الصحية والتعليمية.

ومنذ ذلك الحين، استثمر القادة "الإسرائيليون" مئات الملايين من الدولارات في جهود حثيثة نحو استعادة مواطنيها من الخارج إلى الداخل، إلا أن الخبراء يؤكدون فشل تلك الجهود. في عام 2011، أطلقت حكومة الاحتلال برنامج I-CORE بقيمة 360 مليون دولار لتشجيع الباحثين على العودة إلى البلاد، إلا أن النتائج كانت محبطة جدًا، لدرجة أن البرنامج انتهى خلال ثلاث سنوات دون تحقيق نتائج تذكر.

وقال المستشار في الجامعة العبرية في القدس، باراك ميدينا، إن نسبة "الإسرائيليين" الذين يعودون للوطن بعد سفرهم للخارج لدراسة برامج الدكتوراه، لا تتجاوز الـ20%، وذلك بسبب تدني الرواتب وارتفاع تكاليف المعيشة في "إسرائيل". وأضاف “ميدينا” أن عددًا صغيرًا من الأكاديميين الجامعيين عادوا إلى "إسرائيل" في إطار برنامج I-CORE الحكومي، إلا أنهم سرعان ما عادوا للعيش في الولايات المتحدة. ووفقًا له، “هنالك فجوة بين ما كانوا يتوقعون الحصول عليه هنا، وما حصلوا عليه في الواقع”.

وفي عام 2013، أطلقت حكومة الاحتلال “برنامج كسب الأدمغة” لتحديد الموهوبين "الإسرائيليين" الذين يعيشون في الخارج، بهدف استعادتهم إلى البلاد. قالت رئيسة قسم التحديات المجتمعية في هيئة الابتكار التابعة "لإسرائيل"، المشرفة على البرنامج، ناعومي كريغر كارمي، إن “حكومة الاحتلال اضطرت إلى إيقاف البرنامج بعد تسع شهور فقط، بسبب عدم الإقبال عليه، وعدم رغبة المهاجرين في العودة إلى إسرائيل”. وقال رجل الاقتصاد "الإسرائيلي" بن دافيد “إن الجهود الحكومية الرامية لإرجاع الأكاديميين إلى البلاد لا تتجاوز نقطة في بحر، فنحن بحاجة إلى إصلاح البلد بأكمله”.

لقد أجرينا مقابلات مع عدد من ا"لإسرائيليين" المهاجرين إلى الولايات المتحدة، وطلبوا منا عدم الكشف عن أسمائهم، وقالوا لنا “إننا نحب "إسرائيل"، لكننا لا نستطيع بناء حياة أو مستقبل فيها، بسبب السياسات الحكومية الداخلية، ومن المؤسف أن الجيل "الإسرائيلي" الحالي لا يجد خيارًا سوى البحث عن طرق للهروب من البلاد”.

من الأسباب الأخرى التي تدفع "الإسرائيليين" إلى الرحيل هو ما يرونه “ابتعاد البلاد عن أصولها الديمقراطية اليهودية العلمانية”. أصبحت "إسرائيل" موطنًا لعدد متنام من اليهود المتدينين، وهو تغيير ينعكس على كل جانب من جوانب المجتمع "الإسرائيلي"، من السياسة إلى نظام التعلم الوطني، حيث تأخذ الدراسات الدينية حصة أكبر من اليوم المدرسي. قال لنا الكثير من "الإسرائيليين" الذين يخططون للرحيل “نرغب بأن تبقى "إسرائيل" ديمقراطية ثم يهودية، وليست يهودية ثم ديمقراطية”.

ووفقًا لبيانات جمعتها منظمة “شورش”، فإن نصف الأطفال في "إسرائيل" يحصلون على تعليم فقير جدًا مثل مستوى دول العالم الثالث، وفي المقابل، العديد من الأرثوذكس المتطرفين، أو الحريديم، لا يدفعون ضرائب، تحت ذريعة تكريس الحياة للدراسات الدينية التي ترعاها الدولة. والنتيجة، وفقًا لـ”بن دافيد”، “أصبحت "إسرائيل" بلدين: إسرائيل مثل الشركة الناشئة، و"إسرائيل" لا تحصل على الأدوات اللازمة للعيش في اقتصاد حديث”.

المصدر: مجلة “نيوز ويك” الأمريكية