"لن أكون أكشنار ما لم أقلب السماء على رؤوسكم".. كيف قُرأت دعوة أردوغان لانتخابات مبكرة؟

بالعربي: فاجأ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قوى المعارضة بدعوته إلى انتخابات رئاسية مُبكرة في 24 يونيو المقبل، تزامناً مع أزمة اقتصادية تعصف في البلاد، فيما أعربت السياسية البارزة ميرال أكشنار، المُلقبة بـ"المرأة الحديدية"، عن ثقتها بفوز حزبها في الانتخابات الرئاسية.

انتخابات يذهب محللون إلى أنها تعكس رغبة الرجل، الذي أمضى 15 عاماً في السلطة، في تكريس صلاحيات "سلطوية" في قبضته رسمياً بعد تعديله الدستور العام الماضي، والتي بموجبه تحولت تركيا من نظام برلماني إلى رئاسي، ما يعني عملياً اختفاء منصب رئيس الوزراء وتقليص سلطة البرلمان.

دعوة أردوغان جاءت بعد يوم من تمديد مجلس الأمن القومي التركي حالة الطوارىء في البلاد لـ 3 أشهر، بينما تظل التساؤلات سارية حول ما الذي قد تُسفر عنه الانتخابات، وهل تعد "ضربة قاضية" لصالحه، حسب ما رأى مؤيدوه، أم قد تتحول إلى مغامرة تطيح به.

هل ستتجاوز تركيا "حالة الغموض"؟

أرجع أردوغان (64 عاماً) دوافعه للإعلان عن إجراء انتخابات مبكّرة إلى ما وصفه بـ"حالة الغموض" التي تعيشها البلاد، موضحاً أنه يأتي "نتيجة للعمليات العسكرية التي نخوضها في سوريا والأحداث التاريخية التي تشهدها منطقتنا، حيث بات من الضروري لتركيا تجاوز حالة الغموض في أسرع وقت ممكن".

من جانبه، أكد حزب الشعب الجمهوري، المعارض العلماني الرئيسي، على ضرورة "رفع حالة الطوارئ على الفور، فلا يمكن إجراء انتخابات في ظل حكم الطوارئ".

وبموجب دعوة الرئيس الحالي إلى "وداع مرحلة الاضطراب السياسي"، ستجري الانتخابات الرئاسية قبل عام ونصف العام على موعدها الذي كان مقرراً في نوفمبر 2019. وفي حال فوزه بولاية جديدة لمدة خمس سنوت، سيتمكن أردوغان بذلك من دخول العقد الثالث من السلطة، بعدما شغل منصب رئيس الوزراء وبعدها الرئيس لمدة 15 عاماً.

وتعليقاً على الإعلان المفاجئ، عنونت صحيفة "يني شفق" المؤيدة للحكومة صفحتها الأولى بـ"ضربة قاضية"، في حين قالت صحيفة "الغارديان" البريطانية إن أردوغان "ديكتاتور في كل شيء عدا الاسم... ويسعى إلى السيطرة الكاملة"، مُضيفة أنه "واحد من مجموعة من القادة السياسيين الحاليين الذين يقدرون الاحترام الذي يمنحه لهم انتخاب ديموقراطي ظاهري، لكنهم لا يريدون المخاطرة بفقدان الأصوات في الواقع".

ولذلك اعتبرت الصحيفة أن "رئيس تركيا لا يختلف عن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والمصري عبد الفتاح السيسي، إذ يمكن تلخيص فكرتهم المشتركة عن الديموقراطية بالشعار: "أنت تصوّت، أنا أفوز".

أردوغان الأكثر حظاً رغم تراجع شعبيته

في وقت سابق وصفت الحكومة الحديث عن الانتخابات المبكرة بأنه "شائعات"، إلا أن اقتراح زعيم حزب "الحركة القومية" اليميني المعارض دولت بهجلي إجراء انتخابات رئاسية أصبح حقيقة، وخلالها سيخوض حزبا أرودغان وبهجلي تحت مظلة تحالف موحد.

وللفوز في الجولة الأولى من الانتخابات، سيحتاج أردوغان إلى الحصول على 51% من الأصوات، لكن استطلاعات للرأي وجدت أنه يحظى بتأييد 40% في استطلاعات الرأي الأخيرة.

وفي أبريل 2017، بالكاد نجح الرجل بنسبة ضئيلة في تمرير تعديلات دستورية لإنشاء نظام رئاسي جديد، حيث صوت ضدها في الاستفتاء نحو 49% من إجمالي الناخبين.

ربما لهذا يذهب مراقبون إلى أن مسارعته بعقد انتخابات مُبكرة يعود إلى تآكل في شعبيته، لا سيما مع تقليمه أظافر المعارضة وسجنه عشرات الآلاف من الأشخاص، ومثل عددهم أقال موظفين مدنيين وأكاديميين ومسؤولين في الجيش والشرطة والقضاء، بعد محاولة الانقلاب الفاشلة ضده التي قادها ضباط في الجيش في 15 يوليو 2016.

وقال موقع "أحوال" المعارض، إن الإعلان المفاجئ "مؤشر على سعي أردوغان لتعزيز هيمنته على السياسة والمجتمع في تركيا، قبل أن تسنح الفرصة للمعارضة للملمة صفوفها وإيقافه، أو قبل أن يودي به تعثر الاقتصاد"، معلقاً بالقول "أردوغان هو الرئيس بالفعل ولديه سلطات واسعة بالنظر لحالة الطوارئ المفروضة حالياً في البلاد... وإذا فاز بالانتخابات المبكرة، حينها ستكون سلطاته أشمل وأوسع، وبشكل رسمي".

حظوظ ميرال أكشنار

لم يطرح بعد حزب الشعب الجمهوري مرشحه للرئاسة، لكنه يتجه لاختياره خلال 15 يوماً، بينما تعتزم ميرال أكشنار خوض المنافسة مدعومة بحزبها "الخير" أو ("الحزب الجيّد" وفق ترجمة أخرى لـiyi بالتركية) الذي أطلقته في أكتوبر الماضي.

ويمكن أن يمنع التوقيت المبكر للانتخابات أكشنار من الترشح، حيث قد لا يعتبر حزبها الجديد قد اجتاز الأشهر الستة المطلوبة من مؤتمر الحزب الأول.

ورداً على عقبات محتملة تحول دون مشاركة "حزب الخير" في الانتخابات، قالت أكشنار مُخاطبة المجلس الأعلى للانتخابات "لا يوجد لدينا أي نقص لخوض غمار الانتخابات، ففي حال حاولتم وضع عقبات لن أكون أكشينار ما لم أقلب قمة السماء على رؤوسكم".

وكانت أكشنار من مؤسسي "حزب العدالة والتنمية" الحاكم، لكنها تركته بعدما رأت أنه مثل حزب "الرفاه" لرئيس الوزراء الإسلامي الأسبق نجم الدين أربكان، ثم انضمت إلى حزب "الحركة القومية" إلا أنه بسبب معارضتها لتحالف بهجلي مع أردوغان تم طردها من الحزب عام 2016.

وعملت أكشنار وزيرة للداخلية من 1996 إلى عام 1997 في عهد حكومة أربكان. وخلال خدمتها أظهرت صلابة في مواجهة ما تسميهم السلطات التركية بـ"الانفصاليين الأكراد"، وكذلك في مواجهة قادة الجيش الذي كان يتمتع بثقل سياسي أقوى بكثير مما هو عليه الآن، كما رفضت تدخل الجيش في السياسة ما كلفها منصبها الوزاري بعد تدخل الجيش في تغيير الحكومة آنذاك.

ويعتقد محللون أنها قد تصبح عقبة حقيقية أمام أردوغان، لكونها تنافسه على جزء من شريحة ناخبيه، وهم من المحافظين والمؤيدين لقطاع الأعمال والمتدينين والقوميين.

وساعد ظهورها كمعارضة قوية للاستفتاء على تغيير نظام الحكم على تسليط الضوء عليها حتى بين أعضاء في حزب أردوغان الرافضين للنظام الرئاسي.

وفي كلمتها أثناء إعلان ميلاد الحزب، امتدحت أكشنار قادة أتراكاً من مختلف الأطياف بدءاً بالمؤسس أتاتورك، مروراً بالعلماني اليساري بولنت أجاويد والإسلامي أربكان. وهذه اللفتة توضح أن أكشنار تهدف إلى استقطاب أكبر عدد ممكن من الناخبين من مختلف ألوان الطيف السياسي في تركيا.

العامل الاقتصادي

قد تكون العمليات العسكرية للجيش التركي في سوريا، وتحديداً في محافظة إدلب وفي عفرين وطرد المسلحين الأكراد منها، ساهمت في تصاعد المشاعر القومية وأعطت الرئيس زخماً مؤقتاً، لكن ماذا عن الاقتصاد؟

بعد وصول أردوغان إلى السلطة تحسن الاقتصاد وأصبحت تركيا سوقاً تجارية رئيسية، ما أكسبه تأييد شرائح مختلفة من الناخبين، فكان ذلك زاده في السباقات الانتخابية الماضية.

إلا أنه يبدو أن هذا الرصيد السياسي المدعوم اقتصادياً تناقص تدريجياً، وتُرجم ذلك عملياً في خسارة حزبه الأغلبية الساحقة في الانتخابات البرلمانية يونيو 2015، تزامناً مع اعتماده سياسات شمولية وتوسيع قبضته الأمنية الصارمة، خاصة منذ محاولة الانقلاب.

وسجل النمو الاقتصادي في تركيا نسبة بلغت 7.4% في 2017، بينما كان التضخم يرتفع في ظل عجز الحساب الجاري الحالي الكبير وضرورة إعادة هيكلة الديون في كبرى الشركات.

ويقول أنطوني سكنر، مدير منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في شركة "فيريسك مابيلكروف" العالمية للاستشارات، إنه "لا شك في أن القرار اتخذ لأسباب من أهمها الضغوط الاقتصادية والقلق المرتبط بها حول انخفاض شعبية حزب العدالة والتنمية وأردوغان عامي 2018 و 2019".

المصدر: رصيف 22