"قالوا لنا الفلسطينيون ليسوا بشراً مثلكم"... جنود الاحتلال يرون الفلسطينيين وحوشاً

بالعربي: "الفلسطينيون ليسوا بشراً مثلكم، قالوا لنا، إنهم عناصر خطرة، وحوش في لعبة فيديو، كلّ ما علينا فعله هو إلغاءهم كي ننجح في الانتقال إلى المرحلة الثانية في اللعبة"... هكذا بدأ الصحافي في "هآرتس" العبرية عوفري إيلاني مقاله المطوّل الذي ينتقد فيه كيف تتعامل قيادة الاحتلال مع الجنود، لتقنعهم أن كلّ شيء يمكن حلّه بتقنيّة جديدة أو بإضافة عنصر مادي ما.

يأتي هذا المقال بين مجموعة تعليقات أخرى كتبها "إسرائيليون" تزامناً مع الانتقادات التي تواجه تعامل جيش الاحتلال مع المتظاهرين الفلسطينيين على الحدود مع غزة، لا سيما لجوءه إلى القناصة والرصاص الحيّ بوجه فلسطينيين بدأوا تظاهرات سلمية الأسبوع الماضي في "يوم الأرض".

"لكلّ تهديد حلّ مناسب... حتى الأكستازي"

في مقال إيلاني مسحة سخرية بادية، إذ يعدّد ما أوهمت به "إسرائيل" الوعي العام "الإسرائيلي"، ومعه الجنود، بأن لكل مشكلة حلّ تكنولوجي: الصواريخ التي تهدّد المناطق الحدودية تعترضها القبة الحديدية، موجة اللاجئين من أفريقيا تحلها بجدار، أزمة المياه تُحلّ بواسطة محطات تحلية، التهديد الديموغرافي الفلسطيني يُعالج بالتقدم في أبحاث حلّ مشكلة العقم، الدعوات لمقاطعة "إسرائيل" تواجهها جهود فرق مدربة للقيام بالترويج لـ"إسرائيل" على وسائل التواصل الاجتماعي.

يضيف إيلاني، حتى "انتفاضة السكاكين" تمت مواجهتها بنوع من الخوارزمية تمكّن من تحديد هوية المهاجم المحتمل، قبل ربما أن يخطط الأخير للهجوم، معلقاً بالقول "ولكل تهديد تقريباً توصلت "إسرائيل" إلى حل تكنولوجي مناسب، كما تمّ تصميم المواجهة لكل خرق أمني".

بالعودة إلى صيف 2017، يقدّم إيلاني مثالاً عن تقنيّة جديدة سماها الجيش "تدريب الانتباه"، تم تطويرها في مختبراته لمعالجة اضطرابات الجنود في الجبهات، ويتم وفقها تدريب هؤلاء على "تحديد التهديدات" كما في ألعاب الفيديو، مكرسين فكرة الفلسطينيين = وحوش، كجزء من معالجة اضطرابات ما بعد الصدمة. 

وكان جيش الاحتلال أعلن عن تطوير هذا التدريب في وقت كانت التقارير تتحدث عن 143 جندياً،  قاتلوا في العدوان على غزة عام 2014، يعانون من اضطراب ما بعد الصدمة.

استجاب المجتمع "الإسرائيلي" لهذا الخبر، ورحّب بالتقنية، متجاهلاً حقيقة الحرب البشعة على غزة وقضايا أخرى، فقد كان "الإسرائيليون"، حسب إيلاني، مقتنعين على نطاق واسع بأن الحرب على غزة عادلة وضرورية، فالقوات "أغارت على غزة مظلّلة بعبارات التشجيع وأغاني المطربين ونصائح الحاخامات".

مع ذلك، بقيت مشكلة آثار ما بعد الصدمة لدى جنود كثر، ما دفع الاحتلال لابتكار تقنية جديدة لحلّها، كيف لا وهو الذي يتفاخر بأن جيشه أقل من يعاني بين جيوش العالم من الآثار النفسية على عناصره.

هكذا أعلن رئيس فرع الصحة النفسية للقوات البرية عن "تدريب الانتباه"، ليعلّق إيلاني بالقول "قد يأتي اليوم الذي تُستحدث فيه تقنيات حل جديدة، ربما تكون عبر حبوب (الإكستازي/ Ecstasy)، ولكن ستبقى هناك مشكلة أساسية تعاني منها سلطات الاحتلال وهي الاقتناع بأن أي صعوبة لها حلّ تكنولوجي".

"أشياء تُسمى أيضاً بشراً"

ثمة حبوب نشوة واقعية، حسب إيلاني، تستمر القيادة العسكرية بضخها لدى الجنود هي عبارة عن قناعة مفادها "نحن أقوياء، الجميع يحبنا ونحن نحب أنفسنا"، لكن الواقع مختلف "لم يتم حل أي مشكلة سياسية. لا يزال الفلسطينيون هنا، وهناك دليل على أنهم الأغلبية في المنطقة الواقعة بين البحر ونهر الأردن"، حسب دراسة حديثة.

في إطار متصل، طوّرت "إسرائيل" "قدرة مذهلة" على تنميط تفكير جنودها، من خلال الجدران ونقاط التفتيش والتحالفات والهرمونات والبرامج الحاسوبية وغيرها من الإجراءات المتطورة، حتى وصل الوضع إلى رؤية مئات من القناصة يطلقون النار على المتظاهرين العزل ويقتلونهم بمعدل 10 في اليوم، من دون أن يرفض أحد الأمر.

في الانتفاضة الأولى أو حتى الثانية، والكلام للصحافي "الإسرائيلي"، كان مثل هذا الوضع سبباً للصدمة والرعب، لكن ليس بعد الآن. برأيه "لقد تدرب المجتمع الصهيوني باستخدام الأيديولوجية والدين والخوارزميات وأيا كانت الوسائل للوصول إلى حالة من الوعي، تمكنه من التغلب على الغريزة الأساسية للتعاطف مع  المعاناة الإنسانية للآلاف القابعين في الجهة الأخرى من الجدار".

بدأ هذا التدريب باكراً، منذ استهل رئيس حكومة الاحتلال ووزير جيشه حينها ديفيد بن غوريون جلسة حكومته عام 1951، خلال مناقشة قانون إعدام الفلسطينيين، بالقول "العرب ليسوا بشراً، كل شيء مسموح به تجاههم". 

هكذا تكرست النظرية لدى الجيش بأن الناحية الأخرى ليس هناك سوى "مثيري شغب، محرضين، إرهابيين، أعداء، متسللين، إسلاميين ، معادين للسامية… ولكن، والكلام لإيلاني، لا يجب أن يكون هناك خطأ "هذه الأشياء، المزوّدة بأسلحة وسيقان ورؤوس، تسمى أيضاً بشراً. ورفض هؤلاء لقبول الحياة التي وضعوا فيها يجعلهم بشراً  جريمتهم الرئيسية أنه كانت لديهم الجرأة للظهور في مجال رؤيتنا عندما كنا على وشك الجلوس وتناول الطعام بهدوء".

بيتزا ساخنة وزيّ مرقط

على ذكر الطعام، كانت صحيفة "يديعوت أحرونوت" سلّطت الشهر الماضي الضوء على تعديلات مختلفة أدخلتها قيادة الجيش على لائحة الطعام الخاصة بالجنود، من ضمن تعديلات أخرى تتعلّق بالزي العسكري.

وبحسب الصحيفة، يخطط الجيش لتغيير النظام الغذائي بحيث يدخل مأكولات شهية من بينها البيتزا الساخنة في ساعات الليل بدلاً من الوجبات البسيطة، فضلاً عن وجبات مطابقة للنباتيين، كما سيعمد إلى تغيير ألوان غرف الطعام وطلائها بألوان مريحة للنظر.

وفي ما يتعلق بالزي فليست الألوان وحدها التي ستتغيّر من الزيتي إلى المرقط، بل سيكون بلا أزرار وفيه مناطق حماية عند المفاصل، ومقاوم للاحتراق والتمزق والتعرّق، ومناسب للاحتكاك مع المعدات العسكرية من دون إرزعاج الجندي.

حسناً، تفاصيل صغيرة تساعد عناصر جيش الاحتلال في تحسين مزاجهم وزيادة قناعتهم القائلة "نحن أقوياء، الجميع يحبنا ونحن نحب أنفسنا"، ولكن الفلسطينيين لا يزالوا هنا، إذا استخدمنا توصيف إيلاني، ومع تطور الأحداث الجديد على حدود غزة، كان لا بدّ من مواجهة النقاش مرة أخرى بشأن هؤلاء العناصر، وتحديداً ما يتعلق بمسألة القنص.

تكنولوجيات جديدة لخداع الذات

كالعادة لم يعترف جيش الاحتلال بخطئه، وأوضح وزير الأمن أفيغدور ليبرمان أن "جنود جيش "اسرائيل" صدّوا ناشطي الذراع العسكريّة لحماس بعزم ومهنيّة تماماً كما توقّعنا منهم. إنّي أدعمهم تماماً".

في الوقت نفسه، انتقد المسؤولون "الإسرائيليون" دعوة منظمة "بتسليم" الحقوقية "الإسرائيلية" الجنود إلى "عصيان" أوامر إطلاق النار، قائلة "الانصياع لتعليمات مخالفة بوضوح للقانون تعتبر مخالفة جنائيّة. لذلك إذا تلقى الجنود في الميدان أوامر بإطلاق الرصاص الحي على المواطنين العزل فعليهم يقع واجب رفض الانصياع لها".

وفي هذا السياق، قال الكاتب "الإسرائيلي" ألون بن ديڤيد إن "القناصة عند الحدود مع غزة لن تحل مشاكلنا معها"، في وقت كتب آموس هاريل قائلاً إن القناصة أخذوا تعليمات بعدم السماح لأحد باختراق الحدود، ولكنه شكّك في أن يكون حصل أي نقاش داخلي بشأن آلية الرد التي سيعتمدها القناصة.

وقال إن المسؤولين "الإسرائيليين" اعتقدوا أن ردود الفعل الدولية على تصرفات جيش الاحتلال في غزة ستكون محدودة، وتسلحوا بدعم ترامب لهم وقناعة مسبقة بأن الانتقادات لهم لن تتخطى المعتاد، ولذلك لم يضعوا خطة عمل واضحة للقناصة.

ويستعد نتنياهو وحكومته، المنتشين بتصريحات ترامب، إلى الاحتفال بالذكرى الـ70 لقيام "إسرائيل" في مايو المقبل، ولا شيء سيفسد المتعة الخالصة لهؤلاء سوى مسيرات "الأشياء ذات الأسلحة والسيقان والرؤوس"، وعليه ربما لا يكون أمام الجيش الإسرائيلي سوى البحث عن آليات تكنولوجية جديدة لحلّ مشكلة جنوده.

هنا ينصحه عوفرين إيلاني بـ"تطوير تكنولوجيات جديدة لخداع الذات" ومنها قد يكون "فطر الهلوسة" (magic mushroom)، فربما سيكون مفيداً لـ"شفاء نوبات القناصة الذين يطلقون النار على المدنيين على الحدود من آثار ما بعد الصدمة".