اكراد سوريا والمعادلات الجديدة، هل ضاع الحُلم؟

بالعربي: للمرة الألف نكتب هذه العبارة “الأمريكي لا يُعتمد عليه”؛ الجميع حذّر الأكراد من “غدر الأمريكي” ولكنهم أغلقوا آذانهم عن الأصوات التي نادتهم وناشدتهم من حكومة سوريا ودول صديقة، ربما كانت “دغدغة الحلم” ببناء دولة مستقلة أكبر من أي اعتبارات أخرى متجاهلين جميع المعادلات الإقليمية والظروف السياسية التي تمرّ بها بلادهم سوريا.

اليوم يخسرون “عفرين” التي لا يمكن إنكار أهميتها بالنسبة لهم وكيف كانت تشكّل مركز ثقل سياسي واجتماعي وعسكري للأكراد في الشمال الغربي لسوريا، ولا نعلم إذا كانوا قادرين على الصمود في بقية المناطق بعد أن سيطر الأتراك على مركز مدينة “عفرين” وقد حذروا مراراً من السماح لحزب الاتحاد الديمقراطي من الاستمرار في نشاطاته هناك، إلا أن الدعم “الوهمي” الأمريكي جعلهم يصمّون آذانهم ويتعامون عن الوقائع والحقائق التي تفرزها المعادلات الجديدة والتي لم تعد أمريكا متفردة فيها كما كان يحدث سابقاً، فقد برزت قوى إقليمية ودولية جديدة غيّرت موازين القوى ومنعت واشنطن من التحكم في كل شيء.

لكن هذا الكلام لا يبرر للأتراك غزو “عفرين” أو أي منطقة سورية أخرى، لأن ذلك مخالفة واضحة للقانون الدولي، فسوريا دولة ذات سيادة ولا يجب اختراق هذه السيادة، ولكن وبما أن القانون الدولي لا يطبق إلا على الدول المستضعفة فلا غرابة فيما تفعله تركيا في الشمال الغربي لسوريا، من قتل وتهجير لمواطنين وصل عددهم إلى 200 ألف نازح و1500 قتيل كردي منذ بدء العمليات العسكرية التركية في عفرين. وفي المقابل، وعد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان اليوم بأن بلاده ستقوم بإعادة تأهيل مدينة عفرين ومركزها والبنية التحتية فيها، وستتيح الفرصة لسكان المدينة في العودة إلى منازلهم.

وفي كلمة ألقاها أردوغان أثناء مشاركته في احتفالات إحياء ذكرى شهداء معارك “جناق قلعة” بولاية جناق قلعة غرب تركيا، أعلن فتح مدينة عفرين والسيطرة عليها وقال: “رموز الأمن والسكينة ترفرف في مركز مدينة عفرين بدلاً عن أعلام الإرهاب. في عفرين الآن ترفرف الأعلام التركية وأعلام الجيش السوري الحر”، وأضاف: “لم نقدم على أي خطوة من شأنها أن تلحق الأذى بالمدنيين لأننا لم نتجه إلى هناك للاحتلال وإنما للقضاء على المجموعات الإرهابية فحسب”.

ونقلت وكالة “رويترز” عن مصادر مطلعة، أن قوات الجيش التركي وفصائل “الجيش السوري الحر” المشاركة في “غصن الزيتون”، دخلت إلى مدينة عفرين يوم الأحد، وتوغلت بعمق 3 كيلومترات داخل المدينة، وانتشرت في شوارع شمال وشرق وغربي المدينة، بعد انسحاب المسلحين الأكراد منها.

من يتحمل مسؤولية ما حدث في عفرين؟!

شرارة مأساة عفرين أطلقتها أمريكا، عندما أوهمت الأكراد بأنها ستدعمهم لا بل أنشأت ودربت قوة لحرس الحدود في سوريا، تتشكل من قوات سوريا الديمقراطية ويمكن أن يصل تعدادها إلى 30 ألفاً، هذا الكلام لم يكن مرحباً به من القيادة السورية ولا حتى الروسية والإيرانية، ولكن أكثر من اعترض على هذا الإعلان هم الأتراك الذين جن جنونهم لأنهم يرون في ذلك خطراً على أمنهم القومي بحسب ما صرّح الرئيس التركي والمسؤولون الأتراك بداية الشهر الفائت.

وبعد أن ذاق الأكراد طعم الخذلان الأمريكي وتيقنوا بأنهم كانوا لعبة في مشروع أمريكي قذر هدفه الوحيد زعزعة المنطقة وتقسيمها إلى كونتونات صغيرة يسهل السيطرة عليها، لم يبقَ أمامهم سوى طلب النجدة من الحكومة السورية التي خذلوها مراراً وتكراراً ورفضوا طلباً سابقاً لها بالدخول إلى عفرين ورفع العلم السوري على المباني الحكومية لمنع التركي من الدخول إليها، ومع ذلك ساندتهم الحكومة قدر المستطاع ولم تتخلَ عنهم وأرسلت لهم قوات شعبية سورية، ولكن الأكراد لم يستطيعوا الصمود طويلاً أمام ضربات الجيش التركي لتسقط المدينة بيد الأتراك والجيش الحر، ولا نعلم إذا كان رفع العلم التركي على المباني الحكومية السورية أفضل من رفع العلم السوري عليها، هذا التساؤل نترك الإجابة عليه للأكراد.

ونحن نعتقد أن ما زاد الطين بلة هو الحساسية واختلاف وجهات النظر المتكررة بين الأتراك والأمريكيين، فالولايات المتحدة لا تريد أن تقتنع بأن تركيا دولة إقليمة كبيرة ومهمة ومؤثرة وتتمتع بقرار مستقل منذ نهاية الحرب الباردة، وبالتالي لا يمكن التعامل مع التركي على أنه تابع أو يجب عليه الرضوخ والخضوع للهيمنة الأمريكية.

القيادة في تركيا تعرف مصالح بلادها جيداً وأردوغان أثبت أنه لاعب سياسي ماهر، وما تحالفه مع الروسي إلا خير دليل على ذلك، ولا يمكن أن ننكر مجموعة من الأمور التي زادت حدة التوتر بين واشنطن وأنقرة في الفترة الأخيرة وعلى رأسها، رفض أمريكا تسليم تركيا فتح الله غولن المتهم الأول في المحاولة الانقلابية الفاشلة صيف 2016، ومماطلتها في التعاون بشأن ملف التحقيق معه، ودعمها المتزايد للأكراد وبعض الجماعات الكردية التي تعتبرها تركيا جماعات إرهابية يجب القضاء عليها لأنها تهدد الأمن القومي التركي وتتحالف مع حزب العمال الكردستاني المصنف على أنه إرهابي في تركيا.

المصدر : الوقت