غزة على شفا الانفجار والاحتلال يستعد لخيار التصعيد

بالعربي: في قطاع غزة، كما في دولة الاحتلال، يراقبان ممكنات التصعيد التي تتزايد يومًا بعد الآخر، ويستعدان للتصعيد على اعتبار أنه بات أحد أكثر السيناريوهات احتمالًا، وربما ينفتحان عليه وكل ينظر إليه على أنه جولة تصعيد لابدّ منها، يراهن كل طرف أنها ستخدمه في تحقيق بعض أهدافه وتأكيد رسائله، لكن دون الوصول إلى ما هو أبعد من جولات تصعيد كلية تسير على حافة الانزلاق للحرب.

لسكان القطاع المحاصر - الذي أقفلت في وجهه كل الخيارات الأخرى - مصلحة ودافع كبير لحراك تصعيدي باعتباره خيارًا لابدّ منه، ليس فقط للتنادي لمواجهة الأخطار التي تحيق بالقضية الفلسطينية، بل وللفت النظر إلى مأساته الإنسانية بفعل الحصار بما يشبه قرع جدران الخزان، وتحميل الاحتلال كل المسؤولية باعتباره المحاصر والمحتل والمعتدي والمنتهك لأبسط الحقوق الحياتية والإنسانية، أي ان للغزيين ألف سبب على المستوى الوطني العام وعلى المستوى الغزي الخاص للانتفاض في وجه الاحتلال، لكن ضمن ضوابط وآليات ومحاذير من الانزلاق إلى حرب يستطيع من خلالها الاحتلال التهرب من مسؤولياته، وأن يجيّرها سياسيًا وإعلاميًا في خدمته، حرب تزيد من المعاناة وتتسبب بالكثير من الدمار والقتل وتعيدنا إلى ذات المربع.

أما دولة الاحتلال فهي تمارس سياسة تجاه القطاع تتسم بالعنجهية والعدوان، فهي من جهة تسعى للإبقاء على الانقسام وتحويله إلى انفصال، ومن جهة أخرى تبقي على الحصار وتطالب الآخرين بأن يقدموا تسهيلاتهم إلى الغزيين، ومع إدراكها ان الحصار الذي حوّل القطاع إلى منطقه غير مؤهلة للحياة وكل الكتابات ا"لإسرائيلية" التي تتوقع في حال استمر الحصار أن يحدث سيناريو الانفجار ودعوة هؤلاء - وهم نخب وأمنيون وسياسيون، بما فيهم بعض الوزراء - إلى اتباع سياسات تسهيلية تنمح الأمل لسكان القطاع وتساعد في استبعاد الخيارات التصعيدية الأخرى؛ إلا ان توجهات ليبرمان - نتنياهو تجاه القطاع لا زالت تتمسك فقط بسياسة الردع وإطباق الحصار، متذرعين أحيانًا بالجنود الأسرى وأحيان أخرى بالتهديدات الأمنية، ممّا يبقي معادلة العلاقة بين القطاع ودولة الاحتلال في ظل استمرار الحصار تنحصر في هدوء متوتر وجولات تصعيد واحتواء وخطر دائم بالانزلاق إلى الحرب.

دولة الاحتلال، التي تراقب المشهد الغزي عن كثب على كافة مستوياته، باتت تدرك ان الأزمة تزداد تفاقمًا، لا سيما بعد إجراءات السلطة وفي ظل مراوحة مسيرة المصالحة دون أي اختراق، وأن الخيارات تنحصر شيئًا فشيئًا باتجاه التصعيد، سواء بدوافع المعاناة أو بدوافع التصدي لمشاريع التصفية، وأن الأوضاع باتت من غير الممكن أن تستمر، وأن كل ما يمكن أن يحدث لن يؤدي سوى لتأجيل التصعيد طالما بقيت الحالة على ما هي عليه على المستويات الثلاثة (المعيشي والتصالحي الفلسطيني والوطني العام).

القلق "الإسرائيلي" من الانفجار كان الدافع الرئيسي لاجتماع العصف الفكري المزعوم في واشنطن، الذي نجح بقيادة غرينبلات ان يجمع "إسرائيل" والكثير من الدول العربية على طاولة واحدة للبحث في الظروف الإنسانية للقطاع وطرق تخفيفها، بحث مزعوم وتباكي تمثيلي، والهدف منه - كما أعلن غرينبلات في بداية الاجتماع - هو التصدي للتهديد الأمني "لإسرائيل" الناتج بفعل استمرار الأزمة الإنسانية، ودعوتهم للاستثمار في القطاع لتنام "إسرائيل" مطمئنة، استثمار بعيد عن السلطة، وبشرط ألا تستفيد منه فصائل المقاومة، وربما يستفاد منه في استنبات قيادات ومؤسسات جديدة في القطاع.

لكن دولة الاحتلال باتت على يقين ان الأزمة الإنسانية في القطاع لن تنتظر اجتماعات غرينبلات وعصفة الذهني، وأن كل السيناريوهات ذاهبة باتجاه التصعيد؛ لذلك أعلن ليبرمان أول أمس أن الأوضاع على جبهة القطاع متفجرة، وطبعًا حمّل السلطة المسؤولية واتهمها بالسعي لجر "إسرائيل" وحركة حماس للحرب، لكنه (أي ليبرمان) لم يعلن أن من بين خططه لاحتواء الأزمة تخفيف الحصار أو انتهاج سياسات الاحتواء، بل كان شديد اللهجة في الحديث عن أدوات التصدي وإرسال رسائل التهديد والإرهاب، وأعقب تصريحاته للقناة 14 قصف ليلي شديد على بعض مواقع المقاومة في رد مزعوم على انفجار عبوة بالقرب من الحدود.

القصف الليلي ليلة أول أمس هدفه الردع، وأن دولة الاحتلال لن تتوانَ عن التصدي بعنف لمحاولات التصعيد والاشتباك الفلسطيني، وأنها لا تخشى التدهور، وربما أرادت من خلال ذلك استجلاب رد فلسطيني يدخل المنطقة في جولة تصعيد عسكري سريعة تجهض الحراك الشعبي. فالحراك الشعبي - الذي تخشاه "إسرائيل" لما يشكله من تهديد كبير ونوعي ليس لها دراية وخبرة كافية في التعامل معه، ويُحتمل أن يحمل مفاجآت كبيرة لها، وهي لا تدرك مآلاته وكيف يمكن ان يستثمر فلسطينيًا ودوليًا - خصصت له اجتماعًا من قبل الكابينت في الأيام القريبة، وقد أدرجت على أجندة منظومتها الأمنية الأيام والتواريخ للحراكات الفلسطينية، وهي تدرس الآن خطط وآليات التصدي للحراك الفلسطيني الغزي على المستويات السياسية والإعلامية والعسكرية.

ولا نستبعد أن يكون الخيار "الإسرائيلي" هو خيار التصعيد العسكري ومحاولة جرنا لمربع التصعيد العسكري عبر القصف والقصف المضاد، للفت الأنظار عن الحراك وإجهاضه، دون الانزلاق إلى حرب واسعة.