هذه هي رسالة بوتين من استعراض عضلاتِه الصَّاروخيّة لـ"اسرائيل" وأمريكا حول سوريا

بالعربي- كتب- عبد الباري عطوان:

في خِطابِه الذي ألقاه الجمعة في قاعِة المُؤتَمرات وسَط موسكو، وفي حُضور النُّخب السياسيّة والعَسكريّة، كشف الرئيس فلاديمير بوتين عن مَجموعة من الأسلحة والصَّواريخ الباليستيّة التي يُمكِن أن تَحمِل رؤوسًا نوويّة قادرة على الوصول إلى أي مكان في العالم دون أن يتمكّن أي أحد في اعتراضِها.

الأهم من ذلك في رأينا، أن الرئيس الروسي الذي عَرض شريط فيديو على شاشة ضَخمة في القاعة يَتضمّن استعراضًا لهذه الصَّواريخ، أكد "أن روسيا ستَعتبِر أي هُجوم نووي على حُلفائِها هُجومًا عليها وسَترد عليه فورا دون أي تردد”.

هذهِ هِي المَرة الأولى التي يَظهر فيها الرئيس بوتين مُتحديًا، ومُهددا ومُعززا تَهديداته بأسْلحة حَديثة وصَواريخ عابِرة للقارّات مُنذ تولّيه السُّلطة، ممّا يُوحي بأنّه يَستشعِر إمكانيّة انتقال الحَرب الباردة إلى أُخرى ساخِنة، وينّطلق من مَعلومات استخباريّة تُشير إلى احتمال تَعرّض أحد حُلفاء روسيا إلى هُجومٍ نَووي

الأمر المُؤكّد أن هذه الرّسالة مُوجّهة إلى أمريكا، وربّما إلى "إسرائيل" أيضًا، فالأولى هَددت بإعلان الحَرب على كوريا الشماليّة التي أجرت تجارب مكّنتها من امْتلاك رؤوس نوويّة، وطورت صواريخ باليستيّة عابِرة للقارات وتستطيع الوصول إلى العُمق الأمريكي، أمّا الثانية فقد تَكون مُوجّهةً إلى "إسرائيل" التي يَقرعْ رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو، وبِدعم أمريكي، طُبول الحرب ضِد إيران.

التقارير الاستخباريّة لمُؤتمر ميونخ الأمْني الذي انْعقد قبل يَومين، ويُعدّه نُخبة من الخُبراء الاستراتيجيين، أعْطى صُورة مُتشائِمة بسبب تَزايُد حِدة الصراع الروسي الأمريكي في ثلاث مناطِق توتر رئيسيّة هي كوريا الشماليّة وإيران وسوريا، ووَصف سِياسات الرئيس دونالد ترامب المُتهورة بأنّها تَقود العالم إلى حافّة الهاوية.

القِيادة الروسيّة عارضت بشِدة التّهديدات الأمريكيّة لكوريا الشماليّة، وأيّدت حَق الأخيرة في التحول إلى قوة نوويّة، وإنتاج صواريخ عابِرة للقارات في إطار الدفاع عن نفسها في مُواجهة التَّهديدات الأمريكيّة، ولعل تأكيد الرئيس بوتين بأنّه سيَرُد على أيِّ هُجوم نووي تتعرض له بِلاده وأي من حُلفائها، تَحذير واضِح للرئيس ترامب من الإقدام على أي حماقة عَسكريّة.

لا نَستبعد أن تكون سوريا مَيدان مُواجهة أمريكيّة روسيّة أيضًا، أو ذريعة لشَن عُدوان "إسرائيلي" على إيران، فنتنياهو يَعتبِر وجود أي قاعدة عسكريّةٍ إيرانيّة في الأراضي السوريّة بِمثابة “إعلان حرب”، ووصف إيران وأذرعتها العسكريّة بأنّها أكبر تَهديد ليس "لإسرائيل" فقط وإنّما العالم بأسْره، وهدَّد بالتدخّل عَسكريًّا ضِدها إذا "لَزم الأمر".

الرئيس بوتين وقِيادته العسكريّة يَشعران بالقَلق من التحركات الأمريكيّة على الأرض السوريّة، ويَخشيان من تِكرار واشنطن للسِّيناريو الجِهادي الأفغاني فيها، بعد تصريحات صَدرت عن ريكس تيلرسون، وزير الخارجيّة الأمريكي، شدّد فيها على أن الوجود العَسكري في سوريا (2500 جندي) سَيكون دائِمًا.

الجنرال ألكسندر فينيديكتوف، مُساعد أمين عام مجلس الأمن الروسي، كَشف أمس عن وجود 20 قاعِدة عَسكريّة أمريكيّة في مَناطق تَقع تحت سيطرة قوات سورية الديمقراطيّة في شَمال غرب سوريا، من بينها قاعِدة جويّة في مدينة الطَّبقة قُرب مدينة الرقّة، وأُخرى في مدينة التنف، في المُثلّث الحُدودي السوري العِراقي الأردني، حيث يَجري تَدريب قوّات خاصٍة على غِرار قوّات “الصَّحوات” العراقيّة في عام 2008، أثناء الاحتلال الأمريكي.

روسيا تخشى من هجمات تُقدِم عليها جماعات “جهاديّة” مُسلّحة، وتستهدف قاعدتيها البحريّة في طرطوس، والجويّة في حميميم، وأوّل إنذار في هذا الخُصوص تَمثّل في هُجومٍ بطائِرات مُسيّرة بدون طيّار قصفت القاعِدة الأخيرة (حميميم) بصواريخٍ مُتطوّرة، وبعد فَحص إحدى الطائرات التي جَرى السَّيطرة عليها، تَبيّن أنّها من النّوع المُتقدِّم جدا، والمُزوّدة بأجهزة حديثة، لا تَمتلكها إلا دولة عُظمى في وزن الولايات المتحدة.

الرئيس ترامب يَرُش المازوت على نيران التوتّر في العالم، ومن المُتوقّع أن يُقدم في الأشهر القليلة المُقبِلة على إلغاء الاتفاق النووي مع إيران، مِثلما تم إلغاء المُعاهدة الصاروخيّة مع روسيا، ممّا يَجعل احتمالات الصِّدام وإشعال نار الحُروب واردة، ولا نَستبعد أن تكون دولة الاحتلال من يُشعِل فتيلها، وتَهرع أمريكا لنَجدتها مِثلما كشف ديك تشيني، نائب الرئيس جورج بوش في أحد تصريحاته قبل 9 أعوام.

روسيا استعادت مُعظم عناصِر قوّتها، وأصبحت قوة عُظمى مَرهوبة الجانِب مُجددا، ويتزعٍمها رئيس استطاع أن يضعها على خريطة العالم مُجددا في المَكان الذي تستحق، وخِطابه القوي وغَير المَسبوق، الذي يَعكِس ثِقة بالنَّفس تستند إلى قُدرات عَسكريّة مُتطوّرة جدًّا يُشكِّل تدشينًا لمَرحلة جديدة عُنوانها الزَّعامة العالمِيّة.

روسيا بوتين ليست روسيا غورباتشوف، صاحِب البيرستوريكا الانهزاميّة، ولا هي روسيا يلتسين الذي لا يَفوق من الثَّمالة.. روسيا اليَوم تقول “لا” كبيرة للغَطرسة الأمريكيّة، وتُؤكِّد أن مَرحلة تَفرّدها بالعالم قد انْتهت إلى غَير رجْعة.

عندما تستخدم روسيا والصِّين “الفيتو” المُزدَوج” ضِد المُخطَّطات الأمريكيّة في سوريا في مَجلس الأمن الدَّولي، فإنّ على أمريكا وحُلفائها إدراك أن العالم تغيّر وبِشَكل جَذري.

المصدر: راي اليوم