ماذا يفعل الأميركيون في الشرق الأوسط؟

بالعربي: ذات يوم سألت الباحثة الشهيرة في «الظاهرة السوفياتية» هيلين كارير ـ دانكوس عن المطرقة السرية والسحرية التي استخدمتها الولايات المتحدة لتفكيك الأمبراطورية الشيوعية.

لا الكعب العالي لمارلين مونرو الذي كان يهز الدنيا، ولا الروك اند رول الذي حلّ محل قداس الأحد، ولا المارلبورو التي رمت أرضاً مقولة كارل ماركس «الدين أفيون الشعوب»، ولا سروال الجينز الذي أضفى «الفوضى الخلاقة» على الجسد، ولا موسيقى الجاز التي تغسل بثقافة السحرة ثقافة وول ستريت، ولا الـC.N.N التي كرّست الرشاقة في الصورة وفي الكلمة بدلاً من المفردات التي كما لو أنها حجارة حائط مهجور.

رأت كارير ـ دانكوس ان الولايات المتحدة قد تكون أطلقت موجات اشعاعية على رؤوس القادة السوفيات، فجاء ميخائيل غورباتشوف بالبريسترويكا (اعادة الهيكلة) والغلاسنوست (الشفافية)، وكانا بمثابة رصاصة الرحمة التي أردت تلك الايديولوجيا التي دخلت , بايقاع درامي، الشيخوخة المبكرة.

المدير الأسبق لوكالة الاستخبارات المركزية ريتشارد هيلمز (توفي عام 2002) قال «لم تكن للشيطان كل تلك الأيدي قي كل تلك الأمكنة». استدرك « كنا، وربما لا نزال، أكثر حنكة، وأكثر فظاعة، من الشيطان».

الأميركيون في كل مكان. انقلابات، اغتيالات، تشكيل حكومات، اشعال حروب، تلاعب بالخرائط، حتى أنهم جعلوا من الصين صين لماوتسي تونغ وأخرى لتشان كاي تشك. انه البحث عن الأسواق ولو في قعر جهنم.

في الشرق الأوسط، ومنذ أن اكتشف جون فوستر دالاس أن النفط «دم الأمبراطورية» قبل أن يكون «دم الأرض»، كانت هناك ثلاجة لاهوتية وتدعى الغيب، وثلاجة تاريخية وتدعى القبيلة.

مجتمعات بكاملها تتكل على الله في أن يبعث اليها بالخبز والديمقراطية. محمد أركون كتب عن «العثمانيين الذين تركوا أحذيتهم في لا وعينا». الأحذية الأميركية حلت محل الأحذية العثمانية.

من منا لا يعلم أن الولايات المتحدة تتفوق، تكنولوجياً، على الدول الأخرى ما بين نصف قرن وقرن كامل (علينا نحن مواطني الغيب تتفوق بألف عام).

الغريب الآن أن الأميركيين يشكون من «التعويذة الروسية». الدببة تدخّلـت الكترونياً في الانتخابات الرئاسية لتأتي بـ«قاتل أميركا» ان لم يكن بـ«قاتل الكرة الأرضية» الى البيت الأبيض.

الأمبراطورية، بكل تلك المعجزات التكنولوجية، ومن السير على سطح القمر الى التحليق فوق تضاريس المريخ، لم تتمكن من الحيلولة دون الاختراقات الالكترونية الروسية. معلقون تساءلوا ما كان الكرملين سينجح في تفجير الأمبراطورية الكترونياً...

التفاصيل التقنية غامضة ومعقدة. لو كان صمويل هانتنغتون (صاحب نظرية صدام الحضارات) هناك لقال ان الروس يغزون رؤوس الملونين لتفجير أميركا. أحد تلامذته مايكل روبرتسون لاحظ ان رئاسة باراك أوباما شكلت صدمة حضارية داخل العقل الأميركي. اعتبر أن ما يقوم به البيض حيال السود قد يكون جزءاً من الفلسفة الخاصة بصراع البقاء.

هذا يبرر ما قام به نيكولاوس كروز في احدى مدارس فلوريدا. كاد فريد زكريا , المعلق الشهير من أصل هندي، يكتب «فتشوا عن القاتل في البيت الأبيض». قال ان الآتي من ليالي لاس فيغاس «يسحق بقدميه القيم الأميركية».

هذا رجل يدفع الأمبراطورية الى الغثيان. ماذا يفعل الأميركيون في الشرق الأوسط سوى تعليق الزمن على حبل المشنقة؟

دونالد ترامب ضد ايران لكنه ضد تركيا، وان على المستوى التكتيكي. انه مع السعودية وفي الوقت نفسه مع قطر. أكثر من معلّق أميركي لاحظ أن اعلانه القدس "عاصمة لاسرائيل" يعكس الفوبيا حيال العرب. اصطحب عائلته، على ذلك النحو الاستعراضي، الى المملكة، ليقول «انظروا ها هي مغارة علي بابا».

ماذا يمكن لريكس تيلرسون أن يفعله؟ بدا في المنطقة وكأنه مبعوث البنتاغون لا مبعوث البيت الأبيض. قالوا في واشنطن «لقد ذهب الى هناك لاعادة برمجة الحرائق». ضبط الايقاع لا أكثر ولا أقل.

ألا يكفي كل ذلك الدم في كل ذلك... العراء؟!

المصدر: الديار