من أجل لبنان والعروبة

بالعربي- كتبت ثريا عاصي:

كما كان منتظراً، تبارى كثيرون في تناول ما جرى في لبنان في الأيام الأخيرة من أحداث يمكننا نعتها  بالتنفيس عن الإحتقان الذي يلاحظ عادة في المواسم الإنتخابية، فتعددت نماذج التحليل  التي ذهب أصحابها في جميع الإتجاهات ... لذا رأيت أن أدلي بدلوي، من منطلق حرصي على انتمائي الوطني من ناحية الجنوب الذي تعرض كما  هو معروف لإعتداءات المستعمرين الإسرائيليين، الذين غزوا أرضه وعربدوا وانتهكوا حرمات منازله ونكلوا بأهله، وقتلوا من أبنائه ... ومن ناحية لبنان أحرص على إنتمائي القومي العربي، هذا الإنتماء الذي تستهدفه منذ سنوات 1970، الحروب وأخيراً الثورات التي يشترك فيها الأميركي وحكام الخليج وحكام تركيا بواسطة خطة أميركية ـ صهيونية بنيت على نظرية صراع الحضارات تقضي بإطلاق سيرورة غايتها في ظاهر الأمر استعادة "أمجاد" حضارة إسلامية غابرة، عن طريق تخريب العمران في بلدان عربية وتطهير المجتمعات العربية من "المرتدين والمشركين" ..

هذه هي الصورة التي تكونت لدي تديجياً منذ أن بدأ وعيي يتفتح على ما يدور في بلادنا .. يجب هنا الإعتراف أن القومية العربية تلقت ضربات قوية، بواسطة الإرهاب الإسلامي، هذا معطى مثبت، وإنكاره هو نوع من المكابرة !

وبكلام صريح وواضح، أقول أني أنظر إلى الأمور من خلال هذه الصورة .. بتعبير آخر من خلال الحرب الدائرة بواسطة الإرهاب الإسلامي ضد القومية العربية، بالمعنى السياسي والإقليمي وليس العرقي أو الإثني طبعاً، هذا من ناحية ومن ناحية ثانية اعتقد أن لبنان هو حقل من حقول التجارب والمناورات..

إستنادا إليه، تتكون المعادلة الآن، في إطار الحرب على العروبة وعلى الإنسان العروبي، من إنتاج حكومات عربية تشارك أولاً في هذه الحرب على العروبة.

ثانياً تتخلى عن الثروة النفطية التي يبدو أن باطن الأرض في المشرق يذخر بها.

ثالثاً، القبول بالتخلي عن أجزاء من التراب الوطني، عن طريق البيع أو المقايضة أو الحجج التاريخية، أو تحت مزاعم  تسهيل التسويات أو متطلبات التطور والتنمية .. الخ

وبالعودة إلى الهياج على الساحة اللبنانية أقتضب فأقول، ان مصير المقاومة الإسلامية تحت قيادة حزب الله مرتبط بمصير سورية، هذا يعني أن المستعمرين الذين يشنون الحرب على سوريا قد يرتأون فتح جبهة في لبنان ضد المقاومة بألف ذريعة . وللأسف لديهم في لبنان متعاونين، إعتقد قادة المقاومة أنه يجب مهادنتهم طيلة المدة   التي أعقبت إتفاق الطائف وحتى تاريخ اندلاع الحرب على سورية، وبعد هذا التاريخ صار المتعاونون يستفزون المقاومة وهذه تحني ظهرها !!

في المقابل يوجد في لبنان مشكلة بنيوية كبيرة، جوهرية يمكن اختصارها بحظر بناء دولة "شرعية" بالمعنى المعوف للدولة . هذا موضوع يحتاج إيفاؤه إلى تفاصيل لا يتسع لها هذا المكان، لذا أقول أن جميع التسويات التي تم التوصل إليها بعد الطائف، هي تسويات مؤقته بإنتظار  "الإنتهاء" من ترتيب الأوضاع في سوريا والعراق . ينجم عنه أن ما يجري على مستوى المؤسسات هو توافق على إدارة التسويات المؤقتة التي منها على سبيل المثال، تجديد وتمديد، فترة ولايات الحكام والنواب .

وفي هذا السياق أعتقد أن مرد التوتر الذي تفاقم في الأيام الأخيرة مرجعه إلى الإنتخابات النيابية، حيث تحاول كل قيادة طائفية توحيد الطائفة، كل طائفة، بحيث لا يبقى في داخل الطائفة الواحدة، أي تأثير  لتيار معارض . هذا يعكس تحول الطائفة إلى كيان واحد أو إلى كتلة واحدة، خلف قيادة واحدة .. هكذا لا يبقى في البلاد سوى عدد قليل من الناخبيين الفعليين لا يتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة .

هذا كله يسمح كما يظن البعض، بأخذ قرارات  مصيرية بسهولة أكبر .. رئاسة الجمهورية، سورية القضية الفلسطينية، مسألة النفط، مسألة العلاقة مع سورية مع العراق (العروبة) من جهة في مقابل  العلاقة مع المملكة السعودية (الدولة  الإسلامية) من جهة أخرى!