الولايات المتحدة تعلن الحرب على روسيا

بالعربي: لا شك أن أي تدخل عسكري من دولة في دولة أخرى دون التنسيق مع حكومتها هو اعتداء وعدوان بكل القوانين والمعايير الدولية، والحالة السورية أصبحت معقدة بسبب العدد الكبير للفصائل المسلحة الإرهابية المدعومة من أطراف إقليمية وعالمية، جميعها تخضع لإدارة أمريكية.

وما زاد الشأن السوري تعقيدا، هو جزء كبير من السوريين الأكراد الذين جلسوا في حضن الولايات المتحدة ويقفون في وجه الدولة السورية ويطمحون لإنشاء دولة مستقلة وربطها بإقليم شمال العراق "إقليم كردستان العراق"، وهذا يشكل خطرا بالدرجة الأولى على وحدة الدولة السورية، ومن ثم على دول الجوار ولا سيما تركيا التي وجدت ذلك ذريعة للتدخل في الأراضي السورية تحت عنوان ضرب الإرهابيين الأكراد المرتبطين بحزب العمال الكردستاني المصنف إرهابيا في تركيا.

وقد صرح وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو بأن بلاده تعتزم التدخل في عفرين ومنبج بسوريا، متهما واشنطن بعدم الالتزام بوعودها، وأضاف أن أنقرة ستنسق العملية في عفرين مع روسيا وإيران.

وقال جاويش أوغلو في حديث لقناة "سي إن إن تورك" إن إنشاء "الجيش الإرهابي" التي تزمع بتشكيله الولايات المتحدة بمحاذاة الحدود التركية السورية سيلحق ضررا لا يمكن إصلاحه لعلاقات بلاده مع الولايات المتحدة، مضيفا أن تعليقات مسؤولين أمريكيين "حول مخاوفنا الأمنية حيال سوريا لم ترضنا بشكل كامل".

وهنا نتساءل لو أن السوريين الأكراد في مدينة عفرين فتحوا الطريق أمام الجيش السوري الوطني وتعاونوا معه، لما استطاعت تركيا أن تطلق طلقة واحدة على عفرين، ولكانت روسيا أوقفت أي اعتداء ضد الأكراد، ولكن حتى الآن وكل المعطيات تقول إن الأكراد أصبحوا الأداة التي تستعملها الولايات المتحدة في سوريا لتحقيق أهدافها التي أعلن عنها وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون، هذا لا يعني أن الولايات المتحدة ستستطيع تحقيق الأهداف التي أعلنها تيلرسون في سوريا، بل كل التصريحات هذه هي للضغط النفسي والحرب الإعلامية التي لم تتوقف منذ اليوم الأول للحرب الإرهابية على سوريا، واشتدت بعد التدخل الروسي القانوني والشرعي وبدعوة من القيادة السورية في الحرب على الإرهاب.

تحاول الولايات المتحدة إيجاد بديل ل"داعش" من خلال تسليح ما يسمى "قوات سوريا الديمقراطية" وتشكيل ما يسمى بحرس الحدود، طالما فشلت خرافة إنشاء "الدولة الإسلامية" التي أرادوا من خلالها تدمير سوريا وتقسيمها وتدمير الجيش السوري وإسقاط النظام وإبعاد سوريا عن إيران وروسيا، لذلك لجأ الأمريكان اليوم إلى استخدام قسم كبير من الأكراد السوريين وإغرائهم بإنشاء كيانا لهم في مناطق غنية بالنفط والغاز والماء، على غرار الكيان الاسرائيلي في فلسطين.

الأكراد الذين تستخدمهم الولايات المتحدة في سوريا هم طلقات في فوهات بنادق السياسة الأمريكية، لأنها سوف تزج بهم في حروب ضد الجيش السوري وضد تركيا وضد إيران وربما ضد روسيا، وفي النهاية التصعيد الأمريكي الجديد في سوريا موجه بالدرجة الأولى ضد روسيا لإفشال أي مبادرة روسية تؤدي إلى حل سياسي بعد أن استطاع الجيش السوري بدعم جوي كبير من قبل روسيا القضاء على "داعش" الأمريكي، وبدء القضاء على "جبهة النصرة" المدعومة أمريكيا وأيضا من عدة دول إقليمية.

ربما تلجأ الولايات المتحدة لقصف مواقع الجيش السوري في دير الزور أو في نقاط يكون تواجد وحدات الجيش ليس قويا من أجل أن تقوم "قوات سوريا الديمقراطية" الكردية بالهجوم على هذه المواقع واحتلالها على غرار ما فعله الطيران الأمريكي حين قصفت موقع الجيش السوري في جبلة الثردة في دير الزور واحتله تنظيم "داعش" في نفس اليوم ، وهنا أيضا لا نستغرب أن تقوم مجموعات من بقايا "داعش" الإرهابي مع مجموعات كردية مسلحة المدعومة أمريكيا بالهجوم المباغت على قوات الجيش السوري المتواجدة في مدينة الحسكة والقامشلي بغطاء جوي أمريكي، من أجل إخلاء كامل المنطقة الشرقية من سورية من تواجد الجيش السوري ونفوذ الدولة السورية، عندها ستبدأ الولايات المتحدة بإنشاء مركز للتمثيل الدبلوماسي في في المنطقة الشرقية لها، لتفرض واقع جديد، وتضع شروطا على مزاجها من أجل أي تسوية يمكن أن تطرح على الطاولة، ومن أجل ألا تترك روسيا كما تقول منفردة بحل الأزمة السورية سياسيا وعسكريا.

لا بد من التنويه إلى أن التصعيد الأمريكي في سوريا جاء بعد أن بدأ الجيش السوري مع حلفائه وبدعم جوي روسي كبير بهجوم كاسح ضد "جبهة النصرة" في ريف إدلب وحلب وحرر ما يقارب 140 بلدة وقرية مع مساحات شاسعة من الأرض من تنظيم جبهة النصرة" الإرهابي والفصائل الإرهابية المرتبطة بها، هذا لم يرق للولايات المتحدة ولا لبعض الدول الإقليمية التي تدعم هذه الفصائل، فكان لا بد من لداعمي الإرهاب من التصعيد لإفشال أولى أهداف روسيا لعام 2018 وهي القضاء على جبهة النصرة.

من خلال ما تقدم يمكن القول أن الولايات المتحدة أعلنت الحرب على روسيا على الأراضي السورية علنا، لأنها خسرت كل الحروب التي بدأتها ضد روسيا في الشيشان في تسعينيات القرن الماضي، كما خسرت الحرب ضد روسيا في جمهورية جورجيا وفي أوكرانيا، كما أن الولايات المتحدة لم تصح من صدمة عودة شبه جزيرة القرم إلى روسيا بدون أن تسيل قطر دم واحدة من عسكري أو مدني، والولايات المتحدة لا تريد أن ترى عالما متعدد الأقطاب، فهي التي حكمت العالم على مدى أكثر من عقدين من الزمن بدون منافس واستطاعت أن تسقط أن أنظمة وتقسم دول وتفتت جيوش كما فعلت في يوغسلافيا وأفغانستان والعراق وليبيا تحت ذرائع واهية كاذبة، ضاربة بعرض الحائط بكل القوانين الدولية بدون أن ترى أي مقاومة من أي دولة بعد انهيار الاتحاد السوفييتي في عام 1991، كما أن مركز القرار والإدارة في الولايات المتحدة لا يريد أن يرى روسيا قوية اقتصاديا وعسكريا واجتماعيا وعودة الصناعة والعلوم إلى المصانع والجامعات الروسية، بعد أن مرت بفترة انهيار من عام 1995 إلى عام 2002.

وهنا لا بد من القول إن كل الحروب التي شنتها الولايات المتحدة ضد دول في شمال أفريقيا وفي البلقان وفي الشرق الأوسط وآسيا كانت موجهة ضد روسيا من أجل محاصرتها من كل الجهات وقص أجنحتها التي بدأت تنمو بسرعة بعد أن تسلم الرئيس بوتين مقاليد الرئاسة في روسيا، ونجح بانتشال روسيا من خطر الانهيار الذي كانت تؤسس له مراكز القرار في الولايات المتحدة، بل واستطاع بوتين بحنكته وذكائه أن يجعل روسيا تلعب الدور الرئيس في كثير من القضايا العالمية الساخنة، لذلك أعلنت الولايات المتحدة في استراتيجيتها أن الخطر الأول عليها هي روسيا وليس الإرهاب، وهذا أمر طبيعي، فالولايات المتحدة تستطيع القضاء على الإرهاب الذي تصنعه بيدها، ولكنها لا تستطيع الانتصار على دولة روسيا العظمى التي تملك العلم والاقتصاد والنفط وأهم شيء الجيش الوطني المدعوم باسطول جوي وبحري جبار.

وفي نهاية المطاف لا زال الشعب السوري يدفع ثمن الحرب الإرهابية التي تشنها الولايات المتحدة ضد سوريا وروسيا في سوريا بدعم مالي ولوجستي من دول إقليمية وأخرى أوروبية، ولولا الطابور الخامس والخونة من الشعب السوري لما نجحت أي دولة بشن هكذا حرب مدمرة على الدولة والشعب، ومهما طالت الحرب فلا بد أن تنتصر الشعوب على الاحتلال والمعتدين، والأمثلة كثيرة في التاريخ، فبعد أن تم تدمير ألمانيا وتقسيمها إلى شرقية وغربية في الحرب العالمية الثانية، نهضت الألمانيتين وأصبحتا مثلا يحتذى به في العلم والصناعة والاقتصاد والحضارة، وكذلك اليابان التي ألقت عليها الولايات المتحدة قنابل نووية نهضت من تحت الأنقاض وأصبحت من أوائل الدول المتقدمة بكل شي، ولا ننسى فيتنام التي انتصرت على الولايات المتحدة واصبحت من نمور آسيا في الصناعة، وأخيرا لا بد من التذكير بالاتحاد السوفييتي الذي دفع ثمن الانتصار على النازية أكثر من 28 مليون إنسان، وأصبح دولة عظمى ونووية والأول في علوم كثيرة وعلى رأسها علوم الفضاء، وأصبحت مدينتا لينينغراد وستالين غراد اللتين دمرهما جيش هتلر بعد الجرب من أجمل مدن العالم.

المصدر: سبوتنيك