الأزمة السوريّة بين فيينا وسوتشي.. فهل حان وقت التسوية؟

بالعربي: على رغم حجم التحدّيات والهواجس الجديدة التي خيَّمت على المشهد الإقليميّ العامّ جرّاء إعلان وزير الخارجيّة الأميركيّ ريكس تيلرسون نهار الأربعاء عن أنّ قوّات بلاده تعتزم البقاء في سوريا إلى حين تحريرها من آخِر داعشيٍّ يتواجد فوق أراضيها، وبغضّ النظر عمّا يمكن أن ينجم عن هذا الإعلان من تداعياتٍ وارتداداتٍ سلبيّةٍ على الأوضاع الميدانيّة التي اتّخذَت في الآونة الأخيرة منحى تصعيديًّا خطيرًا على جبهات القتال، وخصوصًا إثر اشتداد حمأة عمليّات الجيش التركيّ في عفرين، فإنّ أكثر ما يبدو لافتًا في ضوء كافّة هذه التطوّرات المتسارعة يتمثَّل في أنّ وتيرة الجهود الديبلوماسيّة المبذولة من أجل وضع الإطار الخاصّ بالتسوية السياسيّة المرجوّة تشهد بدورها تسارُعًا ملحوظًا أيضًا، الأمر الذي تجلّى خلال الساعات الأربع والعشرين الماضية على إيقاع حدثيْن بارزيْن، أوّلهما يتعلَّق بالدعوة التي وجَّهها المبعوث الأمميّ ستيفان دي ميستورا لكلٍّ من النظام والمعارَضة في سوريا بخصوص “الاجتماع العاجل” المزمَع عقده في فيينا يوميْ الخامس والعشرين والسادس والعشرين من الشهر الجاري، وثانيهما يرتكز على “رمزيّة” إعلان السفير الروسيّ في واشنطن أناتولي أنطونوف عن أنّ بلاده وجَّهت دعواتٍ للدول دائمة العضويّة في مجلس الأمن الدوليّ، بمن فيها الولايات المتّحدة الأميركيّة، من أجل المشاركة “بصفة مراقبين” في مؤتمر الحوار الوطنيّ السوريّ المقرَّر عقده في سوتشي يوم الثلاثين من الشهر الجاري، وهي الدعوات التي تعني في سياق ما تعنيه أنّ هذه الدول لن تكون فاعِلةً بأيِّ شكلٍ من الأشكال بين أروقة المؤتمر المذكور، وذلك على النقيض تمامًا لما يُتوقَّع أن يصل إليه مستوى فاعليّة الدول الضامنة الثلاث، وفقًا لمرجعيّة أستانا، أيْ روسيا وتركيا وإيران.

لا شكّ في أنّ إرهاصات هذا المشهد إنْ دلَّت إلى شيء، فهي تدلُّ إلى أنّ ثمّة سباقًا تنافسيًّا بامتيازٍ يجري في هذه الأثناء بين مشروعيْن مختلِفيْن ومتعارِضيْن حول تحديد مسارات الأزمة السوريّة، وما إذا كان ينبغي توجيه قطار هذه الأزمة صوب مفترقٍ جديدٍ أم وضعه على سكّة التسوية السياسيّة النهائيّة، ولا سيّما بعدما أصبح في حُكم المؤكَّد أنّ وصول الجولة الثامنة من مفاوضات جنيف الشهر الماضي إلى طريقٍ مسدودٍ يعني بوضوحٍ أنّ الجهود الأمميّة المتواصِلة منذ قرابةَ الخمس سنواتٍ عادت إلى نقطة الصفر، وبالتالي أنّ الأزمة آخِذةٌ بالتفاقم والتشعُّب، خلافًا لما تؤشِّر إليه النجاحات السياسيّة والعسكريّة التي جاءت ثمرةً للجهود الروسيّة – التركيّة – الإيرانيّة المشترَكة في أستانا خلال أقلّ من عاميْن.

من هنا، يُصبح في الإمكان تفهُّم الأسباب التي دفعت دي ميستورا إلى الإصرار على استباق موعد انعقاد مؤتمر سوتشي بالدعوة إلى اجتماعه العاجل في فيينا، حتّى ولو كان يعلَم مسبَقًا أنّ حظوظه في إمكانيّة تحقيق أيِّ تقدُّمٍ عمليٍّ لا تزال محدودةً جدًّا، وخصوصًا إذا أخذنا في الاعتبار أنّ التصريحات الأخيرة الصادرة عن قيادات المعارَضة السوريّة لم تحمِل في سياقها لغاية الآن سوى الدلالة تلو الأخرى على أنّ المسار التفاوضيّ عاد بالفعل إلى نقطة

الصفر، ناهيك عن أنّ المنظّمة الدوليّة تضع على رأس قائمة أولويّاتها في الوقت الحاليّ مسألة اختبار جهوزيّة إدارة الرئيس بشّار الأسد في مجال الالتزام بالعمليّة السياسيّة، من خلال دفعه على التفاوض من دون شروطٍ مسبَقةٍ على التعديلات الواجب إدخالها على الدستور من أجل بدء المرحلة الانتقاليّة وتطبيق قرار مجلس الأمن رقم 2254 كاملًا، الأمر الذي يبدو أنّ التوصُّل إليه في غضون الأيّام القليلة المقبلة لا يزال صعبًا ومعقَّدًا.

وإذا كانت الأمم المتّحدة لم تفوِّت مؤخَّرًا أيَّ فرصةٍ إلّا وحاولت فيها اختبار جهوزيّة الجانب الروسيّ في مجال الضغط على النظام السوريّ لحثِّه على الالتزام بالعمليّة السياسيّة، من دون الأخذ في الاعتبار أنّ روسيا لم تفوِّت بدورها أيَّ فرصةٍ إلّا وأكَّدت فيها للعالم بأسره على أنّ الجهود التي تبذلها، سواءٌ في أستانا أم في سوتشي، لا تشكِّل بديلًا لمفاوضات جنيف بقدر ما تشكِّل تمهيدًا من شأنه توفير الشروط اللازمة لنجاحها في المستقبل القريب، فأغلب الظنّ أنّ اجتماع فيينا الأسبوع المقبل لن يُقدَّر له أن يكون أكثر أو أقلّ من مجرَّد بالونِ اختبارٍ أمميٍّ فارغٍ من أيِّ مضمونٍ جدّيٍّ، على شاكلة بالونات السنوات الخمس الماضية، بينما ستتركَّز الأنظار في الموازاة بكلِّ تأكيدٍ على ما يُتوقَّع أن يتصاعد مع بالونات سوتشي من دخانٍ أبيضَ يؤشِّر إلى غدٍ سوريٍّ لا بدَّ من أن يكون في مختلف الأحوال والظروف أكثر إشراقًا.. وحسبي أنّ تجارب العاميْن الماضييْن تبدو كافيةً في الوقت الحاليّ للتأكيد على أنّ اللاعب الروسيّ سيبذل على مدى الأيّام المقبلة قصارى جهده للحيلولة دون ضياع فرصةٍ ذهبيّةٍ من هذا النوع على السوريّين.. وما على العالم إلّا الترقُّب والانتظار.