هل عادت تركيا لموقعها في قلب العالم الإسلامي عبر حماقة ترامب؟

بالعربي: طرحت صحيفه "رأي اليوم" في مقالها الافتتاحي اسئلة حول قرار الرئيس الاميركي بشان القدس وموقف تركيا حياله. وتساءلت الصحيقة انه "هل عادت تركيا إلى مَوقِعها في قَلبْ العالم الإسلاميّ عَبرَ حَماقةِ ترامب؟ ولماذا نَعتقد أن مِن حَق الرّئيس أردوغان أن يُعطي دُروسًا في الأخلاق لنتنياهو:؟.

وهذا ما جاء في المقال ..

يشن بنيامين نتنياهو رئيس وزراء دَولة الاحتلال حَربًا شَرِسةً هذهِ الأيّام ضِد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بسبب تَهديدِه بقَطع العلاقات مع تل أبيب ووصْفِه الکیان الصهیوني بدولةِ الإرهاب التي تَقتُل الأطفال في فِلسطين المُحتلّة، وتَعهّدِه بالتصدّي لقرارِ ترامب بالاعتراف بالقُدس المُحتلّة عاصمةَ للکیان الصهیوني.

العلاقات التركيّة "الإسرائيليّة" تَدهورت بشَكلٍ كبيرٍ مُنذ إقدام الرئيس أردوغان على تَبنّي قضيّة رَفع الحِصار الخانق على قِطاع غزّة، وإرسالِ قافلةِ سُفنِ مَرمرة لكَسر هذا الحِصار والعُدوان الصهیوني على هذهِ القافلة في عَرضْ البحر، وقَتل عَشرةٍ من رُكّابِها استشهدوا في مُواجهتِهم البطوليّة مع قوّات الكوماندوز "الإسرائيليّة" التي اقتحمت السّفن، وارتكبت مَجزرةً عام 2010.

نتنياهو تَطاول على الرئيس التّركي بشَكلٍ يَخرجُ عن كُل الأعراف الدوليّة والدبلوماسيّة عندما قال بكُل فجاجةٍ ووقاحة “لن نَقبل دُروسًا في الأخلاق من مَسؤولٍ يَقصف قُرىً كُرديّةً في تركيا، ويَسجِن الصّحافيين، ويُساعد إيران للالتفاف على العُقوبات الدوليّة، ويُساعد الإرهابيين في قِطاع غزّة”.

نَفهم أن تَصدُر هذهِ الاتهامات عن رئيس وزراء دولة مثل السويد أو سويسرا، لكن أن تَصدُر عن رئيس وزراء دولة الاحتلال التي اعتدت على قِطاع غزّة ثلاث مَرّات، وقَتلت أكثر من سِتّة آلاف من أبنائه، مُعظمهم من الأطفال والنّساء، كما شَنّت حُروبًا على لبنان، وارتكبت مَجزرتين في قرية قانا وَحدِها في جَنوبه، وتأسّست، أي دولة الاحتلال، على أرضٍ فِلسطينيّةٍ مُغتصبة.

الکیان الصهیوني هو الدّولة الأكثر حاجةً في العالم إلى تَلقّي الدروس في القِيم والأخلاق ليس من قِبَل أردوغان فقط، وإنّما من كُل طِفلٍ تُركيٍّ وعَربيٍّ ومُسلم لأنّها دولةٌ عَديمة الأخلاق، وتُمارس أبشعَ أنواعِ العُنصريّة وتَرتكب المَجازِر.

الرئيس أردوغان كان زعيمًا يُوضع في خانة الأصدقاء المُقرّبين للکیان الصهیوني في السّنوات الثّماني الأولى لتولّيه السّلطة، ولكن الحال تغيّر كُليًّا تمامًا عندما بدأ يُركّز اهتمامه على الحِصار غير الأخلاقي، وغير الإنساني، على قِطاع غَزّة، وتَحوّل إلى عَدوٍّ شَرِسٍ عندما تَعهّد بالنّضال بكُل الطّرق والوسائل في مُواجهةِ اعتراف الولايات المتحدة بتهويدِ مدينة القدس المُحتلّة، ونَقل السفارة الأمريكيّة إليها، ووَصف الکیان الصهیوني بأنّها دولةٌ إرهابيّة قاتلة للأطفال، ودَعا إلى اجتماعٍ لمُنظّمة التّعاون الإسلاميّ في أنقرة لحَشد الدّول الإسلاميّة وشُعوبِها ضِد هذا القَرار الأمريكيّ العُنصريّ العُدوانيّ المُعادي للإسلام والمُسلمين.

اختلفنا في هذهِ الصّحيفة “رأي اليوم” مع الرئيس أردوغان في مَلفّاتٍ عديدةٍ من بَينها المَلف السّوري، ومَلف حُقوق الإنسان، ولكنّنا نتّفق معه في وَقفته المُشرّفة هذهِ ضِد القرار الأمريكي الجائر الذي يُشكّل إهانةً للمُسلمين، وهي وَقفة تأتي في وَقتٍ تتواطأ حُكومات عربيّة تُمثّل دُولاً مَركزيّةً كُبرى مع هذهِ الإهانة، وتُعطي الضّوء الأخضر للرئيس ترامب للمُضي قُدمًا بِها، وتُواصل التّطبيع مع الکیان الصهیوني باعتبارها حَليفًا صَديقًا يُمكن الاعتماد عليه، وتَضغط على الفِلسطينيين للقُبول ببلدة “أبو ديس″ كعاصمةٍ للدّولة الفِلسطينيّة الوهميّة والمَسخ التي يَتردّد أنّها ستكون جُزءًا من الصّفقة الكُبرى.

من حَق الرئيس أردوغان الذي يُدافع عن الهويّة العَربيّة والإسلاميّة للقُدس المُحتلّة أن يُعطي دُروسًا في الأخلاق والقِيم لنتنياهو وكل النّخب السياسيّة الإسرائيليّة الحاكمة، لأنّهم باتوا يُمثّلون دولةً إرهابيّةً عُنصريّة تُحاول تغيير التّاريخ، وتَفرض روايتها المُزوّرة بالقوّة، وخَلق وقائعَ جديدةً على الأرض.

من القُدس المُحتلّة ستَنطلق شرارة التّغيير والتّصويب مَعًا، ولا يَسعنا إلا أن نَشكر الرئيس ترامب الذي لَعِبَ دَورًا كبيرًا، بقراره العُنصري الأحمق المُنطَلِق من العَداء للإسلام والمُسلمين، بالاعتراف بالقُدس عاصمةً لدَولة الإرهاب، في إطلاقِها وإعادة العالمين العَربيّ والإسلاميّ إلى رُشدِهما، وتَحريك دِماء الكرامة في عُروقِهما، التي تَصلّبت وجَفت في السّنواتِ الأخيرة بسبب الإذعان والغَرق في وَهمْ السّلام المَغشوش، والإذعان لأمريكا.