الفتيل اللبناني يخرج من مكمنه

بالعربي-كتب- عبد الستار قاسم:

على حين غرة، وبصورة مفاجئة يعلن سعد الحريري رئيس وزراء لبنان استقالته من رئاسة الوزراء من الرياض متجاوزاً بذلك  الأعراف الوطنية. لقد حاز الحريري على إجماع وطني لبناني لأن الأطراف اللبنانية المتنافسة أرادت جميعها تهدئة الأوضاع والنفوس في لبنان والالتفات إلى مصالح المواطنين وإعادة ترتيب الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية. لبنان متعب من المناكفات والمخاصمات الحزبية والطائفية، وهو بحاجة إلى فترة نقاهة واسترخاء. وقد فرح العرب جميعاً بإجماع اللبنانيين على انتخاب رئيس للجمهورية واختيار رئيس للوزراء. لكن الحريري فاجأ الجميع، وكأنه يريد قطع إجازة اللبنانيين من التوتر، ليعيد الأوضاع إلى سابق عهدها وربما إلى ما هو أسوأ.

توقع العديد من المثقفين والمفكرين العرب بأن انتصار العراق وسوريا في ميادين المعارك ضد داعش لن يكون نهاية المطاف، وأن الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة بالتعاون مع بلدان عربية ستعمل على صناعة هموم ومشاكل جديدة من أجل الاستمرار في استنزاف العرب من ناحيتي النفوس والمقدرات المادية. لقد عملوا على إثارة النزعة الكردية في العراق، لكن صبر الحكومة العراقية وهدوءها نزعا الفتيل وهدأت الأمور في شمال العراق. ولولا هذا الهدوء لغرقت المنطقة بمشكلة جديدة قد تكون دموية في عدة دول عربية وإسلامية. وإثر فشلهم في استغلال المشكلة الكردية، توجهوا من جديد إلى الملف اللبناني لإثارته وإثارة المنطقة العربية الإسلامية برمتها. لقد حاولوا جاهدين في السابق إثارة النزعات الطائفية في لبنان، وعملوا على إشعال فتيل الاقتتال الداخلي الدموي، لكن وعي عدد من الفئات السياسية اللبنانية وعلى رأسها حزب الله رفض مقابلة الاستفزاز بالاستفزاز وفضل كظم الغيظ على الانجرار. ظن الغرب ومعه بعض العرب أن فتنة طائفية في لبنان ستؤدي إلى انتشارها إلى بقاع عربية وإسلامية أخرى، فينشغل الجميع بها، وتبقى أميركا والكيان الصهيوني على كراسي المتفرجين في الملعب. أحبط حزب الله هذا الظنون، وساهم في إحباطها في أماكن أخرى.

الفتنة الطائفية في لبنان خطيرة جداً و قد تؤدي، إن حصلت، إلى دمار لبنان وخرابه، وسيدفع الشعب اللبناني ثمناً باهظاً من الدماء والنفوس.

لم يكن الحريري حريصاً على مصلحة لبنان في إعلان استقالته بخاصة أنه أعلنها من السعودية وهي عملت على خراب سوريا والعراق واليمن، وربما تتطلع إلى خراب لبنان، وجر إيران إلى حرب جديدة مع العرب. وإيران لن تخسر أي حرب مع العرب، لكن طاقاتها ومقدراتها ستستنزف مثلما ستستنزف طاقات ومقدرات العرب. الجميع سيعاني خسارة هائلة، والشعوب في النهاية هي التي تعاني.

عملت الدول الاستعمارية ودول خليجية على تقطيع أوصال إيران منذ عام 1979 وفشلت، ولا أظن أن السعودية تستطيع مجابهة إيران عسكرياً، أو دول الخليج مجتمعة. و أي انجرار للاستفزاز سيكلف لبنان واللبنانيين غالياً، وستستغله السعودية والولايات المتحدة من أجل الإبقاء على دوامة الصراعات الدموية في المنطقة. والهدف في النهاية هو مصلحة الكيان الصهيوني.