الحريري في الرياض... يستقيل من منصبه في لبنان !

بالعربي- كتبت- ثريا عاصي:

عندما يزعم الوزير السعودي ثامر السبهان أن رئيس الحكومة اللبنانية السيد سعد الحريري الذي قرأ من مدينة الرياض، عاصمة آل سعود، بياناً عبر وسائل إعلام سعودية ضمنه قرار إستقالته من منصبه كرئيس للحكومة اللبنانية بالإضافة إلى إعلان إنخراطه الكامل في «الحروب» السعودية، في اليمن والعراق وسورية ولبنان، بحجة تطهير هذه البلدان من المقاومة الإسلامية اللبنانية ومن حلفائها الإيرانيين، إنما أراد بحسب هذا الوزير، أن يبلغ اللبنانيين موقفاً نابعاً من قرارة نفسه، أملاه عليه الضمير والمسؤولية ولم تتح له الظروف الأمنية المجاهرة به في لبنان، عندما يقدم الوزير السعودي السبهان مثل هذه السردية لما جرى أو يجري لرئيس الحكومة اللبنانية الذي استدعي إلى السعودية مرتين خلال مدة لا تتجاوز أياماً قليلة، يحق لنا أن لا نصدقه وأن ننعت الوزير المذكور بالكيّاد الذي يواصل مفاقمة الأوضاع في بلادنا تبعاً للنهج الذي يسلكه السعوديون منذ أن مالت شمس العروبة غرباً ! ذلك عن طريق فرض أسلوب في العلاقات السياسية ميزته الكذب والخداع وشراء الضمائر والتنكر للمبادئ والدوس على القيم وتجارة الدين والخيانة.

ولكننا في لبنان لم نكن بحاجة، لا للوزير السعودي ولا للأمير ولا للذين نالوا لقب المشيخة السعودية حين كان دخان حرائق هزائمنا يعمي العيون. فلقد كان بديهياً أن اللبنانيين الذين يتعاركون أحياناً مذهبياً وطائفياً، انما يتخذون مؤقتاً في الواقع من المذاهب والطوائف، عباءات وأقنعة، يظنون أنها تساعدهم على إجتياز أزمة كمثل الأزمات الكثيرة التي يقعون فيها بين الفينة والفينة، كأنهم يتلهون بإفتعال الأزمات وبالتفنن في الخروج منها بمعاونة أطراف خارجية وبمساعدات هذه الأطراف طبعاً.

مجمل القول أن السعـوديين لم يفهموا على الأرجح حقيقة اللعبة اللبــنانية. فلا حرج في القول أن اللبنــانيين ليســوا طائفـيين أو مذهبيين، إلا في الأوقات التي يتعطل فيها العمل السياسي، او التي يصير فيها هذا العمل عقيماً لا فائدة منه عندئذ يعودون إلى اللعبة الطائفية ويفتحون باب المراهنات والمضاربات... اللبنانيون الذين وجد بينهم أشخاص، من كل الطوائف والمذاهب، إعتنقوا الأفكار السياسية والإجتماعية الحديثة، وناضلوا من أجل التحرر الوطني والقومي ومن أجل رفعة وتقدم المجتمع الوطني ومن أجل العدالة الإجتماعية والمساواة بين الناس ورفض التمييز على أساس المعتقد الديني والعرق، هؤلاء اللبنانيون لا يتبعون وزيراً سعودياً ولا أميراً ولا ملكا ولا شيخاً.

وفي مختلف الأحوال فإن المشكلة في لبنان ليست مع السعوديين، وانما هي مع الذين جندهم السعوديون في الحرب الأميركية ـ الإسرائيلية التي انطلقت في الواقع منذ الخمسينيات، والعدوان الثلاثي على مصر، حتى لا تتكرر حرب التحرير الجزائرية في المشرق العربي. ولكن الخوض في هذه المسألة طويل، لا سيما أن ذاكرة الناس في بلدان العرب ضعيفة جداً، او لعلها ممنوعة ومحرمة!

إن الفعل الذي أقدم عليه السيد رئيس الوزراء اللبناني اليوم، في الرياض، في بلاد هي من حيث المبدأ ليست بلاده، هو بالمعيار الوطني خطير جداً. بكلام أكثر وضوحاً وصراحة غلّب السيد سعد الحريري، مصلحة السعوديين على مصلحة لبنان رغم كونه رئيساً للوزراء، بحيث لا نبالغ في القول أن الملك السعودي أو ولي عهده، أصدر فرماناً ملكياً يقضي بحل الحكومة اللبنانية ! أين السيادة، أين الإستقلال، أين الدولة الوطنية، أين المؤسسات الدستورية؟

لا شك في أن هذا المعطى المتمثل بالتمدد السعودي إلى لبنان واستلاب السُلطة، أو جزء منها، هو وجه من أوجه المأزق اللبناني الناتج عن رهن البلاد. من الذين رهنوا البلاد؟ ومن هم الذين إرتهنوها؟ فحرموا اللبنانيين من التوافق في ما بينهم على قواعد تنظم عيشهم المشترك في مجتمع وطني. هذه أيضاً مسألة كبيرة ورئيسية أمام اللبنانيين.
يبقى أن نحاول في إطار هذه المقاربة البحث عن الأسباب الكامنة وراء هذه التطورات الدرامية التي أرادها في ظاهر الأمر السعوديون في لبنان. بتعبير آخر ما هي مبررات البغضاء والعداوة الشديدة التي يضمرها السعوديون للمقاومة الإسلامية في لبنان، هذا من ناحية، أما من ناحية أخرى كيف نفسر توافق السعوديين والمستعمرين الإسرائيليين والأميركيين وحلفائهم الأوروبيين على موقف واحد تجاه هذه المقاومة؟

من البديهي أن إيفاء هذا الموضوع حقه يتطلب تفاصيل لن يتسع لها هذا المقال. لذا نكتفي بالقول أن الفرضية التي تخطر بالبال  بادئ ذي بدء هي تطوع السعوديين بإعاقة الجهود التي تبذل في لبنان من أجل إعادة إحياء الدولة الوطنية وذلك خوفاً من أن تــكون هذه الأخيرة نتيجة إندماج فعلي بين مكونان المجتمع اللبناني، فتأتي على نسق الدولة الوطنية العادية بمــفهومها التـضامني والتشاركي ثقافياً وإقتصادياً ودفاعياً واستقلالاً وسيادة. ذلك إنطلاقاً من موقف السعوديين المــعاكس للدولة الوطنية العربية التي تتعارض طبعاً كنموذج مع مملكتهم. أما الفرضية الثانية التي تستحق أن نطرحها في سياق هذه المقاربة لاستقالة السيد سعد الحريري من منصب رئيس الوزراء، من الرياض، التي ليس مستبعداً أن يكون أجبر على إعلانها، فهي شل مؤسسات الدولة والحكومة بوجه خاص، تمهيداً لحرب في لبنان ضد المقاومة الإسلامية. أي فرض حرب على لبنان بعد حل الحكومة بما هي مؤسسة دستورية شرعية، تعمل بإشراف رئيس الجمهورية وبدعم من أكثرية نيابية، حفاظاً على الناس وعلى البلاد!