خريف الغضب

بالعربي- كتبت- ثريا عاصي:

بالإذن من الأستاذ الكبير محمد حسنين  هيكل  الذي كتب "خريف الغضب" عن الرئيس المصري الأسبق أنور السادات الذي  أُغتيل في خريف 1981 في 6  أوكتوبر، لقد خطر هذا العنوان بالبال  أمام كثافة الأحداث التي تتدافع كالسيل منذ استهلال شهر أوكتوبر الجاري فكأننا على أبواب خريف عاصف هائج ! بسبب استمرار الحرب على سورية ولكن طرأ على هذه الأخيرة بحسب ظني بعض المتغيرات والتحولات التي يبدو انها جمّدت جبهات القتال، بمعنى أن الحركة صارت صعبة، فتسمر أو يكاد كل فريق في مكانه .

من الطبيعي أن لا أخوض في مجال العسكر، فأكتفي بوصف المشهد العسكري كما أتخيله إستناداً إلى الأخبار التي تردنا عبر وسائل الإعلام . وهنا تحسن الملاظة إلى أن  "ثورياً" سورياً بارزاً، يعيش في باريس، أغلب الظن على نفقة "الثورة"، كشف عن ندمه وحزنه على انخراطه في "الثورة" السورية، التي يعتبر أن 99 بالمئة من ثوارها  "زعران كذابين وسرسرية ولصوص"، الكلام له . أما مناسبة غضبه أشد الغضب فهي إتهامه "بالخيانة" بسبب زيارته إلى الولايات المتحدة الأميركية، حيث قابل بمعية "ثوري" سوري آخر، إسمه معاذ الخطيب، أعتقد أنه رجل دين  إسلامي، مسؤولين في وزارة الخارجية الأميركية وأعضاء في الكونغرس الأميركي . بكلام صريح وواضح لا يجد السيد ميشال كيلو تعارضاً بين "ثوريته" من جهة وبين علاقته مع مسؤوليين في الإدارة الأميركية من جهة ثانية، هذا بالنسبة للسيد ميشيل كيلو، أما فيما يتعلق بتردد الشيخ معاذ الخطيب على الدوائر الرسمية الأميركية، فتلك مصيبة أعظم . الغريب في هذه المسألة أن رجوع السيد كيلو إلى "أصدقائه" الأميركيين لا يمنعه من دعوة "الثوار" السوريين في مداخلاته، إلى الإقتداء بنموذج الثورة  الصينية الماوية . حقاً أن ثورية ثوار العرب في هذا الزمان تتبع نهجاً مخالفاً للمنطق !

أصل إلى المشهد العسكري على الساحة السورية فأقتضب وأقول أن ما يميز هذا المشهد بحسب مراقب عادي هو وجود ثلاث جبهات رئيسية  :

ـ الأولى هي جبهة أدلب التي تجمع فيها  مقاتلو الإرهاب الإسلامي، للتذكير أن  الإرهاب الإسلامي مصطلح أميركي يعود ظهوره إلى حرب أفغانستان، الذين تم إخلاءهم من عدة جبهات كانت منتشرة على التراب السوري . أعتقد  أن جماعات  "فتح الشام" تمثل في إدلب الجهة الأقوى (فتح الشام سابقا جبهة النصرة، هي فرع القاعدة في سورية) .  يبدو أن هذه الجماعات تعمل وتتحرك تحت الوصاية التركية . نشير هنا إلى أن الشمال السوري، بين عفرين والحسكة واقع تحت سلطة حزب كردي (ميليشا صالح مسلم) متعاون مع الولايات المتحدة في تشكيل "قوات سورية الديمقراطية".

ـ الجبهة الثانية، تقع في الشرق، بين تدمر ودير الوزر . أغلب الظن أن الجماعات التي تخوض الحرب على سورية في هذه الجبهة، إنما تقاتل تحت إسم "داعش" ووصاية الولايات المتحدة الأميركية، التي بسطت سيطرتها على منطقة الجزيرة السورية بواسطة ميليشيات كردية تسمت "قوات سورية الديمقراطية" (قسد)، ونقلت كما يبدو  جماعات "داعش" إلى دير الزور بقصد منع الجيش العربي السوري من الوصول إلى الرقة والإنتشار شرقي الفرات .

ـ وأخيراً جبهة الجنوب، في محيط درعا،  عدد كبير  من جماعات "الإرهاب الإسلامي" (20000 ألفا) تحت وصاية  الأردن بالتوافق مع السعوديين والولايات المتحدة الأميركية  .

مجمل القول أننا في سورية حيال احتلال تركي في إدلب وإحتلال أميركي في الجزيرة، وربما في منطقة التنف أيضاً، بالإضافة طبعاً للإحتلال في الجولان . لا شك في أن هذا الوضع يتعدى  الأزمة السورية  ـ السورية، إلى مسألة  تحرير الأرض من إحتلال أجنبي . وإليه مرد تحول الحرب من وجهة نظري إلى حرب مواقع وإلى جمود الجبهات، ريثما تتصاعد المقاومة الشعبية في المناطق المحتلة، نتيجة دعم الوطن الأم لهذه المقاومة حتى يقتنع االتركي والأميركي و"الإسرائيلي" أنهم لا يستطيعون إحتلال هذه المناطق إلى ما لا نهاية . من البديهي أن الموضع هنا لا يتسع لمقاربة مسألة الإحتلال ودور الدولة والجماهير  الشعبية الوطنية في مواجهته . 

يبقى أن نتوقف في مقاربتنا هذه للأوضاع السورية أمام الإعترافات التى أدلى بها  الشيخ حمد بن جاسم رئيس الوزراء القطري السابق، عن الدور الذي توكلت به  الطغمة الحاكمة في قطر،  في سورية، من جانب الولايات المتحدة الأميركية والدول الإقليمية والأوروبية المتعاونة معها .  فمما قاله أن قطر كانت تمول جماعات الإرهاب الإسلامي في سورية عبر تركيا، وبالتنسيق مع  السعودية، الأردن والإمارات وتركيا، من خلال غرفة عمليات  في قاعدة أنجيرليك الأميركية، تحت إشراف ضباط مخابرات أميركيين، اتراك، من قطر، من المغرب، من الأردن، من "إسرائيل"، فرنسا وبريطانيا . وأضاف أيضاً  أن غرفة عمليات مماثلة كانت  تدير هذه الحرب من الأردن من مدينة إربد، في قاعدة الحسين الجوية، وكان يعمل فيها  ضباط مخابرات من نفس الدول التي أشرنا إليها أعلاه .

وفي السياق نفسه، ليس صحيحاً، إستناداً  إلى كلام المسؤول القطري، أن لبنان الرسمي التزم  موقفاً حيادياً من الأزمة السورية، والدليل على ذلك ان رئيس الوزراء اللبناني السيد سعد الحريري  تدخل بقوة في سورية، وكان له ممثلية  لهذه الغاية في مدينة غازي عنتاب  التركية بإدارة النائب اللبناني عقاب صقر  .  وأغلب الظن ان رئيس الوزراء السيد نجيب ميقاتي أبدى نفس النشاط أيضاً ضد الدولة السورية بمعاونة مدير  قوى الأمن الداخلي السيد أشرف ريفي ! هذه كل الحكاية .