اربعة تطورات رئيسية في المشهد السوري تؤكد الانتهاء الوشيك للازمة..

بالعربي- كتب عبد الباري عطوان: 

سورية تتغير.. سورية تتعافى.. سورية تخرج من عنق الزجاجة.. وبدأت تداوي جروحها بعد سبع سنوات صعبة ومؤلمة، عداد القتل والدمار فيها بات يتثاءب، ويوشك على التوقف، وبعض اللاجئين بدأوا يعودون الى مدنهم وقراهم، سواء كزائرين، او لترميم البيوت، ونصب مأوى البقاء على انقاضها هربا من “برودة” الاغتراب ومعاناته، وظلم ذوي القربى، واهاناتهم احيانا اخرى.

اربعة تطورات رئيسية طرأت على المشهد السوري في الايام القليلة الماضية، يمكن ان تحدد ملامح التعافي هذه، والصورة التي يمكن ان تكون عليها “سورية الجديدة” التي ستخرج من بين انقاض الحرب وسفك الدماء الزكية الطاهرة:

الاول: استعادة الجيش العربي السوري بمساعدة حلفائه الروس ومقاتلي “حزب الله” مدينة “الميادين”، آخر ابرز معاقل تنظيم “الدولة الاسلامية”، او “داعش”، في محافظة دير الزور، بحيث لم تبق لها اي موضع قدم في الشرق غير مدينة البوكمال على الحدود مع العراق.

الثاني: خروج معظم المقاتلين السوريين التابعين لـ”الدولة الاسلامية” من مدينة الرقة في حافلات خضر الى آخر مواقع “دولتهم” شرق الفرات بعد وساطة لقيادات محلية لحقن الدماء، ولم تبق في المدينة التي اقتحمتها قوات سورية الديمقراطية (قسد) غير جيوب يتمركز فيها المقاتلون الاجانب الذين تم استثناؤهم من التسوية، ويريدون القتال حتى الموت، بعد ان جرى اغلاق كل الخيارات الاخرى امامهم.

الثالث: تجاوب “الادارة الذاتية” الكردية في مناطق شمال شرق سورية مع المبادرة التي طرحها السيد وليد المعلم، نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية السورية، قبل ايام اثناء زيارته لموسكو، وتضمنت عرضا بالتفاوض على انشاء حكم ذاتي داخل اطار الدولة السورية بعد القضاء على تنظيم “الدولة الاسلامية”.

الرابع: مطالبة السلطات السورية نظيرتها التركية بسحب جميع قواتها من منطقة ادلب، مما يعني انها لن تقبل مطلقا بوجود اي قوات اجنبية على اراضيها، هذه المبادرة السورية الرسمية، ورد الفعل الكردي الايجابي عليها، يعكسان تبلور ملامح سورية المستقبل، سورية الجديدة، التي ترتكز اسس قيامها على التعددية السياسية والعرقية في اطار مبدأ الشراكة والتعايش، واعتماد الحل السياسي والحوار كحل وحيد للازمة للوصول الى الديمقراطية الحقة التي يتطلع اليها الشعب السوري بمختلف توجهاته.

عندما تطالب السلطات السورية بإنسحاب القوات التركية من محافظة ادلب، بعد ايام من الصمت، اعتقد البعض انه دليل الموافقة، فإن هذا يعني ان هذه السلطات تشعر بالثقة بالنفس وبقدراتها العسكرية اكثر من اي وقت مضى، ولن تقبل بوجود اي قوات اجنبية على اراضيها ودون اذن منها، وتشعر بالريبة تجاه النوايا التركية، خاصة ان هذه القوات دخلت بالتفاهم والتنسيق مع قوات “هيئة تحرير الشام” او “النصرة” سابقا، المصنفة على قائمة “الارهاب”، ودون اطلاق رصاصة واحدة.

هذا التعافي المتسارع على ارضية الحفاظ على الوحدة الترابية السورية، واستعادة الجيش السوري السيادة على مختلف انحاء البلاد، سيؤسس حتما للمصالحة الوطنية والانطلاق في مسيرة الاعمار، بشقيه الانساني والمادي.

الشعب السوري، او الغالبية منه، استوعب الدورس المستخلصة من تجربة السنوات السبع الماضية، وابرزها الوعي بالمشروع الامريكي التدميري لوطنه، واستخدامه، او البعض من ابنائه، كأداة لانجاح هذا المشروع.

التفاف الشعب السوري، او غالبيته الساحقة، خلف منتخب بلادهم الذي تفوق في تصفيات كأس العالم الكروية، رغم ظروفه الصعبة، ولعبه خارج ارضه بعيدا عن جماهيره، من دون الفرق الاخرى، هذا الالتفاق له معنى رمزي لهم، ويؤكد لنا مجددا ان هذا الشعب السوري العظيم، صاحب الارث الحضاري الضخم، يستحق الحياة، الحياة الكريمة على ارض بلاده، وهو اهل لها، وقادر على النهوض مجددا، وفي زمن قياسي.

نعم.. سورية تتعافى.. نعم سورية تتغير.. نعم الجزء الاكبر من المؤامرة يتكسر على ارضية الصمود.. والحقائق على الارض واضحة للعيان ولا تكذب.