لو كان غيفارا في زمن نصر الله!

بالعربي- كتب قاسم عزالدين:

بحثاً عن تحرر الإنسان في كل مكان والعدالة بين البشر، ثار أرنستو تشي غيفارا في أرض مولده الأرجنتين صبياً لم يتجاوز العاشرة من عمره. فالحرب التي كانت رحاها تدور في إسبانيا في العام 1937، اتخذت طابع خط الجبهة العالمية على ضفتين متقابلتين بين الفاشية وبين المقاومة. فشحذت الجرائم التي ارتكبها تدخل القوى الدولية الغربية في دعم فرانكو، نقمته على الدول الأخرى التي لم تجد مصلحة لها في التدخل للدفاع عن الجمهورية الديمقراطية وإنقاذ الأرواح، بذريعة أنها خلف حدودها.

تربّت ثورته ضد الظلم الرأسمالي يافعاً على قراءات أم الكتب الأدبية لتولستوي في "الحرب والسلم" ولمكسيم غوركي "أهل الحضيض" وغيرها كثير في الأدب اللاتيني. لكن عزيمة تشي غيفارا ضد المنظومة الإمبريالية وضد طوق الحدود على الدول عززت إرادته في الثورة العالمية، عندما كان وزيراً للصناعة في الثورة الكوبية في مفاوضات بيع السكر الكوبي إلى الاتحاد السوفييتي. فوجد أن الإمبريالية الأميركية هي التي تحدّد أسعار السكر وأسعار كل شيء في السوق الدولية وهي في كل مكان حضوراً مباشراً أو بالوكالة "حرصاً على السلم والاستقرار العالمييْن"، كما تلتزم الدول المنافسة للولايات المتحدة من دون أن تتجاوز الخطوط الحمراء الأميركية.

نحن لا نشعر بهذا السلم والاستقرار الذي تتحدثون عنه، كما ردّ غيفارا على السوفييت، ولا يشعر به مئات ملايين في أميركا اللاتينية وباقي المعذبين في الأرض الذين لا يؤمنون قوت يومهم أو حق البقاء بكرامة ولا يملكون غير الدفاع بالثورة والسلاح عن أنفسهم. فهو يقول "كن واقعياً لكي تطلب المستحيل"، وفي الرؤية الواقعية يرى الامبريالية الأميركية والغربية تفرض استبدادها وحروبها على جميع المستضعفين في الكون، كما يقول بالحرف. ولا مناص من توحيد هذه الجهود بين الشعوب سعياً للتحرر الأممي في مواجهة الإمبريالية وعدم التقوقع وراء طوق حدود الدول الآيلة إلى التدجين في مسار منظومة الاضطهاد والاستغلال الدولي. وقال "أينما وُجد الظلم فذاك هو وطني". ففكّر غيفارا في المشاركة في الحرب ضد الولايات المتحدة في فيتنام، وذهب إلى غزة ما أن حطّت قدماه على أرض كوبا المحررة العام 1959.

وربما يستذكره بعض أهل غزة بينهم متأثرين به ينفح بالثورة ضد الذراع الإمبريالية في فلسطين المحتلة. ولعل بينهم القائد في الجبهة الشعبية "غيفارا غزة" (محمد مصلح الأسود) الذي كان شاباً في ربيع العمر وقت الزيارة التي شملت جمال عبد الناصر في القاهرة. وتوطدت العام 1964 في مؤتمر عدم الانحياز إثر انتصار الثورة الجزائرية في انضمام غيفارا إلى "طائفة القديسين" بحسب وصفه للإخوّة مع عبد القادر الجزائري وناصر وباتريس لومامبا وسيمون بوليفار ومالكوم أيكس وأحمد بن بلا وكريم بلقاسم.... إلخ.

تعرّض "الملتحي الكبير" بحسب اللقب المحبّب له، إلى شتّى أنواع التحريض والتشويه من الاستخبارات الغربية وإعلامها ومن معظم أهل الليبرالية الرأسمالية والإصلاحية اليسارية "التنويرية" على السواء، كما يتعرّض السيد حسن نصر الله في مقاومة إسرائيل وفي مواجهة التوحش التكفيري وفي الغابة العالمية بإشراف أميركي وغربي. فالأجهزة الغربية اتهمت غيفارا بأنه "حصان طروادة" للشمولية الشيوعية ولا سيما في دفاعه عن حركات التحرر في أنغولا وفي بوليفيا. وهي تتهم السيد بأنه رأس حربة التوسّع الإيراني والطائفي في المنطقة ولا سيما بعد انتصار المقاومة على العدوان الإسرائيلي وعلى التوحّش الهمجي والأميركي ــ الغربي في المنطقة. كما اتهم "دعاة التنوير" غيفارا بأنه "شمولي مغامر" يخاطر بإثارة الفوضى ويعبث "بالسلام" في رفضه المساومة والمصالحة بين العبد والسيد قبل التحرر من العبودية، وفي كسر القيود والتحرر من طوق الحدود وأقفاص التدجين. وهؤلاء الدعاة يتهمون السيد حسن نصر الله بالمثل في سعيه ما أمكن المقاومة لتوسيع خطوط مواجهة الاحتلال وتعزيز شكيمتها، وفي ملاحقة التوحش الهمجي إلى عقر داره.

من سوء طالع غيفارا أن كثيرين من الذين يعلقون صورته على صدورهم أو ضمائرهم يستخدمونها سبّحة للطقطقة في تشويه صورة المقاومة والسيد حسن نصر الله، نقداً لبعض قواعد المواجهة نفسها التي ثار من أجلها غيفارا. ومن سوء طالعه أكثر أن أعداء غيفارا الأشرس في شركات الدعاية، اتخذوا صورته "ماركة" للبيع في سوق أموال الربح. ومن نكد الدنيا أن غيفارا لم يأتِ في زمن السيد حسن نصر الله. فهو يقول "إن الثوري هو أول من يستيقظ وآخر من ينام"، ولوكان غيفارا في زمن السيّد لكان العالم أكثر اطمئناناً لعين الملتحي الكبير أوالملتحي الأكبر ساهرة على التحرر من ربقة الظلم. فما أن يستيقظ السيد قبل الضحى وصياح الفجر في مشارق الأرض، ينام غيفارا قرير العين في آخر ليالي مغاربها.