لماذا لا تردّ سوريا؟

بالعربي-كتب- زهير أندراوس:

"ما أسهل أنْ تتحدّث عن الشجاعة وأنتَ بعيدًا عن أرض المعركة"، نابليون بونابرت.

حتى اللحظة لم تتجرّا "إسرائيل" على الإعلان رسميًا أوْ بشكلٍ غيرُ مباشرٍ مسؤوليتها عن الضربة العسكريّة التي وجهتها فجر أمس الخميس (07.09.17) لمنشأةٍ عسكريّة سوريّة في مصياف في ريف حماة السوريّ. وهذا التصرّف هو أقّل ما يُقال عنه إنّه جبان، ومُحاولة يائسة وبائسة لتكثيف الضبابيّة، وإطلاق العنان للإعلام العبريّ، المتطوّع، وليس المُجنّد، لصالح ما يُطلق عليه الإجماع القوميّ الصهيونيّ، فتارةً يقول هذا الـ"مُحلل" إنّ الضربة هي بمثابة رسالةٍ لكلٍّ من موسكو وواشنطن مفادها أنّ كيان الاحتلال لن تسمح بالتوصّل لحلٍّ سياسيٍّ في سوريّة بدون الأخذ بعين الاعتبار مصالحها التكتيكيّة والإستراتيجيّة، ومرّة ينبري أحد المُختّصين، وهو بالعادة مُستعرب إعلاميّ، ويؤكّد، نقلاً عن مصادر أجنبيّةٍ، على أنّ الضربة هي رسالةً لإيران، لأنّ الموقع الذي تمّ قصفه هو عمليًا مصنع لإنتاج أسلحة الدمار الشامل، يُشرف عليه العديد من الاختصاصيين والخبراء الإيرانيين، ويُعبّر هذا الـ"إعلاميّ" عن استغرابه لالتزام طهران الصمت المُطبق. من حقّهم، لا بلْ من واجبهم، هؤلاء الصهاينة، أنْ ينفثوا سمومهم ضدّ الناطقين بالضاد، ويفرحون بالضربة، التي كانت باعتقادنا المُتواضع جدًا، تعبيرًا عن حالة الارتباك التي تعيشها الدولة العبريّة نتيجةً للانتصارات المُتوالية التي يُحققها الجيش العربيّ السوريّ والحلفاء في الميدان على القوى التي تكالبت من جميع أصقاع العالم لتمزيق وتفتيت هذه الدولة المُقاومة والمُمانعة، والتي كان قد وصفها القائد، المُعلّم والمُلهم، الشهيد جمال عبد الناصر بقلب العروبة النابض.

ولكن، ما يؤلم ويؤرق ويقضّ المضاجع قيام البعض الكثير من الأعراب الذين تسري في عروقهم الصهيونيّة وموبقاتها، بالتعبير عن فرحهم العارم بسبب تلّقي سوريّة ضربةً من العدّو الذي سرق فلسطين، وطرد وهجرّ شعبها، في أحد أبشع الجرائم التي عرفتها الإنسانيّة، وأقام دولته على أنقاض الشعب العربيّ-الفلسطينيّ منذ نحو سبعين عامًا. وقبل الولوج في هذه الظاهرة التي تؤكّد على أنّ هؤلاء هم مجموعة من المازوخيين، الذين يعتاشون على فُتات البترودولار، يجب التشديد على أنّ الحرب الكونيّة، التي شُنّت ضدّ سوريّة لضمان أمن "إسرائيل"، أسقطت الأقنعة عن الأقنعة، ولن تشفع جميع مساحيق التجميل للتستّر على خيانة العروبة، والتمترّس في معسكر الصهاينة والإمبرياليين، بحجّة الدفاع عن حقوق الشعب العربيّ-السوريّ، وكأنّ هذا الشعب العظيم، صاحب حضارة آلاف السنين، ينتظر هذا أوْ تلك ليتحدّثوا باسمه ونيابة عنه وبالوكالة منه.

هذا المشهد السرياليّ، الذي يميل إلى العبثيّة، هو نتاج عمل وجهد الطابور السادس الثقافيّ، الذي حصل ويحصل على الأموال لغسل دماغ الإنسان العربيّ وكيّ وعيه لاستدخال الهزيمة والتأكيد على أنّ "إسرائيل" لا تُهزم، مُتناسين عن سبق الإصرار والترصّد مقولة حكيم الثورة وضميرها، الشهيد الدكتور جورج حبش: "إسرائيل" ليست أقوى من أمريكا والشعب الفلسطينيّ ليس اضعف من شعب فيتنام".

وبما أنّ رهانات الدول الرجعيّة، مثل قطر، هذا إذا جاز تسميتها بدولةٍ، فشلت في القضاء على سوريّة، ضمن المُخطط الجهنميّ والشيطانيّ بتدمير الدول العربيّة التي تُواصل مُواجهة كيان الاحتلال، وترفض الرقص وفق موسيقى النشار التي يُلحّنها ويعزفها الأمريكيّ العنجهيّ، فإنّ هؤلاء، الذين يتّم استكتابهم لدقّ الأسافين بين أبناء الأمّة الواحدة، بما أنّ الرهانات باتت في خبر كان، وسوريّة ماضية لتحقيق النصر، فإنّهم يلجأون إلى السؤال المٌقزز: لماذا لا تردّ سوريّة على الضربة "الإسرائيليّة"؟ سؤال منطقيّ، ولكن مَنْ يطرحه باستخفافٍ واستهزاءٍ نقول له: لماذا لا تُطبّق اتفاقية الدفاع العربيّة المُشتركة والقائلة إنّ كلّ عدوانٍ على دولةٍ عربيّةٍ هو بمثابة عدوان على جميع الدول العربيّة المُنضوية تحت لواء جامعة الدول العربيّة، التي أقامها وأسسها المُستعمر الإنجليزيّ؟ لماذا لا تطرحون السؤال التالي وبقوّةٍ: كيف تناسيتم أنّ مملكة الدّم والذّم، السعوديّة، تقوم منذ أكثر من سنتين بحرب إبادةٍ جماعيّةٍ للشعب اليمنيّ؟ لماذا لا تسألون: كيف تحتّل السعوديّة "مملكة" البحرين لقمع الثورة السلميّة للغالبية الساحقة من المُواطنين؟. ولكن عندما تتحوّل اتفاقية الدفاع المُشترك لاتفاقية هجومٍ مُشتركٍ على دولةٍ عربيّةٍ من أجل سواد عيون واشنطن وتل أبيب، يتحتّم على هؤلاء أنْ يخرسوا، أوْ على الأقّل أنْ يلتزموا الصمت، لأنّ أخر مَنْ يحّق له أنْ يتكلّم هو مَنْ يؤيّد "داعش" سرًّا وعلانيّة من أجل الدولة التي نهبت وما زالت تنهب أرضًا عربيّةً.

كإنسان، وكعربيّ وكفلسطينيّ أتألّم لضرب أيّ دولةٍ عربيّةٍ من قبل الأجنبيّ، ذلك أنّ الاستعمار هو استيراد، أمّا الاستحمار فهو صناعة محليّة، ولكن، من واجبنا الأخلاقيّ والوطنيّ وضع بعض النقاط على عددٍ من الحروف لوقف ترّهات "جهابذة" الطابور السادس، الذي وصلت الوقاحة والصلف بأحدهم إلى وصف الرئيس السوريّ، أوْ بلهجته رئيس النزام (1) بأنّه مثل النازيّ هتلر. نعم، كنّا نأمل أنْ تردّ سوريّة الصاع صاعين، ولكن لكلّ دولةٍ توجد أجندة، سُلّم أولويات وليس سُلّم عنتريات، تعمل بموجبه وحسبه: الخسارة في معركةٍ لا تعني بأيّ حالٍ من الأحوال الهزيمة في الحرب، بل بالعكس، يتحتّم الآن على بلاد الشام مُواصلة دحر الإرهابيين والتكفيريين، المدعومين من "إسرائيل" ومشيخات الخليج، لتنظيف هذا البلد العربيّ من رجسهم، وبعد ذلك، لكلّ حادثٍ حديثٍ.

لم أزُر سوريّة، على الرغم من أنّه كان بمقدوري القيام بذلك، ولكن ما يُثير حفيظتي أنّ الكثيرين من أبناء جلدتي، وتحديدًا من الداخل الفلسطينيّ، قاموا بالحجّ لبلاد الشّام، والتقوا مع الرئيس الراحل، حافظ الأسد، وبعد ذلك مع الرئيس الحاليّ د. بشّار الأسد، وألقى أحدهم كلمةً في قرداحة السوريّة، تُعتبر من  أهّم كلمات النفاق، النميمة، الخداع، الدجل، الزندقة، الغِش، المكر، المُخادعة والمُداهنة في التاريخ الحديث للرئيس الأسد. نحن، كباقي أحرار العالم، نؤيّد وبقوّةٍ الحريّة والعدالة الاجتماعيّة للشعب العربيّ-السوريّ، ونرفض رفضًا قاطعًا الاستبداد والكبت، ولكن ما نُريد أنْ نسأله وبالصوت العالي: كيف لهذا الكائن أوْ ذاك، الذي يُقيم في دولةٍ قمعيّةٍ، لا تجري فيها الانتخابات حتى للجنة أولياء أمور الطلاب في الحضانات، أنْ يتحدّث عن الديمقراطيّة في سوريّة؟ وهل عندما كنتم في أحضان سوريّة، التي استقبلتكم استقبال الملوك لم يكُن "النزام" استبداديًا؟

ونُنهي ما سٌقناه أعلاه بالمثل الصينيّ القائل: "عندما يزداد العواء حولك، فاعلم أنّك أوجعت الكلاب"، طبعًا مع الاعتذار من الكلاب، لأنّها أوفى وأكثر إخلاصًا من الكثيرين في هذا الزمن الرديء.

المصدر: امجاد العرب