الحرب السورية تَقترب من نهايتها.. ولكن ما هي المحاذير والأخطار؟

بالعربي- كتب- عبد الباري عطوان:

هُناك مَحطّتان رئيسيّتان في المَشهد السّوري الرّاهن لا بُد من التوقّف عندها بتمعّنٍ، إذا أردنا استقراء التطوّرات المُستقبليّة وانعكاساتها على أمن هذا البلد واستقراره، وعَودة الحياة الطبيعيّة إليه، وما يتفرّع عنها من أُمورٍ أُخرى:

الأول: تصريحات استيفان دي ميستورا، المَبعوث الدّولي، التي أدلى بها إلى شبكة "بي بي سي" قبل يومين، وأكّد أن هزيمة "الدولة الإسلاميّة" باتت على بعد أسابيع مَعدودةٍ في الرقّة ودير الزور، ممّا يَعني نهاية الحَرب السورية، لكن مَرحلة ما بَعد النّهاية تَظل مَحفوفةً بالمَخاطر، لغِياب الحَل السّياسي.

الثاني: البيان الذي صَدر يوم السبت عن حزب الله فيما يتعلّق بالقَصف الأمريكي للحافلات التي تَقل مُقاتلي "الدولة الإسلاميّة" وعائلاتهم، بمُقتضى اتفاق جرود القَلمون الشّمالي، فقد تضمّن هذا البيان مَوقفًا عقلانيًّا لأنّه أكّد التزام الحِزب والسّلطات السورية بهذا الاتفاق، وَوصف المَوقف الأمريكي بقَصف القافلة بالنّفاق والازدواجيّة والحَديث الكاذب عن مُحاربة الإرهاب، وقال أن هؤلاء في العَراء، وبينهم أطفالٌ وشيوخٌ ونساءٌ وجَرحى، وطالب بتدخّلٍ دوليٍّ لحِمايتهم، وأشار إلى سماح أمريكا لأكثر من ألفِ مُقاتلٍ من تنظيم "داعش" بالانتقال من تلعفر إلى مناطق الأكراد في الشمال.

كلام دي ميستورا يجب أخذه بكُل جديّةٍ، لأن هذا الرجل من أكثر الخُبراء درايةً بالملف السوري وتفاصيله، فقد توقّع كل ما حدث في حلب الشرقيّة، وعَرض خَدماته على المُسلّحين لإخراجهم ومُصاحبتهم إلى إدلب، ولكنّه تعرّض لحَملة انتقاداتٍ شَرسةٍ، ولو تمّ الاستماع إليه لجَرى تَجنيب ما حَدث من اشتباكات بين الفصائل المُسلّحة أدّت إلى مَقتل المِئات، ثم تعرّض تَجمّعاتهم إلى قَصفٍ جَوّيٍّ مُكثّفٍ من قِبل الطائرات الروسيّة والسوريّة.

تأكيد المَبعوث الدّولي على قُرب الحَرب من نِهايتها لا يَحتمل أيّ جَدلٍ أو تشكيكٍ، فلم يبقَ خارج سَيطرة الدّولة السوريّة وحُلفائها الرّوس وحِزب الله، إلا ثلاث مناطقٍ هي دير الزور والرقّة وإدلب، الجيش العربي السوري يتقدّم في الأولى (دير الزور)، وقوّات سورية الديمقراطيّة ذات الطّابع الكُردي الغالب، والمَدعومة أمريكيًّا، دَخلت الثانية (الرقّة)، وباتت على وَشك التقدّم نحو المُربّع الأمني في قَلبها، حيث المُجمّع الحُكومي الرئيسي ومَقرّات المُخابرات والدّفاع، أما مَسألة إدلب فهي مُؤجّلة، وتَجري مُحادثات لتجنّب مَجزرةٍ فيها عبر تركيا التي اقترحت حل التنظيمات المُسلّحة (أبرزها النصرة) لنفسها وتسليم المدينة لإدارة مدنيّة، ولا نَستبعد القُبول بهذهِ التسوية في الأيّام المُقبلة لأن البديل دموي.

الحَل السياسي الذي حَذّر دي ميستورا من غِيابه يَظل أساسيًّا لتحقيق الاستقرار، وتشكيل حُكومةٍ شاملةٍ ومُوسّعةٍ في سورية، وإجراء انتخاباتٍ عامّةٍ، وبِما يُؤدّي إلى إغلاق ملف الحرب نهائيًّا، والمَثل الذي ضَربه حول عَودة تنظيم "القاعدة" بشكلٍ أقوى بعد هزيمته في العراق عام 2008 و2009، بسبب تهميش قطاعٍ عريضٍ من الشعب العراقي، وعدم استيعابه في الحُكومة ومؤسّسات الدّولة في إطار مُصالحةٍ حقيقيّةٍ، هذا المَثل يُمكن أن يتكرّر في سورية وفي العراق أيضًا.

السّلطات السورية تتحدّث بين الحِين والآخر عن استعدادها لإجراء إصلاحاتٍ سياسيّةٍ شاملةٍ، والتّفاوض حول الحَل السياسي، ولكنّها تُؤكّد أن الشّريك المُقابل غير موجودٍ، وأن وُجد فإنّه مُنقسمٌ على نفسه، وتُشير إلى فَشل كل المُحاولات لتوحيد "منصّات" المُعارضة الثلاث، الهيئة العُليا (الرياض)، ومنصّتي القاهرة وموسكو، علاوةً على هيئة التنسيق في الداخل.

السيد رياض حجاب، مُنسّق الهئية العُليا للمُفاوضات بات يُغرّد وَحده من واشنطن، ويَتبنّى مواقف مُتشدّدة، مثل التأكيد على عدم قُبوله أيّ دورٍ للرئيس السوري في المرحلةِ الانتقاليّة، الأمر الذي يتعارض مع رسالة السيد عادل الجبير إلى المُعارضة التي أكّدت أن عليها أن تَقبل ببقاءِ الرئيس الأسد وتتقدّم بأفكارٍ جديدةٍ بالتّالي.

لا نَعرف ما إذا كان مَرض السيد حجاب الذي دَفعه لمُغادرة الرياض إلى واشنطن هو مَرضٌ حقيقيٌّ أم مرضٌ سياسي، ولكن الأمر المُؤكّد أن المُعارضة السورية بحاجةٍ إلى أفكارٍ ورؤى جديدةٍ تتعاطى مع التطوّرات والمُتغيّرات الميدانيّة في سورية، وقُرب نهاية الحرب بالصّورة التي كانت عليها طِوال السّنوات السّبع الماضية.

هناك فُرصتان تَلوحان في الأُفق لبَلورة هذهِ الرّؤى والأفكار: الأولى اجتماع الآستانة الذي سيُعقد مُنتصف الشّهر الحالي، ويَضم وفدًا عن فصائل المُعارضة السورية إلى جانب وفد الحُكومة، والثانية اجتماع جنيف المُقترح منتصف شهر تشرين الأول (أكتوبر) المُقبل.

ما يَجب أن تُسلّم به فصائل المُعارضة العَسكرية والسياسيّة، مِثلما أوحى دي ميستورا، أن النظام وحُلفاءه باتوا يَملكون اليَد العُليا مَيدانيًّا وسياسيًّا، وأن ما كان مَطروحًا قبل سنوات، وبالتّحديد في بداية الأزمة لم يَعد كذلك الآن، في ظِل التّغيير الكبير في مَوازين القِوى، وتخلّي أصدقاء المُعارضة وداعميها عنها، سواء في أمريكا أو منطقة الخليج.

المَبعوث الدّولي لا يَتحدّث من عَنتريّاته، ويَنطلق في أحاديثه من مَعلوماتٍ دقيقةٍ، وربّما يُفيد الاستماع إليه هذه المرّة، أو هكذا يَعتقد الكثير من المُراقبين.. ونحن منهم.