هل تودع الولايات المتحدة عصر الازدهار؟

بالعربي: نعمت الولايات المتحدة بعصرها الذهبي بين 1948 و 1973، عندما ازدهر الإنتاج، والطبقة الوسطى، لتحتل مركزا رياديا في العالم.

وخلال سنوات الازدهار الـ 25، نما الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بنسبة 169%، والعمالة بنسبة 75%، وزاد عدد فرص العمل في الإنتاج بنسبة 30%، وتضاعف تقريبا دخل الفرد.

وعاش الناس بهذا "الحلم الأمريكي" متساوين بمستويات الدخل والتعليم والمعيشة، معتقدين أن أطفالهم وأحفادهم سيعيشون أيضا مثلهم، إن لم يكن بشكل أفضل.

واتضح أن هذا الحلم غير قابل للتحقيق، وأنه انتهى فعليا مع القرار العربي بحظر إمدادات النفط لأمريكا، والتضخم الكبير الذي أثقل كاهل البلاد منذ 1970، تلاه ركود عميق في أوائل الثمانينيات.

ثم جاءت الثورة التكنولوجية وولدت شركات أمريكية قتلت "الحلم الأمريكي" لملايين الناس، ورسخت اقتصادا غير مستقر ومجهول المصير، ما أثر بشكل كبير على كيفية إدراك الأمريكيين للاقتصاد وفهمه من أجل المضي قدما في تطويره.

بعد الحرب العالمية الثانية كانت أوروبا واليابان في حالة خراب، في حين أن الاقتصاد الأمريكي لم يتأثر تقريبا بالحرب العالمية الثانية، وكانت المصانع التي أنتجت الدبابات والطائرات المنتصرة في الحرب  مستمرة بالعمل على قدم وساق.

ولكن أكثر من 10 ملايين نسمة عادوا إلى الوطن ما ولد ضغطا على سوق العمل، فتراجعت الأجور، في زمن الحرب، وعانى العمال من الفقر، ما دفعهم لتنظيم إضراب من حوالي مليوني عامل في شتاء 1945-1946.

وفي الوقت نفسه، حاولت إدارة ترومان ولكنها فشلت في إنشاء نظام صحي وطني، وارتفع مستوى تكلفة المعيشة، وازداد الضغط على القوى العاملة.

وأدى هذا في ظل "الحرب الباردة" مع الاتحاد السوفيتي، إلى خلق الاقتصاد الاستهلاكي الأكبر في العالم على الإطلاق، وأصبح العمل المستقر والمنزل ذو السياج الأبيض خارج المدينة "حلما أمريكيا".

70 سنة من الركود

وفي خريف عام 1973، انهار كل شيء عندما فرضت الدول العربية المنتجة للنفط حظرا على توريد النفط إلى الدول الغربية، بما في ذلك الولايات المتحدة التي دعمت إسرائيل في حربها ضد العرب، وارتفعت أسعار النفط 4 أضعاف (لتصل إلى 12 دولارا للبرميل).

وقفز مؤشر أسعار المستهلكين في أوائل عام 1974 بنسبة 10%، كما زادت أسعار البنزين، في وقت تعافت فيه شركات صناعة السيارات اليابانية والألمانية تماما من مخلفات الحرب، والتي أنتجت سيارات أكثر كفاءة في استهلاك الوقود ليشتري الأمريكيون بحلول 1977 نحو مليوني سيارة مستوردة في السنة.

وخرج معدل التضخم عن السيطرة، فرفع رئيس مجلس الاحتياطي الفدرالي آنذاك، بول ووكر، سعر الفائدة في يونيو 1981 إلى 19.1%، وكبح التضخم مؤقتا، ليترسخ بشكل أعمق في 1981-1982.

الربح فوق كل شيء

وبعد هذا الركود، أدت ثورة الحواسيب الشخصية إلى زيادة صعوبة المنافسة، ولم تعد كبريات الشركات الأمريكية قادرة على أن تكون دولة منفصلة، لهذا بدأوا في خفض العروض والوظائف لزيادة الأرباح وأسعار الأسهم.

وأصبحت الوظائف المستقرة ذات الأجور والفوائد الجيدة نادرة على نحو متزايد، فقد أصبحت غير مربحة اقتصاديا، وأتاحت التكنولوجيا لأصحاب العمل توفير الوظائف لبلدان نامية مثل المكسيك والصين.

ومنذ عام 1990، فقد الإنتاج 5 ملايين وظيفة، في حين أن مجال الخدمات المهنية والتجارية والصحة والمطاعم أتاح 25 مليون وظيفة إضافية، أي أن الثورة الرقمية نقلت الولايات المتحدة من الاقتصاد الصناعي إلى اقتصاد الخدمات والتكنولوجيا والترفيه.

وأصبح مستوى البطالة منخفضا، مع نمو جيد للوظائف، ولكن بالحد الأدنى للأجور والحد الأدنى من الأمن الوظيفي، أي أن حلم المواطن الأمريكي بالحصول على أجر أعلى لن يتحقق.

المصدر: فيستي