فيلم قارب ورق، رحلة إلى بحر مغلق وزقاق مفتوح!

بالعربي- هند جودة: تجري المياه في الزقاق ويُطلق صبيٌّ قارباً من ورق، ذات الصبيٌّ يجلسُ فوق قاربٍ مقلوبٍ على الشاطئ، بعض خطواتٍ يقوم بها تجاه البحر،ثمّ يتوقف وقوفاً يفرضه البحر!

هل من علاقة بين القارب المقلوب على الرمل والوقوف أمامه دون حراك، أميل للاعتقاد أنه يجسد معنى الحصار البحري الذي تعيشه غزة!
بلا إضاءة يبدأ الفيلم وينتهي كذلك موضحاً بلا لبس مشكلة مع العتمة كما يؤكد المكان الذي تم التصوير فيه على الفقر المدقع!

أسئلة وجودية يقوم بطرحها المخرج محمود أبوغلوة في فيلم قارب ورق والذي كتب السيناريو الخاص به محمود أبو سل وأدى الشخصيات المركزية فيه فراس المصري، عبير أحمد والطفل محمد زيدان.

على صوت الموج يبدأ العرض وتتمازج به خلفية موسيقية توحي بالترقب، إلى أن يبدأ صوت امرأة تقرأ باللغة العربية الفصحى بالظهور بالإضافة للدخول في كادر آخر وهو الذي سيكون المكان الأساسي للأحداث في معظم مشاهد الفيلم بعد ذلك تحدث مقاطعة لقراءتها  بصوت يأتي من الخارج  يعدو على  إثره فراس راجفاً إلى جهاز الراديو الذي لا يأتي بالخبر فوراً لكن ما تلبث أخبار القصف والضحايا أن تتابع! أثناء ذلك تتحدث الزوجة عن الانتظار، وتفهم من السياق أنها تنتظر طفلاً!

هذا الفيلم السينمائي القصير الذي يعبر من خلاله عن ازدحام الواقع الغزّي بالمرار لعائلة فقيرة مكونة من رجل وزوجته ووهما ينتظران طفلا مخبئا تجد نفسها ملومةً على حمله ومضطرة للتبرير، فيما يغوص الزوج في صراعاتٍ نفسية عميقة وغير غامضة أو أنها جميعا تدور في فلك المشكلات المعيشية التي يسببها الفقر والعيش في مكان يتغذى على الأخبار ويرتجف على صوت القذائف والصواريخ والأخبار العاجلة مثل غزة كما يوضح لك البحر وأسماء الاماكن الواردة في النشرة.

في الكادر لا تكاد تلمح ضوءً صناعيا الا مرة واحدة وهو يهتزّ أيضا تحت سقف يتعرض للانتهاك.

من أوضح الملامح التي تراها في الفيلم وجود كتاب في يد الزوجة، لا تكاد تترك الكتاب وهي في الحقيقة لم تتحرك عن السرير الذي يبدو أنه الأثاث الوحيد في البيت واضح الفقر، هذا الكتاب وما يرد من جمله سواء على لسانها أو لسان (فراس) الشخصية الرئيسة وفيما يبدو أن تلك الجمل المقتبسة  تشكّل مفتاحاً لكثير من هواجس الحياة والأسئلة التي تحوم في عقل فراس.

ستجد الصبي الذي ظهر في بداية الفيلم  يترك قارباً من ورق في أحد أزقة المخيم الضيقة التي يجري فيها جدول ماء صغير، ستجد القارب الورقي إلى جانب كتاب في صورةٍ تقتحم الأحداث لتعبرك بصمت، ويراودك التساؤل لماذا القارب؟ ولماذا من ورق، ومن يكون هذا الصبي؟ هل يشكل طفولة فراس هل هو ابنه المستقبلي المفترض أم هل هو المستقبل بذاته؟ المستقبل الذي يفترضه سوداوياً ومغلق الافق أيضاً كما هو الواقع المرهق بالتفاصيل!

يحفل الفيلم بسيناريو غير تقليدي وهو ما يحسب له ، الأحداث ترتجف أحيانا على وقع القصف، أيادٍ تمتدّ في مشهدين متطابقين لتعبر عن شيء ما ستفترض أنها بوابة معبر رفح المغلق أو ربما إحدى بوابات الجوع التي  تنفتح لتقديم كوبونات الطعام، ويظهر كابوس يقظةٍ بين وقتٍ وآخر كابوس يظهر فيه فراس ملفوفا بحبل ما او بسلك ما ومربوطا إلى رغيف فيما يشبه نظرية " الحمار والجزرة" حواسه تتجه إلى الرغيف وجسده لا يقوى على الحركة لأنه جالس على ركبتيه في تعجيز غير مفهوم أو ربما هو ما يحاول أن يقوله طوال الفيلم!

إذن وبعد تثبيت حالة العجز وإثباتها في كل ملامح الشخصيات والمكان والأحداث ستجد أن الفيلم يقدم صفعة للمتلقي من كمية البؤس المكثفة التي يشاهدها وتدخله في حالة حزن، حزن فقط! في النهاية هناك قارب من ورق وكتاب وحدهما في الكادر وسترى البحر أمامك فاتحاً ذراعيه كأنه تجسيد للأمل، تجسيد غير مفهوم، حالة أبدية من الجمال والحرية والانطلاق رغم ظروفه الخانقة في زمنٍ ما، فطالما كان عبر التاريخ بوابة لقدوم السفن الغازية إلى أن تتغير الظروف ويصبح بوابة للحياة كما يفترض أن يكون! لكل عصرٍ حساباته إذن ومع حسابات الفقر والجهل والحروب  تصبح قيمة الإنسان أقل ما تكون وكما يقدم الفيلم على لسان شخصياته هذا التساؤل هل هي حالة مقدرة أم استسلام؟! هذا التساؤل سيضربك بعمق كمشاهد وسيكشف لك عن الضعف الذي تعرفه ، تعيشه ولا تعترف به ربما في أجزاء كثيرة من ذاتك.

قارب من ورق، فيلم روائيٌّ قصير كرّم وشارك في محافل ومهرجانات عالمية خلال العام السابق وما زال يعرض في العام الحالي منها
فوزه بمهرجان فلسطين الداخل والخارج في فرنسا

عَرض في مهرجان .. LATINARAB في الأرجنتين
وعرض في مهرجانين آخرين في فرنسا

Boston Palestine Film Festival وخلال شهر أكتوبرمن العام 2016  في 

وعرض في شهر نوفمبر من العام الماضي في سويسرا – جنيف

كما أعلن مخرجه محمود أبو غلوة مؤخرا أنه سيعرض في المسابقة النهائية لمهرجان نظرة في إيطاليا- روما- فينيسيا- فلورنسا- رام الله- القدس وغزة لعام 2017