تخرصات "تقدميين" على طريق "الرجعة" !!

بالعربي- كتبت ثريا عاصي:  

إتضح جلياً من خلال الحروب التي بادر إلى إعلانها المستعمرون "الإسرائيليون" أنه ليس بمقدور الدول العربية، منفردة أو مجتمعة، أن تتصدى لهم بنجاح أو بالأحرى ان تتجنب الهزيمة طالما أن نظام الحكم لم يتغير أو يتبدل في هذه الدول لجهة الأخذ بمبدأ مفاده أن الفشل في السياسة  كمثل الهزيمة في الحرب يتطلبان في كل مرة مراجعة علمية جريئة، بواسطة أدوات معرفية تتماشى مع مفاهيم العصر. هذا يعني وجوب التخلي عن ذهنية التقليد والتكرار والمحافظة على العادات  الموروثة التي ثبت عقمها مراراً، بالإضافة إلى ضرورة التوقف عن اضطهاد المفكرين وعن تحريم التجديد والإبداع والكف عن المراوحة في المكان أو عن خداع الذات، فالمشي قهقرى لا يوصل  أصحاب الرجعة إلى بر الأمان!

أضع هذه التوطئة تمهيداً لمقاربة موضوع التحولات التي طرأت في مفهوم الصراع العربي ـ "الإسرائيلي". علماً أن هذا المفهوم لم يكن مبنياً في الجانب العربي، على إدراك صحيح لطبيعة وأهداف الحركة الإستعمارية الصهيونية . بكلام أكثر صراحة ووضوحاً تعرض الفلسطينيون والشعوب العربية لحروب شنها المستعمرون الإسرائيليون ولكن هذه الشعوب وقياداتها فضلت إرجاع أسبابها إلى «ديانة» هولاء المستعمرين وليس إلى سلوكهم نهجاً إستعمارياً إستيطانياً عنصرياً متساوين بذلك مع سياسات الدول الإستعمارية قديماً وراهناً!

أكتفي بهذا الإستطراد لأنني لا أتناول هنا قضية فلسطين، فما أنا بصدده في الحقيقة هي المتغيرات التي نلحظها في مواقف «الدول العربية» أو بالأحرى ما بقي منها، تجاه إسرائيل، الدولة الإستعمارية العنصرية الإستيطانية. بديهي أن هذا الموضع لا يتسع لمداورة شاملة لمواقف هذه الدول. لذا يقتصر البحث هنا على معاينتها من زاوية الحرب على سورية.

مجمل القول، إننا نسمع منذ أن إشتعلت هذه الحرب في سنة 2011، كثيرون من الأشخاص الذين كنا نحسبهم من «التقدميين» ومن المتبصرين في أمور المنطقة العربية بوجه عام، والهلال الخصيب على وجه الخصوص، يأخذون على الدولة السورية تقاعسها عن محاربة الإسرائيليين الذين يحتلون منطقة الجولان. فكم ردد هؤلاء «أن جبهة الجولان هادئة منذ سنوات 1970 لم تعكر هدوءها رصاصة واحدة». الغريب انهم يكررون هذه «اللازمة» رغم ان المستعمرين جعلوا البلاد السورية كلها لا تعرف الهدوء. لا يخفى أن الطيران الحربي "الإسرائيلي" يشارك في الهجمات على مواقع الجيش العربي السوري في الوقت الذي يتصدى فيه هذا الجيش لجماعات «الإرهاب الإسلامي».

السؤال الذي يـُلح في الحقيقة هو عن دوافع «التقدميين والمتبصرين» الذين لمحنا إليهم، إلى مواصلة التشهير بالدولة السورية من خلال اتهامها بأنها أهملت «تحرير الجولان» رغم أنهم يعرفون جيداً أن أقصى ما يمكن هذه الدولة السورية، بما هي دولة، فعله ضد إسرائيل، كان قبل الحرب  الحالية، مقاومة دفاعية فقط، فالحرب ضد إسرائيل مستحيلة على أساس مبدأ سورية أولاً، أي سورية منفردة، والدليل على ذلك نراه اليوم حيث تخوض الأخيرة حرباً دفاعية قاسية بعد أن اجتمع على محوها المستعمرون الغربيون ومن ضمنهم الإسرائيليين وحلفاؤهم وأتباعهم بالإضافة إلى جزء من السوريين أنفسهم الذين أغراهم المستعمرون فقبلوا معاونتهم ضد شعبهم وجيشهم ومرافق بلادهم الحيوية. ألم يسمع هؤلاء «التقدميون» و«المتبصرون» أن الدولة المصرية عقدت صلحاً مع إسرائيل وأن العراق مزق تمزيقاً، مجتمعياً وجغرافياً؟ ألا يعلمون أنه صار معروفاً أنهم يدعمون حرباً أميركية ـ إسرائيلية على بلادهم؟!