طفلة المهد

بالعربي-كتب- بدر ابو نجم:

في حين أنه ترك زوجته وأطفاله وذهب لعمله، فقد يطول غيابه كالعادة داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة .. بيتاً لا يتصف بالأمان، ويعلم حجم الخطر ،لكنه توكل على حماية الرحمن لكل تلك الهواجس .. زوجة .. وأطفال .. وطعام.

في حين آخر تقوم إمرأة بالتنقل من غرفة إلى أخرى داخل منزلها تبحث في عقلها عن إبنها الصغير الذي يلهو بين أزقة الشوارع الضيقة.. في إتجاه آخر تقوم إمرأة أخرى بإرضاع طفلتها التي أضاءت نصف سماء الدنيا قبل عشرين ساعة تقريبا،ً وبخفة عالية تأرجح بيدها الرقيقة المتعبة من الحمل والولادة  المهد الزهري الجميل الذي فصله نجار رخيص الثمن ؛هكذا الحال إلى حين ميسرة ..... في زاوية أخرى أتذكر أم لثلاثة أطفال تحمل الرابع في رحمها ينتظر الشيء القليل حتى يصرخ في أحضان ممرضة بلهاء سمينة البدن أحياناً .... على الجهة الأخرى مقاومين أو أطفال حجارة أو شباب المولوتوف لا أدري سميهم كما شأت، المهم أنهم كما يقول البعض يتصفون بحس وطني جياش ... هكذا وصفوهم في بلادي ..

عند الإحتكاك مع جنود سود لا تعرف أبداً حنطتهم بسبب السائل اللزج الذي يضعونه على وجوههم كنوع من الترعيب والخوف عند غزو قرية صغيرة وإرهابها. تماماً كما كان يفعل التتار من قبل، عندما كانوا يضعون القرون على رؤوسهم ليظهروا بشكل مرعب ، ونجحوا فعلاً بترهيب الناس حتى قبل حتى أن يشاهدوهم ،وهكذا شاع خبر التتار بأن منظرهم شديد الرعب وأنهم أناس ليسوا كالبشر ..... خرجت عن موضوعي قليلاً لكني في هذا المقال أستحضر مشاهد الأم الحامل، والرجل الغائب عن بيته ،والإمرأة القلقة على طفلها خارج البيت ؛ علك عزيزي أن تربط هذه المشاهد بقنابل الغاز المسيلة للدموع التي تسللت إلى بيت الرضيعة وإختنقت وماتت بلا ذنب ؛ أريد منك أن تفكر ماذا جرى للأم الحامل بعد أن ألقى جنود الإحتلال عشرين قنبلة قيل عنها أنها لإحداث الصوت الضخم فقط ؛ أعيد عليك الكرة مرة أخرة لتتذكر الرجل وإمرأته وأطفالهم وبيتهم الأرق الصغير الذي لا يتحمل قنبلة صوت واحدة في أساساته السطحية .... كيف لمقاومين الحجارة أو المولوتوف الصغار والجنود أن يتحلوا بالصبر قليلاً ، وكيف لهم أن يختاروا المكان المناسب، بعيداً عن متناول هذه المشاهد.

أحب تلك الفتاة التي إختارت الشهادة على نزع خمارها.
أحب ذاك الشاب الوسيم الذي ثأر لأخته وطعن جورجي يهودي في كتفه .
أحب الشاب الذي خرج من كلية الحقوق نحو أزقة القدس القديمة ليفجر إنتفاضة السكاكين .

لكني في الحقيقة لا أرغب أن أتسلى مع إحتلال بدون حس وطني أفهمه كي تظل الطفلة والأم والإمرأة ، وكي يبقى المهد الزهري الجميل جميلاً بإبتسامة طفلة دعوبة...أريدها أن تحيا كي يبقى الياسمين في بلادي .