الصلف والوقاحة!

بالعربي- كتبت ثريا عاصي :

من الطبيعي في هذا المشرق العربي أن نتأثر بالمتغيرات التي تطرأ، أقله في ظاهر الأمر، على سياسات البلدان الأوروبية، وتحديداً في الدولتين الإستعماريتين القديمتين، بريطانيا وفرنسا، بالإضافة إلى الولايات المتحدة الأميركية، نظراً إلى أن هذه البلدان، كان ولا يزال لها الدور الأكبر في رسم رقعة الشطرنج وفي تعيين مربع عليها لكل كيان  سياسي أو دوَلي يمثل بلاداً من بلداننا، التي سلخت كما هو معروف في نهاية الحرب العالمية الأولى عن السلطنة العثمانية!

من البديهي أنني لست بصدد استرجاع تاريخ الإستعمار الفرنسي في سورية، أو الإنكليزي في فلسطين والعراق والجزيرة العربية، ولكن ما أود التشديد عليه هو الإنطباع  الذي يخرج به المراقب لما يجري في «المستعمرات السابقة» نتيجة ادعاء الإستعمار القديم ضمنياً، بأحقية الإشراف على مسار الأمور في هذه المستعمرات إلى حد التدخل  من أجل «تصويبه» ليكون أو ليبقى ملائماً لمصالحه ولمصالح حلفائه!

فلقد رأينا أن البريطانيين رافقوا «القبضاي» الأميركي، في غزو العراق، وكانوا  ساعده الأيمن إذا جاز القول سواء في ميداني العسكر والسياسة .  وما يحدث في سورية يكاد أن يكون مشابهاً، إذ نجد بالتأكيد الأميركي وإلى جانبه الفرنسي في الصدارة. هذا لا يعني طبعاً أن البريطاني، وسائر أعضاء التحالف الإمبريالي ـ الخليجي النفطي، ليسوا متواجدين في سورية .

أردت أن أضع هذه التوطئة تمهيداً لتناول حدثين إستوقفاني هذا الأسبوع، الأول  هو زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى فرنسا واجتماعه بالرئيس الفرنسي الجديد حيث قال هذا الأخير بالمناسبة أن حكومته لن تقف موقف المتفرج حيال استخدام «السلاح الكيماوي» في سورية . وفي تصريح منسوب إلى الرئيس الروسي، في المناسبة نفسها، جاء أن هذا الأخير مقتنع بما لا يدع مجالاً للشك بأن الجيش السوري لم يستخدم «ذخائر كيماوية».

ذكرني هذا الكلام المبطن الذي تبادله الرئيسان الروسي والفرنسي، في موضوع  السلاح الكيماوي، بإعلان وزير خارجية فرنسا السابق في 26 أيار الماضي عن أن حكومته باتت تمتلك البرهان الذي يثبت أن الحكومة السورية استخدمت السلاح الكيماوي في خان شيخون، أما دليله القاطع على ذلك فإنه يرتكز بحسب الوزير الفرنسي نفسه، على أن مادة السيرين التي وجدت في خان شيخون مصنعة بالطريقة نفسها التي يطبقها الخبراء السوريون ! هذا قول وزير خارجية فرنسا السابق . لو كان  في محفظتي نقودي 100 دولار لما تمكن سارقها من شراء خمس لفافات حشيشة وخمس قنينات نبيذ! إذاً  أنا المسؤول عن الأذى الذي قد ينتج عن سلوك هذا السارق الحشاش والسكير!

مهما يكن فإن أحد الطرفين يكذب، الروسي أو الفرنسي، والكذاب يعرف عادة الحقيقة ! واستطراداً يعرف الرئيس الفرنسي الجديد ما إذا كانت قد استخدمت المواد الكيماوية في خان شيخون فعلاً ومن استخدمها، أو انها لم تستخدم وأن ما جرى كان في إطار «حملة دعائية» مغرضة ! ولكن يحق لنا في هذه الحال أن نتساءل ما الذي حدا  الرئيس الفرنسي الجديد إلى تهديد سورية للمرة الخمسين!

أنتقل الآن إلى الحدث الثاني، حيث استقبل الرئيس الفرنسي الجديد في قصر الأليزية، السيد رياض حجاب . المعروف أن هذا الرجل قَبِل تكليف الرئيس السوري له بمهام رئيس الوزراء ثم انشق بعد مرور حوالى شهر أو شهرين على تكليفه، ولجأ إلى المملكة السعودية. أتساءل هنا عن الحضارة والحداثة في مثل هذا اللقاء. فلا شك في أن الرئيس الفرنسي يعلم كل شيء عن الإصطدامات التي وقعت في سنة 1942، في سورية ولبنان، بين قوات فرنسا الحرة من جهة والقوات التي كانت تابعة لحكومة فيشي من جهة ثانية، ناهيك عن الحصار الغذائي الذي فرضه البريطانيون على السكان في هذين البلدين.

إن التسليم بأن «للمعارض السياسي» الحق في التعبير والنشاط ضد حكومة بلاده التي يعترض على سياستها أو التي يشكك في شرعيتها، لا يمنعنا بدورنا من التشكيك أيضاً بنوايا هذا المعارض، الذي يفضل السياسة الداخلية والخارجية التي ينتهجها آل سعود على سياسة الدولة السورية؟ هذا من ناحية، أما من ناحية ثانية، وهذا أمر يعرفه القاصي والداني، فإن الباعث الذي يدفع حكومة كمثل الحكومة الفرنسية إلى اتخاذ مواقف معادية للحكومة السورية، هو باعث الربح والكسب، بالإضافة إلى انخراط الحكومة  الفرنسية في خطة جيو استرتيجية غايتها الهيمنة على الشرق الأوسط لصالح الثلاثي إسرائيل والولايات المتحدة الأميركية وحلفائهم الأوروبيين. من البديهي أن هذه الخطة  تهدد مصير شعوب المنطقة، الأمثلة على ذلك واضحة. ينبني عليه أن هذا الرجل رياض حجاب يقوم بنشاط ضد بلاده كونه متعاوناً مع أعدائها. بتعبير آخر، عندما يستقبل الرئيس الفرنسي «المعارض» السوري رياض حجاب، فإنما يستقبل متعاوناً مع أعداء بلاده !