سوريا.. بين روسيا واميركا!

بالعربي- كتبت- ثريا عاصي: 

أقتبس من كتاب : الولايات المتحدة الأميركية تتعهد الجيش السوري الحر .. ولكن هذا الأخير ليس وازناً مقارنة بالتشكيلات الإسلامية المتنوعة التي تتلقى مباشرة أو لا، المساعدات المالية من المملكة السعودية ومن حلفائها الخليجيين.

أهم هذه التشكيلات هي، جبهة النصرة، أحرار الشام، الجبهة الإسلامية الثورية، جيش الإسلام و"داعش" . في المقابل تسمح تركيا بعبور «المتطوعين» للجهاد . كان الرئيس التركي أردوغان يقول «نحن لا نسمح إلا بعبور السياح إلى سورية»، وهو الذي قدم الدعم إلى "داعش" جهاراً نهاراً، ضد الأكراد في سورية في معركة عين العرب ـ كوباني.

ولكن هذه كله لم يكن كافياً حتى يتوقف جهابذة الفكر في بلداننا قبل أن يتحولوا إلى حمائم سلام وإلى حماة  للبيئة، عن توصيف ما يجري في سورية بالثورة من أجل الحرية والديموقراطية!.

لقد استطاعت الولايات المتحدة لأميركية وفرنسا وبريطانيا وتركيا والدول الخليجية من حشد فرق عسكرية عديدة ضمت، الفقراء والجهلاء من عامة الناس في سورية إلى جانب المرتزقة الذين جاؤوا من حوالى ثمانين دولة، من ضمنها دول أوروبية صارت مصدرة للسلاح وللإرهاب معاً.

يحسن التذكير في هذا السياق بأنه فتحت في تركيا وفي الأردن معسكرات لتدريب وتجهيز المقاتلين المتوجهين إلى سورية . كما يجب أن نأخذ في الحسبان، أن الولايات المتحدة الأميركية كانت قد «أنجزت  ثورة ديموقراطية» في العراق، حيث حلت الجيش العراقي، فأغرقت السوق العسكرية المحلية والإقليمية بالضباط والجنود العراقيين العاطلين من العمل. تقول الروايات أن الأخيرين شكلوا نواة "داعش" ! ولا ننسى أيضاً أن الولايات المتحدة الأميركية نفسها كانت قد أنجزت أيضاً قبل مجيئها إلى سورية ثورة في ليبيا، فاغرقت السوق بأموال الجماهيرية وبأسلحتها ونفطها.

أنا على يقين من أن العامل الرئيس الذي جعل السوريين يتمكنون من الصمود والثبات وتحمل  التضحيات الجسام، كان انضمام غالبية رجالات السلطة المفسدين والسيئين إلى «الثورة»، لا شك في أن ذلك أراح الوطنيين وأعاد إليهم بلادهم سورية فاحتضنوها ودافعوا عنها ببسالة وأمل دون حساب!.

ولكن التسليم بهذا كله لا يعفينا من الاعتراف بأن الذين جاؤوا «بثورة» إلى السوريين، كانوا أكثر عدداً وعدة، فقلبوا في بعض الفترات، ميزان القوى لمصلحتهم، الأمر الذي دفع الحكومة السورية إلى طلب مساعدة الأصدقاء الروس الذين تشتري منهم السلاح كما هو معلوم!.

هكذا يمكننا اختصار المسألة : «ثورة» تستخدم السلاح الأميركي ضد حكومة (لم تخضع للأوامر الأميركية) تدافع عن بلادها وشعبها بواسطة سلاح روسي! سبع سنوات وأنا أسأل أين الثورة ؟ لولا الأموال الخليجية والسلاح الأميركي لما تفجرت هذه الثورة ؟ علماً أنه حيث تكون أميركا تكون "إسرائيل". إستناداً عليه، إن الحكومة السورية مضطرة الى التعامل مع هذه المعطيات الخارجة عن إرادتها، المفروضة عليها فرضاً، السلاح الأميركي، الأموال الخليجية، السلطة الدينية!.

أعتقد أن المنطق يقتضي أن ننظر إلى المواقف الروسية تجاه المسألة السورية في ضوء ما تقدم. من البديهي أن الروس يعملون ضمن حدود هامش معين فمن الطبيعي إذاً أن يكونوا حلفاء لسورية، في جزء من الأزمة السورية، فهم ليسوا حلفاء في جميع فروع هذه المسألة، هم حلفاء «جزئيون» إذا جاز التعبير، أو بمعنى آخر تتطابق مصالحهم مع مصالح الدولة السورية في بعض قطاعات هذه الأزمة فقط، وتحديداً وبوجه خاص في الدفاع عن المناطق الساحلية وفي الحد من التدخل التركي في الشمال السوري . بالإضافة إلى ذلك تقدم روسيا إلى سورية، في ظاهر الأمر، السلاح من أجل الدفاع عن نفسها والصمود، ريثما تتوافر ظروف الحل، دون أن يؤدي ذلك إلى مواجهة مفتوحة بين سورية و"إسرائيل" لا يريد الروس أن يكونوا طرفاً فيها. يتبدى هذا من خلال المواقف المحايدة التي يتخذها الروس إزاء الإعتداءات "الاسرائيلية" المتكررة على المواقع العسكرية السورية. أو لنقل هم يحاولون الحد منها بوسائل ديبلوماسية!.

تجدر الملاحظة أيضاً في سياق هذه المقاربة أن روسيا كما هي اليوم ليست بالقطع الاتحاد السوفياتي الذي كان . فهي تلتزم بالمصالح وليس بالمبادئ . لكن روسيا لا تطيق أن تنتهك الولايات المتحدة الأميركية سيادة الدول كيفما تشاء . لذلك هي ترفض التدخل الأميركي غير الشرعي في سورية . ينجم عنه أن من مصلحتها إفشال أميركا . ولا شك في أنها تعمل على ذلك عن طريق تقوية الجيش العربي السوري، الذي تريد أميركا في المقابل إلغاءه . بكلام أكثر وضوحاً وصراحة، إن روسيا تقاتل أميركا في سورية بواسطة الجيش العربي السوري في حين أن أميركا تقاتل روسيا بواسطة حلفائها الإسلاميين، الإخوان المسلمين، جبهة النصرة و"داعش"، هذا بكل بساطة!.

وفي السياق نفسه، تحاول أميركا أن تقاتل روسيا بواسطة تركيا . هذا ما تخشاه روسيا وتركيا أيضاً . وقد يكون هذا الرفض الثنوي ( المزدوج ) هو السبب الذي يجعل أميركا وروسيا تساعدان  الأكراد كوسيلة للضغط على تركيا ولكن لكل منهما غاية متناقضة مع الأخرى . ولا شك في أن تركيا ستلقى التشجيع والدعم فيما لو هاجمت الأخيرة إيران، الأمر الذي سيزعج روسيا بالتأكيد.

وهناك أيضاً مشكلة أخرى محتملة لا يجوز التغاضي عنها تتمثل بالتصعيد العسكري من جانب "إسرائيل" الذي قد يصل إلى حد الحرب مع سورية، أو لنقل إلى مستوى حرب تموز 2006 في لبنان، بحجة إبعاد إيران والمقاومة الإسلامية اللبنانية من سورية، لا سيما أن هذين الطرفين هما عاملان رئيسيان إلى جانب الجيش العربي السوري، في الحرب الدفاعية السورية، فمن دونهما ستكون سورية في تقديري، في خطر أكبر من الخطر الذي قد ينتج من خروج الروس من المعركة.

أصل الآن إلى الدور الأميركي كما تكشف من خلال الهجوم الأخير على مواقع عسكرية سورية حدودية، بين سورية والعراق . أظن أن الدلائل صارت كافية لكي نستنتج أن الولايات المتحدة الأميركية و"إسرائيل" تنفذان في سورية خطة مشتركة بينهما، تحت عنوان «محاربة الإرهاب» . تزعم الولايات المتحدة الأميركية أنها جاءت إلى سورية من أجل محاربة الإرهاب، كون هذا الإرهاب يمثل خطراً على أمنها القومي . ينبني عليه أنها عندما تهاجم مواقع الجيش العربي السوري تبلغنا رسالة مفادها أن هذا الجيش هو في نظرها «إرهابي» . هذا يعني أنها ضد وجوده وأن غايتها هي إلغاؤه، مثلما ألغي الجيش العراقي. 

من البديهي أن للجيش العربي السوري قراءته لما يجري والتي يتخذ بناء عليها لكل أمر مقتضاه . ولكن رسالة الولايات المتحدة الاميركية موجهة أيضاً إلى السوريين، «أيها السوريون، أنا الولايات المتحدة الاميركية، أعلن انضمامي إلى «الثورة»، أنا مع «المعارضات المسلحة»، التي تذهب إلى استانة وجنيف . لا تنسوا أن السعودية الغنية جداً معنا وكذلك تركيا العسكرية جداً . فماذا أنتم فاعلون؟.

الرسالة الأميركية موجهة أيضاً إلى المناضلين العرب ذوي الوعي المتقدم، أيها العرب قرأتم  عن تصريحات الوزيرة الأميركية كوندليزا رايس عن حرب العراق، نحن لا نريد الحرية ولا الديموقراطية في بلادكم، فما يهمنا هو تدمير المناطق المحيطة بمواقع آبار النفط لا يبقى سواها .. كما فعلنا في ليبيا ... وهذا ما نحاول فعله في سورية، فماذا أنتم فاعلون؟.