إلى أي مدى يمكن لترامب أن يبرع في التعامل مع النزاع الفلسطيني "الإسرائيلي"؟

بالعربي-كتب- داوود كتاب:

وصل الرئيس الفلسطيني محمود عباس إلى واشنطن الأسبوع الماضي ليعبّر عن شيد يأس الفلسطينيين لعدم عثورهم على ضوء في نهاية نفق الاحتلال.

دخل عباس البيت الأبيض في 3 أيارمايو آملاً إشراك ترامب بشكل شخصيّ في الصراع الفلسطيني "الإسرائيلي". ورافقة كبير مفاوضيه صائب عريقات ورئيس جهاز المخابرات الفلسطينية ماجد فرج ونائب وزير المالية محمد مصطفى.

أشاد عبّاس برجل الأعمال الأمريكي، آخذاً بالاعتبار رغبة الأخير بأن يكون محط تقدير. فقال إنه "شجاع وحكيم" في سعيه للتوصّل الى "اتفاق نهائي" حول النزاع الفلسطيني الإسرائيلي. الاّ أن مواقف ترامب المعلنة غير مطمئنة للفلسطينيين.

عند النظر في تصاريح الرئيس الأمريكي، يظهر جلياً غياب أية ملاحظات جوهرية من قبله، باستثناء لغته المنمّقة في التعبير عن الرغبة في تحقيق السلام. إذ لم يتطرّق إلى حل الدولتين وتجميد بناء المستوطنات. كما التزم الصمت في ما يتعلّق بقضية القدس على الرغم من أن عباس يعتبر القدس الشرقية عاصمة لدولة فلسطين المأمولة.

ولعل استخدام مصطلحات غير متكافئة كـ"إسرائيل" والفلسطينيين خير مثال على غياب أي دعم حقيقي لدولة فلسطين، وهو ما يشير إلى أن فلسطين ليست بدولة. اذ كان ينبغي استخدام عبارة "الإسرائيليون والفلسطينيون" أو "إسرائيل" وفلسطين

بدلاً من ذلك. عندما أراد وزير الخارجية الأمريكي السابق جيمس بيكر تخطّي هذه المشكلة في مؤتمر مدريد للسلام عام 1991، أمر باستخدام عبارات متكافئة مثل "الإسرائيليون" والفلسطينيون والأردنيون الخ... عند الإشارة إلى مختلف الأطراف المشاركة.

الاّ أن استخدام ترامب لتلك العبارات ليس بغريب على جميع متابعي التصاريح الإسرائيلية منذ العام 1967. فبغضّ النظر عن مواقفهم السياسية، يعلن جميع "الإسرائيليين" أنهم يؤيدون السلام ويريدونه. الاّ أن الأمور تصبح معقّدة عند الدخول في تفاصيلها.

وقد تمّ الحديث باختصار عن بعض النقاط "الاسرائيلية" التي تم تداولها خلال الاجتماع وذلك بعد المؤتمر الصحفي خلال الموجز اليومي للبيت الأبيض.

إذ قال المتحدث باسم البيت الأبيض شون سبيسر للصحفيين أن [الرئيسين] ناقشا مواضيع تتضمن "منع التحريض على العنف، ولا سيّما من قبل وسائل إعلام مرتبطة بشكل مباشر بالسلطة الفلسطينية". الاّ أنه من المستبعد جداً ألاّ يكون عبّاس قد تطرّق إلى دور إسرائيل في التحريض في حال تمّت مناقشة هذا الموضوع بالفعل. الاّ أن سبيسر أغفل عن ذكر ذلك.

عمل عبّاس علناً وتنظيمياً على وقف التحريض في تلفزيون فلسطين وذلك منذ تولىّ منصبه عام 2005 بعد وفاة ياسر عرفات. ويظهر ذلك في الوثيقة التي صدرت عن دائرة شؤون المفاوضات التابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية عام 2014.

وعندما تم طرح المسألة في تشرين الثاني/نوفمبر 2015 في ظل إدارة الرئيس السابق باراك أوباما، تم الاتفاق على تفعيل اللجنة الثلاثية الأطراف الأمريكية الفلسطينية "الإسرائيلية" التي تم تأسيسها عام 1998 للنظر في التحريض من قبل كلا الطرفين. وقد تجنبت حكومة رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو عدة مرّات الموافقة على انعقاد اللجنة. اذ نقلت صحيفة "الجيروزاليم بوست الإسرائيلية" عن مسؤول إسرائيلي قوله عام 2014 إن إسرائيل لا ترغب بانعقاد اللجنة لأن "الفلسطينيين يستخدمون ذلك للادعاء بأن إسرائيل تقوم أيضاً بالتحريض".

وبالرغم من عدم انعقاد اللجنة، نشرت دائرة الثقافة والإعلام التابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية تقريراً شهرياً يدحض الادعاءات "الإسرائيلية" ويشير إلى التحريض الإسرائيلي ضد الفلسطينيين.

كما انطلت على ترامب على ما يبدو حيلة أخرى تتعلّق بتكتيك "إسرائيلي" تضليلي. إذ كرر سبيسر عبارات استخدمها نتانياهو قبل أيام، فقال للصحافيين ان ترامب "أعرب عن قلقه إزاء الأموال التي تُدفع للأسرى الفلسطينيين في السجون الاسرائيلية الذين ارتكبوا أعمالاً إرهابية ولأسرهم".

الاّ أن المفارقة أن "الإسرائيليين" أنفسهم لم يتوقفوا عن دفع إعانات التأمين الاجتماعي لأسر السجناء الفلسطينيين الذين هم مواطنون "إسرائيليون" أو يقيمون في القدس الشرقية. والواقع أن حزب نتنياهو نفسه قد حاول عام 2014 اصدار قانون لوقف إعانات التأمين الاجتماعي، الاّ أن اقتراحه قوبل بالرفض من قبل الكنيست الذي علل رفضه بالقول أن الاقتراح عقابٌ جماعيٌ لأسر بريئة.

يستمر في الواقع 1500 أسير فلسطيني في "إسرائيل" بقيادة مروان البرغوثي، القيادي في حركة فتح التي يترأسها عبّاس، في الإضراب عن الطعام للأسبوع الثالث، وكانوا قد بدأوا الاضراب في 17 نيسان/ أبريل للمطالبة بحقوقهم الإنسانية الأساسية. وتدعم منظمة العفو الدولية والصليب الأحمر ومنظمة "بتسلم" لحقوق الانسان "الاسرائيلية" علناً مطالب السجناء الإنسانية والتي تتمثل في حق الأسرى في تلقّي زيارات عائلية منتظمة واستلام الكتب ومطالبة إسرائيل بالكفّ عن احتجاز الفلسطينيين دون تهمة أو محاكمة.

لا يعلّق معظم الفلسطينيين آمالاً عالية بتحقيق خرق ما، وهذا ما دفع بعباس إلى المبالغة في الإشادة بترامب كما يحب. ولكن، إن رأى ترامب في الأيام المئة الأولى من ولايته أن تولّي الرئاسة عمل شاق، سرعان ما سيكتشف أن دفع الإسرائيليين للتنازل عن الأراضي الفلسطينية المحتلة كجزء من "اتفاق نهائي" على أساس مبدأ الأرض مقابل السلام، أصعب بكثير مما كان يتوقّع .