"حماس" الجديدة تشرب شاي "فتح" مع ٣ ملاعق سكر!

بالعربي_كتب: بكر أبوبكر

صوت الهاتف في منتصف الليل في بيتي قلّما يرن، لأن معظم الأخوة والأصدقاء يعلمون أنني ممن يصحون مبكرا جدا، لكنه دق في رأسي بعد الساعة الثانية عشرة ليبتدرني أحد الأصدقاء من كوادر حركة "فتح" في منتصف الليل قائلا بلا مقدمات وبدون السلام عليكم: هل أنا "حماس" أم من حركة "فتح"!

وقبل أن أفتح عيني جيدا وأفهم ما قاله لأجيب على استفساره العجيب بدأ مدفع كلامه ينطلق: لم أعد أفهم هل نحن "حماس"؟ دون ان ندري؟ أم أن "حماس" زحفت على ركبتيها طويلا لتصل لرؤية حركة "فتح"؟

مستطردا: "حماس" نحن، أم أن "حماس" هي حركة فتح تماما وبالتفصيل مع سعرات إضافية أو جرعات أوسع من المفاهيم والقيم الاسلامية؟ التي هي رغم ذلك ثابتة في حركة فتح، ولكنها محلاة بأكثر من 3 ملاعق سكر في شاي "حماس"، فيما هي بحركة فتح تقبل أن تشرب الشاي بدون سكر أو بملعقة واحدة أو ثلاث؟

ينطلق أحمد كالمدفع فهو على ما يبدو قد قرأ وثيقة "حماس" المفترضة والتي كنت انتظرها حتى أنني طلبت من الاخ عزام الأحمد أن يطلبها لي مسبقا من د.موسى أبومرزوق ولم يحصل ذلك.

أنها الوثيقة  التي نشرت مؤخرا على ما يبدو-وأنا نائم- ما فهم منها صديقنا أنها تشكل سياسة حركة "حماس" القادمة، صُدم الرجل منها كما خمّنت، باللحظات الفاصلة وأنا أفكر في المسافة الواصلة بين السرير الى الغرفة المجاورة لاستمع له بوضوح أكثر.

يعلم صديقنا أحمد أنني أنام مبكرا كحال غالب الفلسطينيين لأصحو لصلاة الفجر، وأنا بالطبع المسلم العربي الفلسطيني الفتحوي المتدين والحمد لله ككل او معظم كادرات الحركة المتدينين من مسيحيين أو مسلمين.

قال لي: سأجعلك صاحيا حتى تصلي الفجر لأنني صدمت كثيرا من وثيقة حماس!

تابع صديق منتصف الليل قائلا: عندما أقارن بين مضامين التعبئة الصعبة لحركة "حماس" والاقصائية المتأصلة في فكر وممارسات وخطاب حركة حماس ومن ورائهم "الاخوان المسلمين" وما كانت عليه التعبئة المسمومة ضد كل من يخالفهم وأقرأ وثيقتهم الجديدة، لا يسعني الا التعجب!

عندما أتأمل بما فعلوه من افتكاك السلطة بالدم، واصرارهم على التشبث بالسلطة في غزة، بل وحين رأيت حجم تمسك السلطويين بمقاعدهم (كالسلطويين بحركة فتح تماما) ورفضهم المطلق التخلي عنها أتعجب واستغرب!

أنا يا أخ بكر أتعجب من التناقض الفظيع بين الوثيقة المريحة المرحابة الجديدة، وبين التعبئة والتحريض الداخلي المسموم في "حماس" والاخوان المسلمين او التيار الغالب إن شئت فيهم، والذي ألفت أنت فيه كتابا ضخما، نعم أتعجب لدرجة الصدمة الايجابية! فالوثيقة تنشيء انقطاعا كبيرا عن تلك التعبئة الا ان كانت فقط للترويج السياسي وللاستهلاك العام!

انني أتعجب أيضا من التناقض الفاضح الى درجة أنني لا أستطيع أن أفهم ما يقوله أوما كان يقوله محمود الزهار والبردويل وفتحي حماد وأئمة المساجد من حزبهم في غزة والضفة الذين رأوا طبيعة الحرب أنها مع اليهود! ولذات الديانة! بينما الوثيقة لا تقر ذلك مطلقا، وترى الصراع فقط مع "الاحتلال"، بل وتراه على "الأرض"!

هل تتصور ذلك! وهم كانوا يعتبرون "الوطنية" والأرض وثنا! وها هم يدافعون عن "الاوثان"!...هل تريدني أن أشد شعري أو المتبقي منه!

حاولت أن أتدخل في الحوار أحادي الجانب لكن مقاطعته أملت علي حُسن الاستماع وكنت لم أقرأ الوثيقة بعد.

تابع صديقي أحمد "المزعج" بعد منتصف الليل قائلا وهو في قمة الإثارة: أخ بكر لقد صرحوا آلاف التصريحات وكتبوا آلاف الخطب واشتملت أدبياتهم على الكثير من رفض الآخر سواء كان الآخر الكافر من "الشعبية" و"الديمقراطية" أو العلماني إشارة للفتحوي؟ كما يصنفوننا! وهم بالوثيقة الآن يتبنون العلمانية دون أن يقولوا الكلمة بصراحة فهم يتبنون الدولة الديمقراطية المدنية لكل الاديان والطوائف؟؟؟

أي بكل وضوح يتبنون ما كانوا قد رفضوه.....هي: العلمانية على نهج الغنوشي وبنكيران وأردوغان تماما، ويتبعون ما كان قد قاله الترابي في ذلك.

يا اخي لقد عبأوا الاطفال والأعضاء لديهم أن من غيرهم خائن أو كافر؟ حتى عهد قريب وكان شهداؤنا في النار؟

لا استطيع أن أفهم ان كان هذا التغيير الذي أقدره واحترمه فعلا معتمدا ومُقَرّا في "حماس" حقا؟ وهل سينسحب هذا التغيير على خطاب الزهار والبردويل والمصري وغيرهم؟ وهل سيسحب المفتي الذي أباح دماء الأجهزة الأمنية فتواه ويعتذر؟ كما تعتذر "حماس" عمن قتلتهم بالكارثة المسماة "الحسم العسكري" ضد شعبنا؟ أم أن حماس "السلطة" قد تعتذر عن استمرار الامساك برقبة غزة، وعن تحديها للشرعية وافتكاكها السلطة بالدم ورجوعها لحضن الوحدوية؟؟

دعني أترك جانبا ما طبّلت له الفضائيات والمواقع من اعتراف "حماس" بدولة في حدود 1967 فهذا قديم منذ الشيخ احمد ياسين وتكرر في خطابات مشعل، ودعني أترك جانبا التأكيد على أن كل فلسطين لنا، وهي لنا كما تقول كل الفصائل قاطبة، فهم يبيحون تخيّر وسيلة النضال! تصور أي أن أوحدية الكفاح المسلح أصبحت من الماضي؟

لقد أصبحت "حماس" حركة وطنية صرفة، تصور "وطنية" التي كررتها "حماس" بالوثيقة 3 مرات، وعلمانية أيضا!

نعم كذلك، لا تستغرب وهأنذا اكررها، ويا سيدي كي لا نحرجهم لنقل مدنية! كما تقول حركة "فتح"، إذ اكدت "حماس" على شطب مفهوم أهل الذمة، فالكل مواطن ومتساو!

إنهم يقولون نصا: (ترفض "حماس" اضطهاد أي إنسان أو الانتقاص من حقوقه على أساس قومي وديني أو طائفي)، لاحظ أي انسان، ولاحظ الديني والطائفي.

وتقول أيضا: استمع، هل أنت صاحي؟

قلت له: نعم! نعم، أنا معاك.

فأكمل: يقولون أنهم يؤمنون بالتالي نصا يؤمنون ب (قاعدة التعددية والخيار الديمقراطي والشراكة الوطنية وقبول الآخر واعتماد الحوار) هل لاحظت قبول الآخر ومن هو الآخر؟ إنه المسيحي واليهودي أيضا كما يشيرون صراحة، فهاهم يفرّقون بين الاحتلال وبين اليهود والمشروع الصهيوني، يقولون نصا: (صراعنا مع هذا المشروع وليس مع اليهود)!

ويقولون أيضا (الشعب الفلسطيني شعب واحد، بكل أبنائه في الداخل والخارج، وبكل مكوناته الدينية والثقافية والسياسية.) هل لاحظت بكل مكوناته الدينية!

وسألقي عليك مفاجأة منتصف الليل الصاعقة التي ستصدمك وتبهجك معا!

قلت: تفضل، اصدمني وابهجني.

أردف: لقد شطبت "حماس" بوثيقتها الجديدة مفهوم الحرب الدينية كليا، كليا نعم، وأسقطت من جعبة "نتنياهو" ويمينه العَفِن مقولة الحرب الدينية الكاذبة، وهم بذلك بارك اللهم بهم، وان لحقونا في حركة فتح "القذة بالقذة" فنعبر عن شديد احترامنا لهم....بهذا الوعي المتأخر.

يقولون، تصور! ما يقولون: (إن القضية الفلسطينية هي في جوهرها قضية أرض محتلة وشعب مهجر) لاحظت بلا شك القول بأنها قضية "أرض"!

يا الله لقد كانوا زمان يرفضون الاحتفال بيوم الأرض كليا، مفترضين أن فلسطين أرض وقف فقط للمسلمين، والمقدسات أهم وليست الأرض؟ وليس المهم الأرض بقدر الولاء لله، أن في كل ذلك تطور محمود ومبهج معا!

ان المقارنة بين التاريخ الحمساوي الاقصائي والتصريحات النارية الفتنوية (من الداعية للفتنة واستهداف السلطة في مراحل عديدة)، وما اشتمل هذا التاريخ البعيد والقريب على أطنان التشهير والتكفير والتخوين إضافة للنظر الى الأفعال والأقوال السابقة تظهر الفارق كبيرا بل وكبيرا جدا مع الرؤية الجديدة المشرقة!

 صديقي الليلي، وأنا احاول أن اكتب وراءه سيل حديثه المندفع لأقارنه مع الوثيقة بالصباح، قال: إن الفرق يبرز كبيرا جدا بين الرؤى المتنوعة لتلك القيادات في "حماس"، ففيها واضح كليا اختلاف المجموعة المتنورة التي لطالما أشرت لها أنت، ومنها من كتب هذه الوثيقة، وبين تلك الفئة الايديولوجية الصلدة؟

أحمد يتدفق، والوقت يقترب من الساعة الواحدة صباحا ولم يتبقَ لصلاة الفجرالا بضع سويعات.

قال: لقد انبهرت بالوثيقة التي دخلت جحر الضب! بل ولحقت بفكر حركة فتح القذة بالقذة، والقذة بالقذة كناية عن شدة الموافقة، بالخير والوعي هنا،(والكلمة "القذّة" مستعارة من حديث الرسول الله صلى الله عليه وسلم: "لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة حتى لو دخلوا جحر ضب خرب لدخلتموه")-فهم الى ما سبق وقلته أنا-  يقتبسون ذات مصطلحات حركتنا مثل:(المفاهيم والمنطلقات) و(الوطنية) و (قضية الأرض) و(استقلالية القرار) وعديد المصطلحات الأخرى...

صرخ أحمد من الهاتف، وأنا جالس على الأريكة استمع بهدوء، هل قرأتها؟ قلت له: لا لم أقرأها بعد.

تفاجأ، وقال: كيف ذلك؟

قلت: لعلك سبقتني بالقراءة والتحليل، لقد كنت نائما يا أخي.

أضفت: اتركني أطلع عليها بالصباح.

لم يقبل وأرسلها لي طالبا رأيي، وبعد اطلاع سريع لم أجد عندي اختلاف كبير عما قاله فعلا.

فقلت له: لربما لا أختلف مع كثير مما قلته فأنا ممن يشربون الشاي بلا سكر يا أخ أحمد!

وأضفت قد أعود للوثيقة الجديدة فأقارنها بمضامين الفكر الحمساوي الذي تم التعبير عنه بندوة سابقة في بيروت لخالد مشعل، وكذلك لندوته في الجزيرة بالعام 2016 ما أرى أنهما وغيرهما من اللقاءات والمفاهيم كانت تمثل التمهيد لخروج هذه الوثيقة.

وختمت بالقول: عموما فيها مما يفرحني الكثير، والحمد لله، ولدي بعض الرفض أو النقاش لبعض البنود التي قد أشملها في قراءة لي...

قمت متثاقلا باتجاه السرير قائلا: والآن دعني أنام.

وما رغب صديق منتصف الليل بإغلاق الجوال... حتى كان قد وزع الوثيقة لأكثر من 3 مجموعات على أحد التطبيقات الهامة بالتراسل على الجوال.