دفنت "داعش" في الجزيرة السورّية!!

بالعربي- كتبت ثريا عاصي :

ظلّ وزير خارجية فرنسا السابق السيد لوران فابيوس حتى عتبة نهاية الخدمة مثابراً ومصراً على توظيف جبهة النصرة ـ القاعدة في سورية، وإمدادها مادياً بالمؤن والسلاح وبشرياً. في المقابل شكل تنظيم داعش الأداة الرئيسية من وجهة نظري التي اعتمدت عليها الولايات المتحدة الأميركية.

يجدر القول هنا أن الحرب على سورية تهدف من خلال رؤية مستقبلية، أو بمنظور استباقي إذا جاز التعبير إلى تدمير سورية وتمزيق مجتمعها الوطني بغرض محو الدولة وخلق فوضى بحيث لا يأمن المرء على نفسه من الجوع ومن الموت إلا بقتل جاره والإستيلاء على ممتلكاته. هذه ببساطة هي الغاية التي تنشدها الولايات المتحدة الأميركية عندما ترسل بوارجها من أجل دعم  «ثورة الحرية والديمقراطية» سواء في بلدان الناطقين بلغة الضاد أو غيرهم. هذا معطى موثق يعرفه القاصي والداني، ولا يتجاهله إلا الوصوليون.

لا يخفى على المراقب أن عمل الولايات المتحدة الأميركية وأذنابها في أوروبا، على تقويض العراق توازى مع التمهيد من أجل الدخول إلى سورية أيضاً وإسقاط كيانها الدَوّلي. أعتقد أن ذلك كان مفهوما وواضحا من القرارات المتتالية التي وافق عليها مجلس الشيوخ الأميركي القاضية بفرض عقوبات كمثل المقاطعة الإقتصادية على سورية وبضرورة محاسبة الحمل السوري على أخطاء وجرائم ارتكبها بحق الذئب الأميركي!

أظن في هذا السياق أن الحرب على سورية مرت بمرحلتين رئيسيتين، مرحلة يمكننا أن ننعتها بالعشوائية، كانت أثناءها الولايات المتحدة الأميركية والدول الأوروبية المتعاونة معها بالإضافة إلى تركيا، تقف وراء ما بدا وكأنها سيرورة ثورية عربية من «المحيط إلى الخليج»، نهضة شاملة، يقظة حماسية قومية هي امتداد «لقناة الجزيرة ـ صوت العرب من الدوحة» لمكرمات الأمير القطري على اللبنانيين بعد حرب تموز 2006. يحكى أن المملكة السعودية أرسلت بدورها بالمناسبة أموالاً ولكنها تبخرت كما تتبخر الوعود أو ربما ابتلعها الوكلاء والحيتان في لبنان. (تلت هذه المرحلة الأولى مرحلة ثانية تميزت بولادة «التحالف الدولي ضد داعش» أيلول 2014)، بالتلازم مع ظهور خطوط مرسومة دولياً على الأرض السورية، تبين أنه لا يمكن اجتيازها إلا بعد أن يتوافق لافروف وكيري (وزير خارجية روسيا ـ ووزير خارجية أميركا) وإن اختلفا أعلنت الهدنة فوراً بإنتظار أن تُعدل الخطوط. يلزم التذكير أن هذه المرحلة الثانية شهدت معارك عين العرب «بين الكرد وبين داعش» حزيران  2015 ـ بروز حليف الولايات المتحدة الأميركية الكردي كبديل لداعش شرقي الفرات (بالإضافة إلى التدخل العسكري الروسي - أيلول 2015). بمعنى آخر تحولت الحرب من عشوائية إلى لعبة شطرنج محكومة بموازين القوى محلياً وبقوانين تعدد الأقطاب على الصعيد الدولي. اتضح للمرة الألف، ولكنهم عمي بكم لا يكنهون، أن الأوراق ليست جميعها في يد الولايات المتحدة الأميركية. لنقل أن الروس والصينيين أعلنوا أنهم لن يسمحوا بأن تتمدد الحرب إلى القوقاز، وانها يجب أن تنتهي في سورية.

مجمل القول وتبسيطا للأمور ان جبهة النصرة ـ القاعدة كانت تركية ـ فرنسية بينما كانت داعش أميركية ـ خليجية. ولكن إلى أين وصلت الآن الحرب على سورية ؟ اللافت للنظر منذ تحرير مدينة حلب هو تناول وسائل الإعلام الغربية بإسهاب آثار الحرب، منظمات الأمم المتحدة تعلن عن نتائج دراساتها في موضوع الفاجعة الإنسانية التي أصابت السوريين، يترافق ذلك مع تحقيقات مصورة عن الدمار، عن الأوضاع المعيشية وعن النازحين، عن الجهود التي يبذلها بعض الإعلاميين في كشف الحقائق (ذوي الأقلام البيضاء كمثل ذوي القبعات البيضاء). يرشح من هذا كله اتهام السلطات السورية، كأن هذه الأخيرة هي التي استدعت المرتزقة والجيوش الغربية إلى سورية من أجل أن تشارك معها في الحرب! هذا من ناحية أما من ناحية فيخيّل إلى المتابع من خلال هذا الإعلام الغربي أن الحرب توقفت في سورية. وأن المرحلة الحالية هي مرحل حصر الخسائر.  بالضد طبعاً من إعلام الدول الخليجية وإعلام الدولة السورية أو أنصارها في بلدان العرب. كالعادة ينتصر العربان في الإعلام، حتى هزائمهم تتحول إلى إنتصارات!

يأخذ المستعمرون في الغرب على الإعلام في سورية وهي في حالة حرب، انه ليس حراً، رغم أن الإعلام ممنوع ومقيد في ميادين الحرب التي تخوضها الولايات المتحدة الأميركية. أو قل أن العسكريين الأميركيين هم الذين يتولون مهمة إبلاغ الإعلاميين ما يجب عليهم قوله.

بالعودة إلى الساحة السورية من الواضح أن العسكر الأميركي بدأ يتقدم في شرق الفرات بوجه خاص، تحت غطاء كردي على حساب تنظيمات داعش وجبهة النصرة (طالبان والقاعدة في سورية). كان بديهياً أن حظ هذه التنظيمات في تسلم السلطة كان معدوماً. إذ ليس معقولاً أن تتولى الأخيرة قيادة دولة معترف بها دولياً، وبالتالي تتمتع بشرعية دولية، لسبب بسيط هو أنه يجب أن تبقى هذه التنظيمات المافيوية، التي لا يمكن التكهن بقراراتها وتصرفاتها لجهة علاقاتها وتحالفاتها، تحت المراقبة بحيث يمكن لجمها والسيطرة عليها في أي وقت دون مراعاة «للقوانيين الدولية» التي تحصن عادة السيادة الوطنية في عالم متعدد الأقطاب لا تسوده شريعة الغاب!

الرأي عندي أن هذه التدابير الإحتياطية إزاء الأخطار التي تمثلها تنظيمات من طينة داعش وجبهة النصرة ركبها المستعمرون كسلاح ضد دول ضعيفة البنية، تؤخذ حذراً أيضاً من الدول الخليجية التي تمتلك الرأسمال اللازم لشرء أطنان من السلاح الحديث فيكون استخدام الأخير مشروطاً ومراقباً من القواعد العسكرية الموجودة بوفرة في هذه البلدان الخليجية. فمن البديهي أن دولة قطر على سبيل المثال حيث تقع قاعدة عسكرية أميركية كبيرة لا تحتاج إلى الطائرات الحربية التي تبتاعها! إلا في مساعدة «ثورات الحرية والديمقراطية» التي تعد لها معاهد المخابرات الأميركية!

تتركز الحرب في سورية في الراهن على مناطق شرق الفرات وجنوب الليطاني في لبنان وعلى المحافظات السورية الجنوبية، القنيطرة، درعا، السويداء. انتهى دور داعش وجبهة النصرة وجاء دور « الدساتير « التي دشنها الحاكم الأميركي بريمر في العراق بحيث تستطيع كل جماعة أثنية أو مذهبية أن تطالب بالحكم الذاتي في الإقليم او المنطقة التي تشكل فيها هذه الجماعة الأكثرية العددية. 

إن الأرض لمن يحررها. في حقيقة الأمر ما تريده الولايات المتحدة هو وضع يدها على منطقة الجزيرة السورية بالإضافة إلى إيجاد منطقة تكون بمثابة حزام أمني للجولان بما هو خزان مياه وللدولة اليهودية الموعودة، وأرضاً للدولة البديلة الفلسطينية الإسلامية. هذا دليل على أن المعركة في سورية مصيرية لجميع سكان الهلال الخصيب ووادي النيل وشمال إفريقيا!ش